يتسم المتعلمون سابقا بالجدية والاخلاص والمثابرة في طلب العلم لقلة الصوارف وانعدام الملهيات في زمانهم فهم ما ان يحفظوا الالفيات والمتون في علم ما، كالفرائض والفقه والنحو حتى يعرجوا الى الشروح والمطولات والزوائد والملخصات بحيث يستطيعون ان يأخذوا من كل علم بطرف وان يحيطوا احاطة علمية شمولية متكاملة به.. اما جيل اليوم فدائما ما يُتهم بالعجلة والسرعة في نيل ثمرة العلم لطبيعة عصره ولذا فدائما ما يريد هذا الجيل من مدرسي مواده الدراسية او اساتذته الجامعيين ان يقدموا ملخصا في مادتهم العلمية وان يوجزوا في القول فهم لا يمتلكون الوقت الكافي للاستماع الى الشروح والمطولات والاسهابات واقوال العلماء ونظريات اكاديمية في مسألة ما.. ليس عندهم وقت للاستماع الى كل هذا فالملهيات تنتظره في المقهى والانترنت والفضائيات التي تجود بكل غث وسمين .. ومن الملاحظ ان قاعات الدرس اصبحت في القرن الواحد والعشرين رغم تشييدها بمبالغ باهظة خالية من الاسئلة والتحاور والنقاش فلم يعد الطلبة يجادلون اساتذتهم بالتي هي احسن ويناقشونهم ويسألونهم في كل مادة علمية يتلقونها. وتكاد شخصية الطالب تختفي وتذوب في هذا العصر، فقد كان طالب الامس مع توقيره وتبجيله واحترامه لمدرسه رغم انه لا ينسى ذلك المثل الشعبي المتداول «من علمني حرفا صرت له عبدا» يناقش استاذه في كل ما يتلقاه ويسأله ويطلب منه ان يعيد المسألة ان لم يفهمها ولكن طالب اليوم وللاسف لم يعد يناقش، لم يعد يسأل.. لم يعد يطلب من مدرسه او استاذه الجامعي ان يعيد المعلومة مرة اخرى في حالة عدم فهمها فهو يريد ان يحصل على المعلومة السريعة الجاهزة المقشرة المشوهة فنتج عن ذلك ظهور الهشاشة والسطيحة في خارطة الجيل الجديد نتيجة لاهتمامه بتوافه الامور والشكليات.ولذا قديما كان يقال «العلوم اقفال والاسئلة مفاتيحها» فعلى الطالب ان يعي جيدا ان العلم ليس استقبالا وتلقيا وتلقينا فقط، بل عليه ان يتعود على طرح التساؤلات واثارة الاسئلة فالطالب الجيد حقا هو الذي يستطيع ان يملأ قاعة درسه بعلامات الاستفهام. وشيخنا الفاضل المربي عثمان الصالح ينتمي الى ذلك الجيل الذي تبدو فيه شخصية المعلم تتضح بشكل اوضح في مجتمعه وذلك من خلال تفاعله الايجابي مع جميع فئات المجتمع وشرائحه فالمعلم الحق هو الذي يرى ان رسالته لا تقتصر في الفصل وداخل اسوار المدرسة فقط، بل تتجاوز علاقته الى ابعد نقطة في المجتمع ولذا فالمربي الفاضل الشيخ عثمان يتمتع بعلاقات جيدة ويحرص على توثيقها ودعمها بكل ما جبل عليه من اخلاق فاضلة وصفات مثلى مما جعله يحظى بمحبة الجميع لانه باختصار محب للجميع، طيب السيرة والسريرة، يحسن الظن بالآخرين، يفرح بالخير للمحبين، لسانه رطب بالخير، دائما ما يلهج بالكلمة الطيبة فلا عجب اذن ان كانت الطيبة والمحبة مجتمعة في قلب ذلك الرجل المحب الذي يجسد لنا من خلال تعامله مثاليات المربي وأخلاقيات المعلم الرشيد. وهناك نقطة اخرى يجب ان اشير اليها وهي ان المربي الفاضل يحرص كل الحرص على مصاحبة الكتاب وله ولع شديد واهتمام بالغ بالاطلاع على كل ما تجود به المطابع من صحف ومجلات ودوريات لإيمانه البالغ بأهمية الكتاب في حياة الانسان خصوصا اذا كان معلما اذ يؤكد لنا الشيخ من خلال علاقته الوطيدة مع الكتاب، اهمية الكتاب والقراءة الحرة للمعلم اذ ينبغي له ألا يقتصر في معلوماته على كتاب منهجه التعليمي فقط بل ينبغي عليه ان يجدد معلوماته بكل ما توفر له من الوسائل المتاحة في ذلك من وسائل اعلامية مقروءة او مسموعة ام مرئية للارتباط الوثيق بين العلم والمعرفة ، بين المنهج والثقافة.. فشخصية الانسان تتضح من خلال قراءاته المتكررة، وكم من معلم زرع بذرة حب القراءة في أنفس الناشئة.كما ان الشيخ دائما ما يتفاعل مع الادباء والمفكرين وذلك من خلال مكاتباته ورسائله الاخوانية اليهم كما انه يحرص على ان ينشر ما بين الفينة والاخرى مقالات ادبية في الصحف والمجلات السيارة. ولا ننسى ان نُشيد بصالون الشيخ عثمان الصالح الادبي الذي يديره ويشرف عليه نجله الاستاذ بندر عثمان الصالح وأمثاله من الصوالين الادبية الاخرى في اثراء الحركة الادبية خصوصا وان الاثنينية التي ارتبط مسماها بمسمى الشيخ الجليل تحظى باهتمام واسع من الصحافة لتسليط الاضواء على الموضوعات التي تطرح في المنتدى، علما بأن هذه الموضوعات تختار ضمن لجنة مشورة للأثنينية مكونة عددا من الاساتذة الجامعيين والمفكرين والادباء للتشاور في الاوراق المقدمة واعتقد ان الرسالة التي تريد توصيلها للاجيال والمثقفين والمبدعين هي ابراز الاسس الفكرية القائمة عليها مملكتنا الغالية والتأكيد على هويتها الثقافية والافادة من علماء البلاد والاستفادة منهم سواء كانوا رموزا علمية ام ثقافية ام فكرية اضف الى ذلك وهو الاهم كما جاء في بنود اهداف الاثنينية المشاركة في تأكيد وترسيم الاسس العقائدية والفكرية والمنهجية التي قامت عليها بلادنا حرسها الله فتحية طيبة لذلك الرجل الرشيد الذي نحتفي به على صفحات جريدتنا العزيزة )الجزيرة(.