اعتاد عامة الناس في وقتنا الحاضر على أن تكريم الشعراء والأدباء العظام لا يكون إلا بعد أن ينتقل هؤلاء إلى رحمة الله,, ولكن وعلى الرغم من ذلك فهناك فئة قليلة جداً حظيت بالتكريم في حياتهم وكانوا أهلاً لهذا التكريم,, وما دعاني للكتابة عن الشاعرة الفلسطينية الشهيرة فدوى طوقان إلا الوفاء من جيلنا الشاب المثقف لهذه الشاعرة التي أبدعت أيما إبداع فأخرجت لنا العديد من القصائد والأشعار التي نترنم بها ونقرأها ما بين الفينة والفينة، وأيضاً عرفاناً وتكريماً لها وتعريفاً بها لمن لا يعرفها خصوصاً وهي ما تزال تعيش بيننا كمثل الزهرة اليانعة على الرغم من تقدمها في العمر. ولعل هذا التكريم البسيط جداً في طريقته يصل إليها لتعلم أن هناك من يقرأ لها ويتابع أعمالها وإنتاجها الأدبي والثقافي,, وسوف أقف على بعض القصائد التي تظهر مدى ما تملكه الشاعرة من موهبة شعرية تجعلنا نقف احتراماً وتقديراً وعرفاناً لها. بداية الشاعرة فدوى عبدالفتاح طوقان هي شقيقة الشاعر الراحل إبراهيم طوقان,. ولدت في نابلس بفلسطين بين عامي 1919م و1920م,, صدرت لها عدة مجموعات منها وحدي مع الأيام وأمام الباب المغلق ,, وقد كتبت الكثير من القصائد عن نكبة فلسطين,, تأثرت الشاعرة بالقرآن الكريم وبالشاعر العربي المتنبي وبأخيها إبراهيم,, كتبت الشعر العمودي والحر,, أسلوبها متين,, وهي تعد من الشاعرات الرومانتيكيات. دعونا نبدأ معها ومع قصيدة مع المروج التي تقول فيها: هذي فتاتك يا مروج، فهل عرفت صدى خطاها عادت إليك مع الربيع الحلو يا مثوى صباها عادت إليك ولا رفيق على الدروب سوى رؤاها كالأمس، كالغد، ثرة الأشواق مشبوباً هواها. في قصيدة الشاعرة والفراشة تخاطب الشاعرة إحدى الفراشات فتواسيها وفي نفس الوقت تشتكي إليها فتقول: ما أجمل الوجود,, لكنها أيقظها من حلو إحساسها فراشة تجدلت في الثرى تودعه آخر أنفاسها تموت في صمت كأن لم تفض مسارح الروض بأعراسها دنت إليها وانثنت فوقها ترفعها مشفقة حانية: أختاه ماذا؟ هل جفاك الندى فمت في أيامك الزاهية هل صد عنك الزهر؟ هل ضيعت هواك أنسام الربى اللاهية إلى أن تقول: أختاه لا تأسي فهذي أنا أبكيك بالشعر الحنون الرقيق قد أنطوي مثلك منسية لاصاحب يذكرني أو رفيق أواه: ما أقسى الردى ينتهي بنا إلى كهف الفناء السحيق ولم تنس الشاعرة أن تتغزل بمصر الكنانة حينما قالت في قصيدة في مصر : يا ليتني يامصر نجم في سمائك يخفق ياليتني في نيلك الأزلي موج يدفق ياليتني لغز، أبو الهول احتواه، مغلق تهوي وتنسحق الدهور مواكباً، وأنا هنا بعض خفي من كيانك لست أدرك ما أنا أما العيد فهو عند الشاعرة له شكل آخر، ويتضح ذلك في قصيدة مع لاجئة في العيد التي تقول فيها: أختاه، هذا العيد عيد المترفين الهانئين عيد الألى لا العار حركهم ولا ذل المصير فكأنهم جثث هناك بلا حياة أو شعور أختاه، لا تبكي فهذا العيد عيد الميتين. وفي قلب الشاعرة لأخيها الراحل إبراهيم مكانة خاصة، حيث كتبت فيه العديد من القصائد ترثيه تارة وتذكره تارات أخر، من ذلك حلم الذكرى : أخي، ياأحب نداء يرف على شفتي مثقلاً بالحنان أخي، لك نجواي مهما ارتطمت بقيد المكان وقيد الزمان أحقاً يحول الردى بيننا ويفصلني عنك سجن كياني فمالي إذا ما ذكرتك أشعر إنك حولي بكل مكان أحس وجودك أؤمن أنك تسمع صوتي هنا وتراني وكم طائف منك طاف بروحي إذا ماالكرى لفني واحتواني. ولا تنس الشاعرة تلك الضيعة المسماه بيسان التي كانت تقصدها شتاءً فتقول عنها: الله يابيسان كانت لنا أرض هناك بيارة، حقول قمح ترتمي مد البصر تعطي أبي خيراتها القمح والثمر كان أبي يحبها، يحبها كان يقول: لن أبيعها حتى ولو أعطيت ملأها ذهب واغتصب الأرض التتر ومات جدك الحزين ياصغيرتي مات أبي من حزنه كانت جذوره تغوص في قرار أرضه هناك بيسان ويستمر يعلب الشريط يدور كالزمن حكاية طفلية هنا وزقزقات وضحك هناك. وأخيراً أختم بقصيدة لن أبكي التي أهدتها إلى شعراء المقاومة في الأرض المحتلة فتقول: على أبواب يافا يا أحبائي وفي فوضى حطام الدور بين الردم والشوك وقفت وقلت للعينين: ياعينين قفا نبك على أطلال من رحلوا وفاتوها تنادي من بناها الدار وتنعي من بناها الدار وأن القلب منسحقاً وقال القلب: مافعلت؟ بك الأيام يادار؟ وأين القاطنون هنا وهل جاءتك بعد النأي هل جاءتك أخبار؟ ,,هنا كانوا هنا حلموا ,,هنا رسموا مشاريع الغد الآتي فأين الحلم والآتي وأين همو وأين همو؟ ولم ينطق حطام الدار ولم ينطق هناك سوى غيابهمو وصمت الصمت والهجران.