في إحدى ورقات التقويم قرأت: «يحكى عن ابي يوسف الفقيه ان رجلاً كان يجلس اليه فيطيل الصمت، فقال ابو يوسف: الا تسأل؟ قال: بلى، متى يفطر الصائم؟ قال: إذا غربت الشمس، قال: فإن لم تغرب إلى منتصف الليل!! فتبسم أبو يوسف رحمه الله وتمثل بقول الشاعر: وفي الصمت ستر للعييِّ وانما صحيفة لب المرء ان يتكلما عندما قرأت ذلك، قلت في نفسي: من الخطأ ان نحكم على انسان ما ان كلامه ينم عن غباء، او ان عقله ليس سوياً، فهذا الرجل الذي حكم عليه أبو يوسف بأنه عيي او غبي، يمكن ان يكون سبق ابا يوسف الفقيه بمئات السنين، فالصامتون المتأملون احياناً يقولون اشياء تجعلنا نقول عنهم انهم «اغبياء»، وربما تعمقوا في التفكير اكثر ثم خرجت منهم كلمات تجعلنا نطلق عليهم «مجانين». والعقل البشري ربما يخترق الزمن والواقع ثم يقول اشياء خارقة تظهر صحتها فيما بعد. وفي القصة ما جعلني اعتقد ان الرجل «عبقري» عبقر واد يدعي العرب ان الجان تسكنه وان ابا يوسف الفقيه لم يصل الى ما يفكر به، فهذا السؤال: «فإن لم تغرب الى منتصف الليل» سؤال وجيه في زمننا هذا ، ففي مرة سمعنا احدهم يسأل فقيهاً عن الحكم، اذا غربت الشمس ثم افطر الصائم وبعد قليل اقلعت الطائرة فرأى الشمس مرة اخرى ، فما حكم افطاره؟ ، بل اكثر توافقاً مع تفكير «صاحب ابي يوسف الفقيه» ان تفطر في المملكة ثم تطير الى اليابان بسرعة عالية، وتجدهم في منتصف النهار، او العكس ان تغادر قبيل المغرب الى جهة ثم تسير الساعة الى منتصف الليل والشمس لم تغب بعد. احيانا ً اتصور ان المجانين اناس يفوقون الاخرين في التفكير، فهم يقولون اشياء تدور في اذهانهم، وربما يسبقوننا في التفكير فنحن اذاً الاغبياء، ان من يقول جملة لا تتوافق مع تفكيرك تحكم عليه بالغباء وبالجنون، وهذا فيه ظلم كبير، لماذا لا تفكر بطريقة اخرى؟.. انه يمكن ان يفكر في اشياءانت لم تفهمها بعد. انني انصح من يتذاكون ويدعون الفهم ان يتوقفوا امام العبارات التي لم يفهموها، وأدعو اذكياء العالم ان يتجهوا الى ما اخترعناه واودعنا فيه العباقرة واطلقنا عليهم «مجانين» وهذه دعوة ايضا للاستفادة من العقول المودعة في مستشفيات المجانين بأن يكتبوا لنا التاريخ الذي يفكرون فيه فربما استشفّوا لنا بعض ملامح المستقبل، لان دقة تفكيرهم جعلتنا نحن الاغبياء ونحن المجانين نودعهم في تلك المصحات ظلماً وعدواناً لاننا لم نتفق معهم فيما يفكرون فيه. وبين العقل والجنون شعرة كما يقولون، وارى ان بين الواقع والجنون مسافات تاريخية «زمانية» فقط.