عندما نتكلم عن كلمة الذكاء في اللغة، فهي مشتقة من الفعل ذكا يذكو: أي اتقد واشتعل.. فما الذي يتقد في المرء الذكي فيجعلنا نصفه بالذكاء؟ وما الذي يشتعل عنده ويلمع فيجعلنا نقول عنه: إنه لامع..؟ كلمة ذكي كصفة يستخدمها الناس على بعض الأشخاص في مواقف معينة، فنقول هذا الشخص ذكي لأنه سريع البديهة فيدرك الغاية، ويفهم القصد أسرع من غيره، أو لأنه متقدم في لعبة الشطرنج، أو في العمليات الحسابية.. وغيرها من الصفات التي نشاهد فيها فروقاً واضحة بين الأفراد في قدرتهم على التأقلم الاجتماعي والتوافق مع المواقف الجديدة أو قدرتهم على التعلم، وتظهر الفروق بين الأفراد في جميع مجالات الحياة، ففي المدرسة تتفاوت قدرات التلاميذ على التحصيل والنجاح، وكذلك في الأعمال والمهن. والذكاء عالم غامض، وهذا أمر طبيعي فالإنسان في جميع جوانبه لا يزال لغزا مجهولاً وقد تبارى العلماء والباحثون على مر الأعوام في محاولة لدخول عالم فكر الإنسان وطرق تفكيره وأسباب نبوغه، ولقياس الذكاء وضعت الاختبارات والمقاييس لإعطاء نسبة ثابتة يوصف بها الشخص، ولقد كشف علم النفس حديثاً أنه لا يمكن لنا الاعتماد بشكل موثوق على نتائج امتحانات الذكاء، أو النتائج المدرسية في التنبؤ بشكل مطلق عمن سينجح في الحياة، فالذكاء الأكاديمي لا يوفر الاستعداد لمواجهة متقلبات الحياة ومتغيراتها، والنجاح الأكاديمي لا يعني النجاح في مجابهة صعوبات الحياة وتعقد العلاقات الإنسانية. لقد أصدر )Gardner( 1983م كتاباً بعنوان )Frames of Mind( ذكر فيه ضيق أفق التفكير القديم عن الذكاء ويقول: إن العصر الذهبي لامتحانات الذكاء بدأ خلال الحرب العالمية الأولى حيث أخضع مليونان من الأمريكيين لامتحانات الذكاء التحريرية من أجل تصنيفهم ثم نمت وتطورت على يد عالم النفس )Lewis Terman ( من جامعة ستانفورد. ولقد استنتج )Gardner( أن مقياس )ستانفورد بينية( للذكاء لا يتنبأ بإنجاز ناجح أو بنشاط دائم وفاعل في العمل الوظيفي. وذكر أيضاً في كتابه أن نجاح الفرد في الحياة لا يقرره نوع واحد من الذكاء بشكل حاسم، وإنما هناك قطاع واسع من أنواع الذكاء المتعددة. وهو يقر أن تحديد أنواع الذكاء بعدد معين هو افتئات ظالم، فليس هناك رقم سحري يحدد القابليات الفطرية المتعددة عند الإنسان. كان الناس فيما مضى يعتقدون بوجود نوع واحد من الذكاء يتحكم في جميع مجالات الحياة، وفي المدة الأخيرة توصل الباحثون إلى ان الذكاء ليس نوعاً واحداً فقط وإنما هو أنواع عدة ولكل منها مجاله الخاص واستقلاليته، فهناك الذكاء الأكاديمي والذكاء الاجتماعي والذكاء العاطفي. لقد اختطت مجموعة من العلماء وفيهم )Salvory( و)Sternberg( لنفسها صورة أوسع مدى عن الذكاء هادفين من ذلك إعادة هيكلة هذه الصورة لتشمل ما يفضي بنا إلى حياة عملية ناجحة، وهذا ما يدعونا إلى الوقوف على ما للذكاء العاطفي من مكانة، وإلى مدى أهميته في حياتنا. الذكاء العاطفي: هو مجموعة من الصفات أو الخصائص أوالطباع التي لها قيمتها وأثرها على مستقبلنا ومصيرنا، ويفتح لنا طرقاً إضافية للسير فيها للوصول إلى النجاح على مسار الحياة وفي خضمها، ويضيف إلى شخصية الفرد صفات كثيرة تجعل منه إنساناً بمعنى الكلمة مطبوعاً بطابع الإنسانية، وله أثره الذي لا ينكر للوصول للحقائق والاستنتاجات، فبالسيطرة على الانفعالات والدوافع والرغبات الخاصة، والانتظام المزاجي وعدم الخضوع للنزوات العابرة والتروي في الأمور والتحلي بالود والمحبة، يمكنه ألا يدع ما يحول بينه وبين القدرة على التفكير، فاضطراب المزاج له أثره في اضطراب التفكير، والغضب لا يدع مجالاً للإصغاء للعقل والمنطق ولا يدعنا نبدي أي تسامح وعدم حساب للعواقب والنتائج، لذا كانت ضرورة إطفاء جذوة الغضب ومقاومة أثر الضيق والتبرم والقلق، والسيطرة على النزوات. يرى )Salvory( أن الذكاء العاطفي يشمل خمسة مجالات رئيسية، هي: 1 معرفة الإنسان عواطفه: يعني هذا الوعي بشعور وأحاسيس الذات مما يؤدي إلى فهم الذات، وتمكن الربان الماهر على توجيه خط سيرالحياة، وإدارة دفة سفينته عليها. 2 إدارة العواطف: والقدرة على إعادة النفس وبسرعة إلى حالة التوازن العاطفي والضبط الانفعالي. 3 أن يحفز الإنسان ذاته: بتسخير العاطفة لتكون دافعاً قوياً للتفوق والإتقان والإبداع، وتفعيل الدافع الذاتي عند الإنسان. 4 تقدير عواطف الآخرين وأحاسيسهم: مما يمكنه من إقامة علاقات يسودها المودة والمحبة والحنان. 5 إقامة العلاقات: وهي فن ترجع في جزئها الأكبر إلى المهارة في التفهم وإدارة عواطف الآخرين وأن تكون لديه خارطة اجتماعية كاملة في تعامله مع من تربطه معه علاقة ما، ويحتمل من توفرت فيه هذه الصفة أن يصير نجماً لامعاً أو يحتل مركزاً اجتماعياً أو قيادياً ويتمتع باحترام شعبي. فؤاد أحمد البراهيم