ليس أمرا جديدا أن تقف المملكة العربية السعودية مع الحقوق الفلسطينية لأن هذا من طبيعتها وتمليه عليها أصالة عروبتها ومبادئها. وليس غريبا أن تهتم المملكة بالأقصى وقبة الصخرة في القدس الشريف، فقد ظلت قضيتها الأولى التي لم تدخر جهدا في سبيلها عبر تاريخها الطويل، حيث تجسد قضية القدس ذروة الاهتمام بالجانب الإسلامي الفلسطيني. وليس أمرا مستهجنا هذه اللفتة الأبوية الحانية من خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز تجاه جرحى انتفاضة القدس لأنه عود أبناءه أبناء الشعب الفلسطيني دائما أن يمد يد العون والمعونة والمساعدة والمساندة لهم في جميع الظروف والأحوال. فالمملكة العربية السعودية لاتساوم على قضايا مصيرية تبني مواقفها منها على قواعد الدين والأخلاق والمسؤولية التاريخية لها كدولة رائدة للعمل العربي والإسلامي، ورائدة في الدفاع عن تلك القضايا التي يرتبط بها حاضر ومستقبل ومصير الأمة العربية والإسلامية. لقد كان من أهم دواعي قلق المملكة العربية السعودية من تطورات الصراع العربي الإسرائيلي عام 1967 احتلال إسرائيل للقطاع الشرقي من المدينة المقدسة والدخول في تهويد المدينة. فقد تبنت المملكة العربية السعودية قضية القدس الأرض والشعب والمقدسات نصرا ودعما ودفاعا منذ عهد المؤسس الباني الملك عبدالعزيز آل سعود رحمه الله الى هذا العهد الميمون عهد خادم الحرمين الملك فهد بن عبدالعزيز حفظه الله ، ووقفت بكل صلابة في مواجهة المؤامرات الصهيونية ضد المدينة ومقدساتها ومحاولات طمس تاريخها الإسلامي واغتصاب أرضها وتهجير أهلها وصولا إلى إحداث تغيير ديمغرافي يرجح الكفة اليهودية. وقد انطلقت المواقف السعودية بشأن القدس من اقتناع راسخ بأن القدس هي صلب القضية الفلسطينية التي هي محور الصراع العربي الإسرائيلي. فلا تمر مناسبة محلية أو عالمية تكون لها صلة بالأمة العربية والإسلامية دون أن تؤكد المملكة قولا وفعلا وتجدد موقفها المبدئي والثابت من قضية الشعب الفلسطيني وحقوقه المشروعة. وإذا كان موقف المملكة المميز والرائد من الصراع العربي الإسرائيلي لا يحتاج الى دليل، فإن موقفها من القدس يكتب لها بأحرف من نور في سجلات التاريخ. فقد دعمت تمسك المواطنين الفلسطينيين بأرضهم ومقدساتهم ووقفت الى جانبهم تخفف عنهم وطأة الإجراءات التعسفية التي تمارسها السلطات الإسرائيلية ضدهم. ولم يأل الملك عبدالعزيز رحمه الله جهدا في تأكيد عروبة القدس وإسلاميتها، ففي رسالة وجهها الى الرئيس الأمريكي الراحل روزفلت في 7/10/1358ه الموافق 29/11/1938م بين فيها رحمه الله قدم الوجود العربي في فلسطين ومما جاء في هذه الرسالة قوله : )إن سلطان العرب كان منذ الزمن الأقدم على فلسطين الى زماننا هذا،وقد كان العرب في سائر أدوار حياتهم محافظين على الأماكن المقدسة، معظمين لمقامها محترمين لقدسيتها، قائمين بشؤونها بكل أمانة وإخلاص، أما حقوق العرب في فلسطين فإنها لا تقبل المجادلة لأن فلسطين بلادهم منذ أقدم الأزمنة وهم لم يخرجوا منها كما أن غيرهم لم يخرجهم منها وقد كانت من الأماكن التي ازدهرت فيها المدنية العربية ازدهارا يدعو الى الإعجاب، ولذلك فهي عربية عرفا ولسانا وموقعا وثقافة، وليس في ذلك أي شبهة أو غموض، وتاريخ العرب في تلك البلاد مملوء بأحكام العدل والأعمال النافعة(. وبعد إحراق العصابات الصهيونية المسجد الأقصى في 21/8/1969م طلب الملك فيصل بن عبدالعزيز رحمه الله عقد مؤتمر إسلامي لمعالجة الوضع والنظر في خطورة إحراق المسجد الأقصى، وبالفعل عقد أول مؤتمر إسلامي في الرباط بالمملكة المغربية في الشهر الذي تلا حريق الأقصى، حيث وضع حجر الأساس لمنظمة المؤتمر الإسلامي، وقد أنشئت لجنة القدس للمحافظةعلى عروبة القدس وطابعها الإسلامي. وتدعم المملكة صندوق القدس الذي تأسس في نطاق الأمانة العامة لمنظمة المؤتمر الإسلامي في مايو 1976م ويهدف إلى مقاومة سياسة التهويد والمحافظة على الطابع العربي والإسلامي ودعم كفاح الشعب العربي في القدس وفي بقية الأراضي المحتلة. وكانت المملكة في مقدمة دول العالم العربي والإسلامي التي استنكرت قرار الحكومة الإسرائيلية بضم مدينة القدس واعتبارها عاصمة أبدية لإسرائيل، وقد أصدر الديوان الملكي السعودي بياناً ندد فيه بالقرار الإسرائيلي واعتبره خطوة عدوانية ضد الأمة العربية والإسلامية وجاء في البيان:)إن هذه الخطوة تعتبر قرارا خطيرا يستوجب صحوة الضمير العالمي للوقوف ضد هذا الإجراء الإجرامي الذي يهدف الى تدنيس القدس الشريف ووضعه الى الأبد تحت السيطرة الإسرائيلية(. وأكد البيان ) أن المملكة العربية السعودية تؤمن إيمانا مطلقا بأن لا سلام ولا استقرار في المنطقة ما لم يتحقق السلام العادل الذي يعطي الفلسطينيين حقهم في تقرير مصيرهم وإقامة دولتهم المستقلة على أرضهم ووطنهم وعودة الأراضي العربية الى ما كانت عليه قبل عام 1967م(. وفور صدور هذا البيان بدأت المملكة اتصالات مكثفة عربيا وإسلاميا ودوليا لمواجهة إجراءات الحكومة الإسرائيلية في ضم القدس. وتعاونت المملكة مع الدول الإسلامية حتى صدر قرار مجلس الأمن رقم 478 في عام 1980م الذي يطالب جميع الدول التي أقامت بعثات دبلوماسية في القدس بسحبها فورا، وهو القرار الذي أجمعت مختلف الأوساط على اعتباره نصرا للدبلوماسية الإسلامية واحباطا للخطط الصهيونية تجاه مدينة القدس. وبادرت المملكة العربية السعودية الي تنظيم ندوة عالمية خاصة حول )قضية القدس( دعت إليها قادة الفكر والرأي ورجال السياسة والأساتذة المختصين، فاجتمعوا في العاصمة البريطانية في ديسمبر 1979م، وفي الرسالة التي وجهها خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعز يز حين كان وليا للعهد أعلن فيها ان قضية القدس هي أهم المرتكزات لسياسة المملكة الخارجية. وكانت النداءات المتكررة من صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز أمير منطقة الرياض ورئيس اللجنة الشعبية لمساعدة مجاهدي فلسطين للتبرع لصندوق القدس صونا لمقدسات المسلمين في القدس الشريف من الاندثار، كانت هذه النداءات هي البلسم الشافي لسكان المدينة المقدسة انتظارا لتحريرها وفك أسرها من براثن الاحتلال الصهيوني. ومن منطلق رسالة المملكة ودورها الإسلامي وحرصها على مدينة القدس كحرصها على مكةالمكرمةوالمدينةالمنورة والحرمين الشريفين، واستشعارا منها بالمسؤولية الإسلامية جاءت مبادرة خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز بتحمل المملكة نفقات ترميم وإصلاح قبة الصخرة والمسجد الأقصى ومسجد الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه ومساكن الأئمة والمؤذنين بالقدس في إبريل 1992م بمثابة موقف حازم يعكس الاهتمام العميق بالمقدسات الإسلامية، وان هذه المقدسات تجد اليوم من يحميها ويصونها ويدافع عنها ضد مخططات أعداء الإسلام والمسلمين. وجاء تبرع الملك فهد بن عبدالعزيز بمبلغ عشرة ملايين دولار لدعم صندوق القدس الشريف في المؤتمر الحادي والعشرين لوزراء خارجية الدول الأعضاء في منظمة المؤتمر الإسلامي الذي انعقد في كراتشي في إبريل 1993م ليؤكد صدق وثبات توجيهات مبادئ المملكة العربية السعودية في أن القضية الفلسطينية هي قضية سعودية. وجاءت كلمة الملك فهد بن عبدالعزيز في افتتاح الدورة الثالثة والثلاثين للمجلس التأسيسي لرابطة العالم الإسلامي في ديسمبر 1993م والتي أعلن فيها من أن المملكة لن يهدأ لها بال حتى يعود المسجد الأقصى المبارك الى المسلمين لتؤكد من جديد أن المملكة العربية السعودية التي جعلت من قضية القدس الشريف قضية كل مسلم لن ترضى إلا بإزالة كل العدوان عن المدينة المقدسة وعودتها الى أصحابها الشرعيين وأنه إذا لم تتحرر القدس فما من عربي أو مسلم سيشعر بهدوء النفس والضمير، لتشكل انسجاما مع مواقف المملكة التاريخية والراسخة إزاء قضية القدس. وفي فبراير 1994م صدرت تعليمات خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز الى صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز برعاية حملة تبرعات شعبية على مستوى جميع مناطق المملكة يخصص ريعها وإيرادها لأغراض إعمار وإنقاذ المقدسات الإسلامية في القدس الشريف من جراء الإجراءات الإسرائيلية الهادفة الى طمس هوية القدس العربية والإسلامية، حيث حملت هذه الحملة اسم ) حملة إنقاذ القدس الشريف(. وقد وجه سمو الأمير سلمان نداء للتبرع للقدس جاء فيه: )إن القدس تناديكم لتسارعوا الى نجدتها وإنقاذها وإعمارها بالتبرع بما تجود به نفوسكم من مال وتستنهض هممكم العالية التي عودتنا الاستجابة لكل دواعي الخير كلما دعاكم الضمير لنصرة قضية إسلامية وهذا عهدنا بكم دائما(. إن المملكة العربية السعودية تعتبر أن لديها مسؤولية خاصة تجاه القدس الشريف، لذلك كانت مواقفها من وضع القدس خصوصا وقضية فلسطين عموما واضحة وثابتة باستمرار. يقول خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز )إن المملكة وقفت ولا تزال ضد سياسات الاستيطان البغيض في فلسطين المحتلة والانتهاك الصريح لحقوق الشعب الفلسطيني، لقد اختلفت المملكة مع الولاياتالمتحدة في هذا الصدد وأعلنت رأيا صريحا حول خطورة استمرار تجاهل الحكومة الأمريكية للحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني مع استمرار دعمها لإسرائيل، وأعلنا رأينا للعالم عن وجوب عودة القدس الى الوضع الذي كانت عليه قبل الاعتداءات الإسرائيلية(. وفي مؤتمر القمة الإسلامية السابعة التي انعقدت في الدار البيضاء في المملكة المغربية في ديسمبر 1994م أكد صاحب السمو الملكي الأمير عبدالله بن عبدالعزيز ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء ورئيس الحرس الوطني رئيس وفد المملكة المشارك في القمةعلى ) ان قضية القدس الشريف تمثل جوهر النزاع العربي الإسرائيلي الى جانب كونها قضية المسلمين الأولى وليس من الممكن أو المعقول قيام سلام شامل ودائم في الشرق دون التوصل الى حل عادل لهذه القضية(. وفي إطار السياق العام والتوجهات السياسية الثابتة للمملكة تجاه مدينة القدس وجه صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز أمير منطقة الرياض ورئيس اللجنة الشعبية لمساعدة مجاهدي فلسطين نداء في 17/2/1995م لإنقاذ القدس الشريف وقد تبرع الأمير سلمان بن عبدالعزيز بمبلغ نصف مليون ريال لمدينة القدس. وفي الندوة العالمية لشؤون القدس التي عقدت في روما في مارس 1997م أكد خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز أن المملكة العربية السعودية دائما في موقع الأحداث في كل )ما يتعلق بقضية القدس الشريف والمسجد الأقصى المبارك أولى القبلتين وثالث المسجدين الشريفين لما لها من قدسية خاصة حيث هي الأرض التي أسرى إليها رسول الله سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم من مكة الى بيت المقدس ومنها معراجه عليه الصلاة والسلام الى السماء(، وقد أعرب خادم الحرمين الشريفين عن قلق المملكة البالغ لما قامت به إسرائيل من فتح نفق على طول أساسات المسجد الأقصى مما يقدم دليلا جديدا على قيامها بالعمل على تهويد مدينة القدس الأمر الذي يتنافى في الواقع الديموغرافي لمدينة القدس الشرقية جزءا من الأراضي العربية التي احتلتها إسرائيل عام 1967م. وعندما اتخذ الكونجرس الأمريكي في يونيو 1997م قرارا باعتبار مدينة القدس عاصمة موحدة لإسرائيل وتخصيص مائة مليون دولار لنقل السفارة الأمريكية من تل أبيب الى القدس أعلنت المملكة العربية السعودية معارضتها لهذا القرار، واعتبرت هذا القرار انحيازاً واضحاً ضد ترسيخ أسس السلام في المنطقة وفق مرجعية مدريد وأوسلو وواشنطن. وعندما أقدمت الحكومة الإسرائيلية برئاسة بنيامين نتنياهو في يونيو 1998م علي اتخاذ قرار بتوسيع حدود مدينة القدس المحتلة وتوسيع سلطات بلديتها، أدانت المملكة هذه الخطوة واعتبرت هذا القرار غير شرعي وغير قانوني ويشكل انتهاكا خطيرا للمعاهدات والاتفاقات الدولية، وأدانت ما اتخذته السلطات الإسرائيلية من سياسات وإجراءات بهدف إحداث تغييرات سكانية ومؤسسية من شأنها تهويد القدس العربية وتغيير الواقع القانوني والتاريخي والديني والحضاري لها، ودعت المملكة مجلس الأمن الدولي لتحمل مسؤولياته تجاه السلام والعدل للقضية الفلسطينية وخاصة نحو الموقف الخطير في مدينة القدس والانتهاكات التي تواصلها سلطات الاحتلال تجاهها مما يهدد المنطقة كلها بأفدح العواقب. وجاءت جولة صاحب السمو الملكي الأمير عبدالله بن عبدالعزيز ولي العهد ونائب رئيس مجلس الوزراء ورئيس الحرس الوطني الأخيرة الى كل من الولاياتالمتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا والصين واليابان وكوريا الجنوبية والباكستان لدعم قضايا الأمتين العربية والإسلامية وبخاصة القضية الفلسطينية والقدس الشريف، حيث أكد الأمير عبدالله بن عبدالعزيز في لقائه مع قادة هذه الدول على رفض المملكة العربية السعودية التام لأي إجراءات أو سياسات أو أعمال تمس مدينة القدس وتغيير هويتها العربية وأن ما تقوم به إسرائيل في مدينة القدس من أعمال لتهويد المدينة المقدسة وتغيير معالمها وتوسيع حدودها وتوسيع سلطات بلديتها بالاستيلاء على مزيد من الأراضي بالقهر هو امتداد للعمل الإجرامي والمشين المتمثل بالمحاولة الصهيونية بحرق المسجد الأقصى، ومؤكدا في الوقت نفسه على وقوف المملكة العربية السعودية بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز يحفظه الله الى جانب فلسطين أرضا وشعبا لاسترداد كامل حقوقها وفي طليعتها إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على التراب الوطني الفلسطيني وعاصمتها القدس الشريف، وموقف سموه في واشنطن يؤكد من جديد ان الخطاب السياسي والإسلامي للمملكة تجاه فلسطين والقضية والمقدسات الإسلامية في القدس ثابت لا يتغير، حيث شدد الأمير عبدالله بن عبدالعزيز بعد اطلاعه على صيغة البيان السعودي الأمريكي المشترك وخلوه من ذكر القدس وعودتها للفلسطينيين أجاب بحزم بأنه لا يوقع بيانا لا يذكر فيه القدس فكان لسموه ما أراد. وفي قمة الألفية الثالثة التي نظمتها هيئة الأممالمتحدة بمقرها في نيويرك في شهر سبتمبر الحالي أعلن صاحب السمو الملكي الأمير عبدالله بن عبدالعزيز ولي العهد ونائب رئيس مجلس الوزراء ورئيس الحرس الوطني ان القدس الشريف جزء لا يتجزأ من الأراضي العربية المحتلة عام 1967م وينطبق عليها قرار مجلس الأمن رقم 242، وهو ما أكده سموه خلال لقائه مع رؤساء الجمعيات العربية والإسلامية وكبار المفكرين من أصل عربي في الولاياتالمتحدة الأمريكية حيث أكد ان القدس موضوع ليس فيه أخذ ولا عطاء فهو شيء واجب ومفروض على كل عربي وكل مسلم وكل إنسان فيه إنسانية لا بد أن يكون مع القدس، لأن القدس تاريخ وأصل ولا يمكن التخلي عنها أبدا أبدا مهما كان. وفي انتفاضة القدس المباركة هذه الأيام وإزاء ما يتعرض له الشعب الفلسطيني من اعتداءات وحشية من العدو الإسرائيلي أدت الى سقوط العشرات من الشهداء وآلاف الجرحى من الأطفال والنساء والشيوخ، أصدر خادم الحرمين الشريفين توجيهاته بإرسال طائرات الإخلاء الطبي إلى مدينتي عمانوالعريش لنقل خمسين من المصابين الفلسطينيين لعلاجهم في مستشفيات المملكة، وأمر كذلك بإرسال فريق طبي سعودي متخصص الى الضفة الغربية وقطاع غزة للمساهمة في علاج المصابين وتقديم المساعدة الطبية لهم. وقد أصدرت وزارة الخارجية في المملكة العربية السعودية بيانا أدانت فيه الممارسات العدوانية الغاشمة التي تقوم بها القوات الإسرائيلية وقتل أبناء الشعب الفلسطيني العزل على مرأى ومسمع من العالم. وقد حمل البيان الحكومة الإسرائيلية كافة نتائج هذه الممارسات اللاإنسانية ضد الشعب الفلسطيني، والتي أكدت من جديد تنكر إسرائيل للقانون الدولي واتفاقية جنيف الرابعة وضربها عرض الحائط لمبادئ عملية السلام في الشرق الأوسط مما يهدد الأمن والسلام في المنطقة. وطلب حكومة المملكة العربية السعودية المجتمع الدولي ومجلس الأمن وأعضائه الدائمين ولا سيما الولاياتالمتحدة الأمريكية بتحمل مسؤولياتها واتخاذ كافة التدابير اللازمة بموجب أحكام ميثاق الأممالمتحدة بما في ذلك الفصل السابع. وقد وصل عدد من جرحى الانتفاضة الفلسطينية الى مستشفيات المملكة للعلاج على طائرات الإخلاء الطبي من العريشوعمان، وقام صاحب السمو الملكي الأمير عبدالله بن عبدالعزيز بتفقد الجرحى وقلدهم وسام الملك عبدالعزيز من الدرجة الثالثة تقديرا لمواقفهم النضالية البطولية. وقدم الأمير عبدالله بن عبدالعزيز التعازي الحارة من حكومة وشعب المملكة في شهداء القدس وقال )إن ما تحملونه من جراح لا يعد إصابة بل وسام كريم حصلتم عليه بشجاعتكم ونضالكم، فكل قطرة دم عربية أريقت على أرض فلسطين هي سقيا لنبوت الكبرياء والمروءة وبطولة لن تنضب بحول الله وقوته(. وناشد الأمير عبدالله بن عبدالعزيز ) كل إنسان سعودي وعربي ومسلم ومحب للسلام والعدل على أرض المملكة العربية السعودية أن يبادر في لحظته هذه بمساندة أشقائنا في فلسطين العروبة والإسلام من خلال التبرع ماديا وهو أبسط ما يمكن ان يقدم عملا لا قولا أو شعارا دعما لهم ولقضيتنا المشتركة(. وأضاف الأمير عبدالله بن عبدالعزيز ) ان الوطن العربي والإسلامي تمثله فلسطين في لحظاتها هذه والإرادة العربية الإسلامية تنطق بكل وضوح في إنتفاضة أشقائنا في الأراضي العربية المحتلة ولا أبلغ ولا أعظم من تعبير رافض ساخط أدواته حجر في كف طفل وصرخة من قبل امرأة وصدور تستقبل حتفها بكل إيمان واقتدار وعزة سعيا الى الفوز بالشهادة أو النصر ولن يضيع حق وراءه مطالب ونحن أصحاب حق تاريخي شرعي وقضية عادلة مشروعة.. ولقد آن الأوان للطرف الإسرائيلي وكل من تعنيه عملية السلام أن يدرك ما يعنيه الأقصى بالنسبة لنا عربا ومسلمين تاريخا وإنتماء ودلالة عقائدية لا مساومة حولها أو عليها(. وأصدر خادم الحرمين الشريفين توجيها الى الأمير نايف بن عبدالعزيز وزير الداخلية بتعميد أمراء المناطق لفتح باب التبرعات لصندوق القدس لأبطال الانتفاضة في فلسطين )إنتفاضة القدس(.، وأصدر الأمير سلمان بن عبدالعزيز أمير منطقة الرياض نداءا للمواطنين والمقيمين ان يهبوا لتقديم كل عون ومساعدة لشعب فلسطين في انتفاضتهم المباركة، وقد تبرع خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز بمبلغ 30 مليون ريال، وتبرع الأمير عبدالله بن عبدالعزيز بمبلغ 10 ملايين ريال والأمير سلطان بن عبدالعزيز بمبلغ 10 ملايين ريال، وقد بلغت جملة التبرعات أكثر من 200 مليون ريال لصالح انتفاضة القدس، كذلك سلمت المملكة 30 طنا من الأدوية السعودية و 20 سيارة اسعاف مجهزة بمستلزماتها لوزارة الصحة الفلسطينية. وفي مؤتمر القمة العربية الطارئة التي عقدت في القاهرة في الفترة من 21 22 أكتوبر 2000م والتي أطلق عليها )قمة الأقصى(، حدد صاحب السمو الملكي الأمير عبدالله بن عبدالعزيز جوانب الموقف الذي يجب الخروج من المؤتمر، وهي ألا تنحصر مناصرةالشعب الفلسطيني في إطار الدعم المعنوي والسياسي بل يجب ان تكون المساندة لهم بكل الوسائل. وقد اقترح الأمير عبدالله بن عبدالعزيز إنشاء صندوق يحمل اسم صندوق انتفاضة القدس برأس مال قدره مئتا مليون دولار ويخصص للانفاق على أسر الشهداء الفلسطينيين الذين سقطوا في الانتفاضة وتهيئة السبل لرعاية وتعليم أبنائهم ، كما اقترح سموه إنشاء صندوق يحمل اسم صندوق الأقصى يخصص له ثمانمائة مليون دولار لتمويل مشاريع تحافظ على الهوية العربية والإسلامية للقدس والحيلولة دون طمسها وتمكين الاخوة الفلسطينيين من الفكاك من التبعية للاقتصاد الإسرائيلي. وقد أعلن الأمير عبدالله بن عبدالعزيز باسم خادم الحرمين الشريفين وباسم الشعب السعودي بأن المملكة العربية السعودية ستسهم بربع المبلغ المخصص لهذين الصندوقين، كما أعلن ان شعب المملكة وفي مقدمتهم خادم الحرمين الشريفين سيتكفل بدعم ألف أسرة فلسطينية من أسر شهداء وجرحى إنتفاضة الأقصى. وقد أكد الأمير عبدالله بن عبدالعزيز أن )القدس الشرقية قضية عربية غير قابلة للتنازل والمساومة ولا يمكن بأي حال من الأحوال التخلي عنه ونعتبرها جزءا لا يتجزأ من الأراضي العربية المحتلة التي تسري عليها قرارات مجلس الأمن ذات الصلة، وأن المسؤولية في الحفاظ على القدس وتحرير الأراضي المحتلة تقع علينا جميعا وليس هناك من أمل للاضطلاع بهذا الدور ما لم نقف صفا واحدا ونتجاوز الخلافات ونقف في وجه من يحاول ان يضعف تضامننا وينشر بزور الفتنة بيننا(. وقد اختتمت القمة العربية بإقرار مقترح المملكة العربية السعودية في دعم الانتفاضة والحفاظ على الهوية العربية للقدس. وفي مؤتمر القمة الإسلامية التاسع الذي عقد في العاصمة القطرية الدوحة في الفترة من 12 13 )نوفمبر( 2000م أعلن صاحب السمو الملكي الأمير عبدالله بن عبدالعزيز أن مصير مدينة القدس والأراضي المحتلة أمانة في أعناق القادة والزعماء العرب والمسلمين. وأكد سموه على ضرورة قطع العلاقات الدبلوماسية مع أي دولة تنقل سفارتها الى القدس المحتلة، وتوفير كل وسائل الدعم للاخوة الفلسطينيين وتعبئة الإمكانات وتهيئة المؤسسات المالية والاقتصادية لتمويل مشاريع يكون هدفها الحفاظ على الهوية العربية الإسلامية للقدس والحيلولة دون طمسها. وخلال استقباله الأدباء والمثقفين العرب المشاركين في ندوة )مستقبل الثقافة في العالم العربي( التي نظمتها مكتبة الملك عبدالعزيز بالرياض بمناسبة الاحتفال بالرياض عاصمة للثقافة العربية لعام 2000م يوم الأربعاء 22 نوفمبر 2000م أكد الأمير عبدالله بن عبدالعزيز أن الأمتين العربية والإسلامية لا يمكن لهما التفريط في القدس الشريف..لأن كرامة القدس من كرامة المسلم أولا والعربي ثانيا، وحتى لو قدمنا أطفالنا فداء لهم. وقال الأمير عبدالله بن عبدالعزيز: )القدس في نظرنا هو أول شيء مهما كان.. حتى لو قدمنا أطفالنا فداء له فما علينا حسوفة ولا يمكن أن نفرط في القدس أبدا..أبدا.. لأن كرامة القدس من كرامة المسلم.. المسلم أولا.. والعربي ثانيا.. ومن ثم الأديان الأخرى ما عدا اليهود الغاصبين الذين يقومون بهذا القتل وهذه الحرب بهذه القوة ضد هولاء الأطفال الذين يقاومون بالحجارة.. فأولئك بالدبابات والطائرات.. والأطفال بالحجارة.. كيف يحدث هذا.. فعليهم أن يخجلوا.. أن يخجلوا من العالم كله(. وفي موقف رائد ومميز للمملكة العربية السعودية في دعم انتفاضة الأقصى المباركة أصدر خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز أمره الكريم باستضافة )1000( حاج من ذوي شهداء انتفاضة القدس لأداء فريضة الحج لهذا العام على نفقته الخاصة. وتواصلا مع هذه المكرمة السامية فقد أمر خادم الحرمين الشريفين بصرف 1000 ريال سعودي لكل حاج فلسطيني أدى فريضة الحج هذا العام، والذين بلغ عددهم ) 15000( خمسةعشر ألف حاج. من هنا نلاحظ أن قضية القدس هي القضية المحورية التي تمثل عمق البعد الروحي لدى المملكة العربية السعودية، وأنها تأتي في مقدمة مرتكزات السياسة الخارجية للمملكة، حيث لعبت الدبلوماسية السعودية دورا بالغ الأهمية في تركيز اهتمام العالم على قضية القدس، والتأكيد على عروبة المدينة المقدسة، وتجريد المحتل الإسرائيلي من وهم الشرعية التي يحاول أن يضفيها على نفسه بتطبيق سياسة الأمر الواقع وسلاح القوة والبطش. 'كاتب وصحفي فلسطيني الرياض