منذ زمن ليس بالبعيد كان الاستاذ أبوخالد يعمل مدرساً في إحدى المدن الكبيرة مضى عليه في التدريس قرابة ثلاثين عاما وكان شعلة من النشاط والحيوية، عشق هذه المهنة عشقاً ومن يعشق الحسناء لم يغلها المهر» طلبته صاروا معه مدرسين ويتعجبون من مثابرته ومن صبره وحلمه وكان على مدى تلك السنين تُمنيه نفسه أن يحظى بشرف تكريم المعلمين المتميزين والذي تقيمه كل عام الإدارة التعليمية التابع لها. ويحضره لفيف من رجالات التربية والتعليم وأعيان البلد وكل عام ينتظر الذي بعده حتى طال عليه المطال وبعدت عليه السكك والسبل التي تؤدي إلى مدينة المتميزين. ما إن تمر ملاحظة المشرف التربوي عليه حتى تلد أختها وما إن يتخلص من ملاحظة حتى تنشب فيه أخرى وهكذا دواليك حصان الناعورة يدور ويدور حتى يفقد عزمه هكذا فمرة تكون الملاحظة التي يسجلها عليه المشرف انه لم يضبط فصله وثانية أنه لم يراع الفروق الفردية بين طلبته وفي العام الذي يليه أنه لم يستعمل السبورة والذي يليه أنه لم يأت بوسيلة حتى مل الصبر ومله الصبر وفي العام قبل الماضي عزم على أن يحقق كل مايصبو إليه المشرف التربوي فقام بجمع جميع الملاحظات السلبية عليه وحولها إلى إيجابيات وقام بجمع جميع الملاحظات الإيجابية والتي نال بها زملاؤه شرف التكريم وحفظها حفظا استعداداً لتطبيقها في الفصل عندما يدخل عليه المشرف ليقومه وفي صباح أحد الأيام الدراسية في العام الدراسي الذي قطع فيه عهداً على نفسه وبينما كان منهمكا بتصحيح واجبات طلبته في غرفة المعلمين ويحتسي قدحاً من الشاي همس في أذنه مدير المدرسة قائلاً يا أستاذ أبوخالد المشرف التربوي سوف يزورك في فصلك الحصة الثالثة في الصف الثاني ثانوي شاكراً لك حسن تجاوبك نزلت عليه هذه البشارة برداً وسلاماً، فهو دائماً معد لدرسه وملم بمادته ولديه من الوسائل مايسر الناظرين أسند رأسه على كومه تلك الدفاتر حتى يحين وقت الحصة الرابعة والتي لم يبق بينه وبينها إلا وقت يسير ويدور في فلكه «إيه قرب الفرج ودنا ولابد لهذا من آخر لابد أن أكون هذا العام في ركب المتميزين لم يعد عندي أي ملاحظة ولم يعد عند المشرف التربوي أي ملاحظة يبديها حتى لوجال في جميع أمهات كتب التربية الحديثة. حان دخول الحصة الرابعة استقبله طلبته كالعادة بفرح، أخذ يتجول في فصله كالأسد في عرينه طلبته يظهر عليهم الفرح والسرور كلهم جميعهم آذان صاغية وقلوب واعية يأخذون ويعطون أسئلة نموذجية يعقبها إجابات نموذجية، الفصل صار خلية نحل واحدة. دخل عليه المشرف التربوي فسر بما رأى وظهرت عليه علامات الثناء والاطراء لم ينتظر إلى نهاية الحصة وقد دون في مفكرته مادون ثم انصرف تحفه عين الرضا أكمل المدرس حصته حتى نهايتها أجمل من بدايتها وبعدما سمع جرس الحصة معلناً نهايتها ترك فصله وانقلب إلى مكتبه يمشي مشية القائد المنتصر ، عدل من شماغه ونفخ في كلتا يديه ليطرد غبار الطباشير ثم وضع دفاتر طلبته على مكتبه وفي فكره يدور، ماذا بعد هذا المشرف التربوي لابد أن يرضخ للأمر الواقع فلابد أن يكون هذا العام عام الفرح والسعد هذا العام سأجمع بين غنيمتين تكريمي كمتقاعد وتكريمي كمتميز سأحكي للأجيال قصة كفاحي وقصة مثابرتي وعظيم صبري وقوة احتمالي. مرت الأيام والأسابيع وأبوخالد يترقب ذلك الحدث ليعلن على الملأ فرحه وسروره وغبطته بتقويم الأداء المتميز هذا العام وليقيم حفلة فرح وتوديع لزملائه، وبعد مضي أيام ليست بالقصيرة وبينما هو يشرف على دخول طلبته إلى فصولهم إذا المدير يقدم له مظروفاً مغلقاً بإحكام فقام بفضه في الحال لأنه يعرف سلفاً مافي مثل هذا المظروف الذي تعود أن يدفن فيه المشرف التربوي تقويم الأداء الوظيفي فعلى عجل قرأ ما بداخله من بنود الملاحظات . وجد الشكر والثناء فغطاه الفرح والسرور من جميع الجهات كاد يطير من الفرح الطلبة والمعلمون والمدرسة تخيل إن هؤلاء يرفعون الأيادي ملوحة له بالتهنئة والتبريكات يريد أن يرفع صوته ليعلم ز ملاءه بفوزه هذا العام وانه في ركب المتميزين عاد وقرأ هذا التقويم الوظيفي مرة ثانية وثالثة حتى نهايته مسح عينيه بلع ريقه لم يصدق عينيه قرب الورقة إلى عينيه مرة رابعة كالعادة هناك ملاحظات أبرزها عفوا في الفصل طالب يتثاءب لم يشارك صار يرتجف ويرتعش اختلطت عليه الألوان رفع صوته غداً سأتقاعد وأقطع صلتي بالمدارس وسأحكي للأجيال القادمة قصة انكساراتي.