«خمس سنوات وأربعة أشهر كان ذلك في الشتاء أو في أوّله؛ لم تقل لي شيئاً. لم تعد ترد على هواتفي. مضت ولم أعد أعرف أين هي؟ تضايقت، وانفجرت. لكن الزمن كان كفيلاً بأن يجعلني أنسى..» هكذا انسحبت عن حياته بصمت موجع.. قاتل.. وليس أصعب من أن يرحل عنك إنسان عزيز اعتدت عليه تماماً كما تعتاد أنفاسك هكذا فجأة دونما سبب.. ما ذكرته أعلاه كان مطلعاً لإحدى قصص جميل حتمل بعنوان «أصابعها تلك..». «خمس سنوات وأربعة أشهر.. أَحدَث ذلك في تشرين؟ الأول أم الثاني؟.. كنت حينها أعتقد ألاَّ قدرة لي بعد سبع سنوات معها، سنوات حب واعتياد، وتفاصيل يومية.. سنوات حميمة حارة سنوات من شجار واختلاف أيضاً، من ملل أو فرح. كنت أعتقد أني سأبقى وحيداً، ولا أعتقد أنها ستتركني هكذا فجأة وتمضي..» بعد ذلك تمتزج لديه ذكريات السنين الخالية مع الواقع.. مع اللحظات التي يعيشها الآن ولا يستطيع الفصل بينها وتكاد تشعر عند قراءة السطور أنه هو ذاته لا يستطيع التمييز... ولا يدري أيها أجمل وأعذب، ذلك الذي مضى أم هذا الذي يحياه الآن.!! «مرت الأخبار بالفرنسية ولم أجد «الكلاش» ولم أفهم نصفها». قصة أخرى بعنوان )كلاش..(.. بطلها رجل وحيد كئيب منفي عن الأهل والوطن. «عدت إلى الفراش هكذا، مستفيداً من فرصة ألا أحد في المنزل، سيؤنبني. لأن لا أحد فيه غيري، وغير أكوام الجرائد، مما يذكِّرني افتراضا ببيوت غالب هلسا، وغائب طعمة فرمان)ترى ما العلاقة التي اكتشفها الآن بين غالب وغائب وموتهما؟...( اكتشف دائماً الأشياء متأخرة، كما أكتشف الآن هذا الكتاب عن الفن الذي إلى جانبي . والذي أهداني إياه أمس، صديق بمناسبة بلوغي الثامنة والثلاثين ياللهول وكتب لي عليه صباح الخير.. أي خير وأي صباح؟» وهكذا يستمر بطل القصة في التحدث عما حوله بمنتهى الكآبة والملل والإحساس بالغربة واللاجدوى.. «والساعة لم تبلغ الثامنة.. واليوم سيبدو طويلاً ومملاً.. وأنا لا أستطيع أن آخذ حبوباً منومة جديدة، لأنني لم أعد قادراً على تزوير «راشتات» جديدة...( أتوقف عن قراءة قصص جميل.. لأقرأ شيئاً مما قاله عبدالرحمن منيف عنه.. يبدو من خلاله أي ألم وأي حزن كان هذا الرجل يعانيه، ورغم ذلك كان يقاوم في سبيل أن يحيا وكانت الكتابة أحد أسلحة المقاومة، بل أشدها ضراوة؟! يقول عنه: عبدالرحمن منيف: )منذ الأيام الأولى للقائي بجميل حتمل، ورغم ضحكاته الصاخبة التي تشبه ضحكات الأطفال، وغالباً تنفجر لأفراح صغيرة، وبشكل مفاجىء، دون القدرة على التحكم بها، كانت تلك الضحكات تثير الهواجس لدي، لأنها تنقطع فجأة ، كما بدأت، ويعقبها صمت قاسٍ، وكأنها، من خلال الصمت، تحاول الاعتذار أو تكفِّر عن ذنب، وربما تقول، كما يقول محمد الماغوط: الفرح ليس مهنتي!( E-mail:[email protected] ص.ب: 61905 الرياض/ الرمز البريدي: 11575