يصادف اليوم الاربعاء الثاني عشر من شهر جمادى الآخرة الموافق 21 من شهر أغسطس الجاري مرور33 عاما على إحراق المسجد الأقصى على أيدي العصابات الصهيونية. ففي مثل هذا اليوم من عام 1969م امتدت يد الإثم والعدوان لإحراق المسجد الأقصى أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين ومسرى خاتم الأنبياء والمرسلين في محاولة من الصهاينة للقضاء على المقدسات الإسلامية في فلسطينالمحتلة. وقد أقدمت العصابات الصهيونية على تلك الفعلة الشنعاء بإيعاز من سلطات الاحتلال الإسرائيلي متعدية بذلك كل الأعراف والقوانين والقرارات الدولية التي أعطت للمدينة المقدسة وضعا وحقوقا خاصة وحفظت لها كافة معالمها الأثرية والحضارية الإسلامية. واثر العملية الإجرامية التي استمرت عدة ساعات وأدت إلى إحراق الجناح الشرقي من المسجد المعروف بجامع عمر وسقف المسجد الجنوبي ومحراب صلاح الدين ومنبر السلطان نور الدين سارعت الدول والشعوب الإسلامية إلى استنكار وشجب تلك الجريمة التي أثارت مشاعر كافة المسلمين. اتخذت مؤتمرات القمة العربية والإسلامية ودول عدم الانحياز واجتماعات هيئة الأممالمتحدة التي عقدت عقب الجريمة قرارات نددت فيها بالجريمة الصهيونية النكراء وبالممارسات التعسفية الصهيونية في القدس وكافة الأراضي الفلسطينيةالمحتلة. وطالبت بسحب قوات الاحتلال من الأراضي العربية المحتلة وفي مقدمتها القدس الشريف. وجاءت جريمة إحراق المسجد الأقصى في إطار سلسلة من الاعتداءات الإسرائيلية على المسجد في أوقات مختلفة وهي اعتداءات مستمرة حتى الآن. فقد اعتمدت سلطات الاحتلال سياسة تعسفية تجاه المسجد الأقصى والمدينة المقدسة إذ قامت في مطلع عام 1969م بإزالة حي المغاربة المجاور للمسجد بكامله وهدمت العديد من المساجد والمدارس الإسلامية التي تأسست في عهد الدولة الأموية. ومنذ الاحتلال الإسرائيلي الكامل لمدينة القدس عام 1967م قامت سلطات الاحتلال بهدم جميع الأبنية الإسلامية والأثرية الواقعة حول المسجد الأقصى بهدف تغيير وإزالة المعالم الإسلامية التي تتصف بها المدينة. وتضمنت الإجراءات الإسرائيلية شق الطرق داخل مقابر المسلمين الواقعة بالقرب من الحرم القدسي الشريف حيث جرفت عددا منها بينها مقبرة الرحمة واليوسفية إلى جانب الاستيلاء على مواقع أخرى في القدس وتحويلها إلى ثكنات عسكرية صهيونية. ومن أشد الإجراءات الإسرائيلية خطورة محاولات تهويد مدينة القدس باستخدام أساليب بعيدة عن الشرعية تضمنت مصادرة الأراضي والممتلكات الفلسطينية وممارسة أساليب القهر والإرهاب ضد سكانها العرب والمسلمين من أجل تهويد المدينة بالكامل ومحاولات تهجير اليهود من دول العالم وتوطينهم في القدس بل واعتبارها عاصمة لإسرائيل. واستمرارا للسياسة الإسرائيلية في تنفير المسلمين والتضييق عليهم وتخويفهم قام المستوطنون الإسرائيليون في فبراير عام 1994م بارتكاب مجزرة ضد المصلين العزل من المواطنين الفلسطينيين داخل الحرم الإبراهيمي بمدينة الخليل بالضفة الغربية راح ضحيتها عشرات الشهداء ومئات الجرحى. وتحل ذكرى إحراق المسجد الأقصى هذا العام في ظل تداعيات خطيرة وظروف بالغة الأهمية بعد أن حولت إسرائيل عملية السلام إلى عملية حرب ضد الشعب الفلسطيني مستخدمة القوة العسكرية لحصاره وعزله وجعله رهينة داخل الضفة الغربية وقطاع غزة بعد ان ثار أبناء الشعب الفلسطيني وأطفال الحجارة في وجه الجبروت الإسرائيلي معبرين بوضوح عن مرارة الإحباط بعد سنوات طويلة من الترقب وانتظار ما تؤدي إليه التسوية السياسية التي لم تحقق نتائج تذكر بسبب تعنت إسرائيل ومماطلتها وتراجعها عن تنفيذ التزاماتها. وقد انطلقت الانتفاضة الأخيرة بعد الزيارة الاستفزازية التي قام بها زعيم حزب الليكود أريل شارون على رأس مجموعة دينية متطرفة إلى المسجد الأقصى الشريف. وتأتي هذه الذكرى وإسرائيل مازالت تواصل خططها لتهويد القدس ومنع المسلمين من أداء شعائرهم الدينية مع مصادرة المزيد من الأراضي في المدينة وبناء المزيد من المستوطنات فيها وحولها لتغيير الوضع الديمغرافي في القدس واستيلائها المتواصل على المؤسسات والمقار الفلسطينية وآخرها احتلالها لبيت الشرق في القدس. وكانت المملكة العربية السعودية باعتبارها مهبط الوحي ومهد الرسالة المحمدية ومنبع الإسلام والدولة التي خصها الله بخدمة الحرمين الشريفين في مقدمة الدول التي أدانت واستنكرت عملية إحراق المسجد الأقصى ودعت إلى عمل موحد لوقف تجاوزات الصهاينة في حق المقدسات الإسلامية في القدسالمحتلة. وتتواصل مواقف المملكة بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز آل سعود وسمو ولي عهده الأمين إزاء القضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني والمقدسات الإسلامية في القدسالمحتلة وهي المواقف التي يسجلها التاريخ على مختلف الأصعدة. ففي إطار اهتمام خادم الحرمين الشريفين بالمقدسات الإسلامية في القدس أصدر حفظه الله في عام 1992م توجيهاته الكريمة بأن تتولى المملكة كافة نفقات إصلاح وترميم قبة الصخرة والمسجد الأقصى ومسجد الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه. كما دعمت المملكة تمسك المواطنين العرب بأراضيهم ومقدساتهم ووقفت إلى جانبهم تخفف عنهم وطأة الإجراءات التعسفية التي تمارسها السلطات الإسرائيلية ضدهم. واضطلعت المملكة العربية السعودية بجهود دبلوماسية مكثفة على مختلف الأصعدة من أجل القدس وتعاونت في هذا الشأن مع الدول الإسلامية حتى صدر قرار مجلس الأمن الدولي رقم 478 في عام 1980م والذي طالب جميع الدول التي أقامت بعثات دبلوماسية في القدس بسحبها فورا وهو القرار الذي أجمعت مختلف الأوساط على اعتباره نصرا للدبلوماسية الإسلامية وإحباطا لمخطط صهيوني تجاه مدينة القدس. وامتدادا للاهتمام والدعم المتواصل بقضية القدس الشريف واستمرارا للنهج الثابت لخادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز في خدمة الإسلام والمسلمين فقد تبرع حفظه الله خلال انعقاد المؤتمر الحادي والعشرين لوزراء خارجية الدول الأعضاء في منظمة المؤتمر الإسلامي المنعقد في كراتشي في ابريل عام 1993م بمبلغ عشرة ملايين دولار لدعم صندوق القدس. وفي فبراير عام 1994م صدرت توجيهات خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز إلى صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز أمير منطقة الرياض ورئيس اللجنة الشعبية لمساعدة مجاهدي فلسطين برعاية حملة تبرعات شعبية على مستوى جميع مناطق المملكة يخصص ريعها وإيرادها لأغراض إعمار وإنقاذ الأماكن الإسلامية في القدس الشريف. وفي مؤتمر القمة العربي الاستثنائي المنعقد في القاهرة في شهر اكتوبر من عام 2000 تبنى المؤتمر اقتراح المملكة العربية السعودية الذي أعلنه صاحب السمو الملكي الأمير عبدالله بن عبدالعزيز ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء ورئيس الحرس الوطني خلال المؤتمر بإنشاء صندوقين برأسمال قدره مليار دولار من أجل المحافظة على الهوية العربية والإسلامية للقدس ولدعم انتفاضة الأقصى المباركة حيث ساهمت المملكة العربية السعودية بمبلغ «250» مليون دولار في هذين الصندوقين. كما تكفلت المملكة العربية السعودية بدعم ألف أسرة فلسطينة من أسر شهداء جرحى انتفاضة الأقصى. وفي التاسع من شهر أكتوبر من العام نفسه أصدر خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز أيده الله أمره الكريم إلى أمراء المناطق بالمملكة لفتح باب التبرعات لصندوق القدس لأبطال الانتفاضة في فلسطين «انتفاضة القدس». كما أرسلت المملكة العربية السعودية بأمر خادم الحرمين الشريفين إلى الضفة الغربية وقطاع غزة متخصصين للمساهمة في علاج المصابين وتقديم المساعدات الطبية لهم واستقبلت مستشفيات المملكة أيضا المصابين الفلسطينيين من جراء الاعتداءات الإسرائيلية حيث نقلتهم للعلاج في المملكة طائرات الإخلاء الطبي السعودي. وتأتي مبادرة صاحب السمو الملكي الأمير عبدالله بن عبدالعزيز ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء رئيس الحرس الوطني التي طرحها في مؤتمر القمة العربي في دورته العادية الرابعة عشرة في بيروت لإحلال السلام في منطقة الشرق الأوسط ضمن منظومة الجهود السعودية لخدمة قضايا الأمتين العربية والإسلامية حيث أقرها المؤتمر وأصبحت بذلك مبادرة عريبة للسلام في الشرق الأوسط حيث دعا سموه إلى انسحاب إسرائيل الكامل من جميع الأراضي العربية المحتلة منذ عام 1967م تنفيذا لقراري مجلس الأمن 242 و338 واللذين عززتهما قرارت مؤتمر مدريد عام 1991م ومبدأ الأرض مقابل السلام وإلى قبولها قيام دولة فلسطينية مستقلة وذات سيادة وعاصمتها القدس وذلك مقابل قيام الدول العربية بإنشاء علاقات طبيعية في إطار سلام شامل مع إسرائيل وعودة اللاجئين الفلسطينيين. وهكذا تتواصل مواقف المملكة العربية السعودية الخيرة بقيادة خادم الحرمين الشريفين وسمو نائبه حفظهما الله في دعم قضية القدس حيث عبر خادم الحرمين الشريفين حفظه الله عن ذلك في إحدى المناسبات الإسلامية بقوله «إن قضية فلسطين ووضع الأراضي المحتلة وفي مقدمتها القدس مازالا يحتلان جل اهتمامنا ويستغرقان الكثير من جهودنا ومساعينا». وبالرغم من قرارات المجتمع الدولي ودعوات الأمة العربية إلى السلام مازالت إسرائيل تمارس غطرستها وأعمالها الإجرامية على مرأى ومسمع من العالم غير عابئة بعواقب تلك الأعمال الإجرامية التي تقترفها تجاه أبناءالشعب الفلسطيني وأرضه ليلا ونهارا.