أقام النادي الأدبي بالرياض، بالتعاون مع الجمعية العلمية السعودية للغة العربية، مساء السبت 12-1-1432ه ندوة بعنوان «اللغة والإبداع»، وذلك في مقر النادي في الرياض؛ احتفاءً بمناسبة يوم اللغة العربية العالمي الذي يصادف يوم 21 من شهر فبراير من كل عام للاهتمام باللغة العربية وآدابها وفنونها المختلفة. وجاءت الكلمة الأولى قبل بداية هذه الندوة لرئيس النادي الدكتور عبدالله الوشمي، الذي رحّب بالمشاركين في هذه الليلة العربية الخالصة، وأثنى على هذا التعاون بين الجمعية والنادي من أجل القيام بمثل هذا النشاط المهم في المجتمع. مؤكداً أن اللغة العربية تُعدّ من بين اللغات العالمية التي يجدر بنا صيانتها والاهتمام بشأنها خدمة للإنسانية. ثم ألقى رئيس الجمعية الدكتور أحمد السالم كلمته في هذه المناسبة حينما اقتضب شاكراً النادي الأدبي بالرياض على هذه الاستضافة الكريمة والمبادرة المهمة. مشيراً إلى أن الجمعية تهتم بكل شؤون اللغة العربية وفروعها كافة، ومؤكداً أن هذا اليوم في العام لن يوفيها حقها؛ بوصفها لغة عالمية ضاربة في عمق التاريخ والحضارة حتى اليوم. وأشار الدكتور السالم إلى أن الجمعية مقبلة على مشاريع حيوية؛ حيث سيتم افتتاح فرع نسائي بجامعة الأميرة نورة، وكذلك فرعان آخران في كل من جامعتي الملك فهد بالدمام والملك خالد بأبها. ثم ألقى قصيدة بهذه المناسبة وسمها بعنوان «دموع برائحة التفاح». ثم كلمة للباحث الدكتور عبدالعزيز الحميد بمناسبة فوزه بجائزة ابن بطوطة (ابن بطوطة وجهوده اللغوية الجغرافية.. ألفاظ الأطعمة والأشربة نموذجاً) تحدث فيها عن أهمية اللغة العربية وما يندرج تحتها من مصطلحات وألفاظ تستخدم في كل مناحي الحياة. وذكر الباحث الحميد في كلمته أبرز محاور كتابه؛ حيث جمع الكثير من ألفاظ الحضارة في رحلة ابن بطوطة ودراستها من جانب لغوي لأبرز ما ساقه في ارتحالاته بين المشرق والمغرب العربي. وتطرّق الباحث للعديد من الطرائف في هذا البحث؛ إذ ذكر العديد من الأحاديث والمرويات حول الأطعمة في الجزيرة العربية، مؤكداً أهمية أدب الرحلات وما يحمله من بعد معرفي شيق. وبعد هذه الكلمات الاحتفائية بهذه المناسبة أدار الدكتور عبدالله الرشيد الندوة مستهلاً إياها بعرض مقتضب لسيرة المشارك الأول الدكتور ناصر الرشيد، الذي شكر بدوره الجمعية والنادي على حسن هذا الإعداد للندوة، إلا أنه توقف في البداية عند عنوانها (اللغة والإبداع) حينما أشار إلى أنه كبير في معناه ومراميه، وقد لا يسعف الوقت حتى ولو بالتعريف عنه؛ ليكتفي بتعريف مقتضب عن معنى الإبداع المتمثل في الإتيان بشيء من القول غير المسبوق، وألا يكون منطلقاً من مبدأ التقليد أو المحاكاة. وقد أكد الدكتور ناصر أن اللغة أصل في الإبداع، بل إنها أداة له، ويرى أن الشعر والكلام المنثور إبداع إذا ما اعتنى الكاتب فيهما باللغة وأصولها. ولم يغفل الرشيد (ناصر) الحديث عن أهمية ذكر وإيضاح أن تراثنا العربي والإسلامي مدين للغة العربية بوصفها الحاضن المهم. وشدد الدكتور ناصر على أنه ليس كل الكلام العربي إبداعاً حتى وإن جاء من قبيل الشعر، وإنما الشعر والإبداع يراهما على نحو ما ورد عند البحتري على سبيل المثال حينما وصف لوحة الإيوان ليحولها من رؤية مجردة إلى لون شعري متناهي الإبداع. ولم يذهب ناصر الرشيد بعيداً حينما ضرب للإخوة الحضور مثالاً آخر على نجاعة الشعر الأصيل بوصفه إبداعاً يسمو باللغة ويعلي مكانتها، وهو ما ورد على لسان الشاعر العربي أبو العلاء المعري وهو الضرير الذي وصف الليل بنجومه بشكل مدهش يعكس جزالة اللغة العربية وبهاءها. أما ورقة الإعلامي الأستاذ خالد الشهوان فقد ذهبت إلى عرض الكثير من الأمثلة الواقعية؛ نظراً إلى أن الوقت المحدد لكل محاضر لا يتجاوز عشر دقائق فقط؛ ما حدا به أن ينقل بعض الصور عن تجربته في مجال الإذاعة والتلفزيون. مؤكداً أن اللغة العربية تشهد تراجعاً واضحاً، ولاسيما عند جيل جديد من المذيعين على نحو شيوع اللحن والأخطاء اللغوية واضطراب مخارج الحروف. كما ذكر الإعلامي الشهوان في ورقته أن شيوع العامية وكثرة استخدام المفردات الأعجمية أسهما في خلق هذا المأزق؛ ما تسبب في قيام ما بات يُعرف ب»اللغة البيضاء»، وهي لغة يرى أنها ثالثة بين الفصحى والعامية. مؤكداً أنها تتكئ على الفصحى، وهي سهلة ويمكن أن تحافظ على أساسيات اللغة وقواعدها مع التبسط بما يكون مناسباً للإلقاء والتفاعل بين المذيع والمشاهد. وأشار الشهوان إلى أنهم في مجالي الإذاعة والتلفزيون كثيراً ما يلامون حينما يتخاطب المذيع مع الضيف بمثل هذه اللغة البيضاء، إلا أنه يؤكد أهمية أن تكون الأخبار باللغة الفصحى. وقد عرض الشهوان الكثير من الشواهد التي تؤكد إهمال الجهات المعنية للفصحى؛ فقد ذكر أنه تم الترخيص لبعض المحطات الإذاعية والتلفزيونية بأسماء بعيدة عن اللغة العربية بل وبث بعض البرامج التي تحمل عناوين بعيدة عن روح اللغة، ولم يغفل جوانب التأكيد على أهمية اللغة وحضورها في الذائقة، مستشهداً بحديث لباحث هو الدكتور ممتاز الشيخ الذي أوصى بأهمية الاعتدال في اللغة من خلال وسائل الإعلام. ثم جاء دور ورقة الأستاذ الدكتور عبدالله سليم الرشيد التي بدأها بنبرة نقد لاذع للرواية السعودية دون غيرها من الإبداعات الأخرى على نحو الشعر والخطابة؛ حيث أكد الرشيد (عبدالله) في ورقته أن هناك ضعفاً واضحاً في الكتابات الحديثة على نحو الرواية كما أسلفنا - والمقالة بوصفهما الأكثر حضوراً لدى الناس في هذه الآونة. وأشار في ورقته إلى أهمية معرفة أن اللغة نظام تواصلي مهم من أجل صنع علاقة تذوقية وبناء معرفة متكاملة؛ لأن الأديب أو الكاتب الذي لا يسعى إلى ترتيب اللغة والمحافظة عليها لا يمكن أن نقول عنه إنه أديب مهما كان. وذكر الدكتور عبدالله في ورقته بعض الشواهد عند العلماء القدماء؛ إذ يرى أن اللغة المتقنة لا يمكن لها أن تنفك بأي حال من الأحوال عن أي فن من فنون الثقافة والمعرفة على نحو المقدمات الشهيرة عند الفلاسفة والمتحدثين وأهل العلوم الإنسانية، ضارباً المثال بشيخ البلاغة عبدالقاهر الجرجاني في مقدمات كتبه، وكذلك ابن حزم المولع بجماليات اللغة؛ حيث ظل حريصاً على الاعتناء بكل ما له علاقة باللغة وفنونها. وفي نهاية الندوة سُمح للمداخلات من قِبل الحضور فكانت أولها للباحثة الدكتورة نوال الحلوة المحاضرة بجامعة الأميرة نورة للبنات بالرياض، التي سلّطت سهام نقدها الموضوعي اللاذع على هيئة أسئلة عميقة، وكانت كلماتها معبرة مقتضبة ساقتها بكل دراية وعلم، مؤكدة أن اللغة العربية تحتاج إلى تطوير لا يخل بقواعدها؛ إذ ذكرت أننا لا نزال ندرس أشياء قديمة. وألمحت الدكتورة نوال إلى أن الرهان على اللغة العربية مع ما سواها من لغات عالمية أخرى قد لا يكون في صالحها طالما أن كليات اللغة العربية وعلومها مرتع لمن لا يجد له مكاناً في مقاعد الدراسات المختلفة. كما أكدت أن رصيدنا نحن العرب مليء بالأورام اللفظية، وما هو سطحي، بل أشارت إلى أننا ما زلنا نتصارع بين منغلق لا يقبل الجدل والنقاش والتطوير والمنفتح الذي ليس له هوية يمكن أن تتفاعل معها. وختمت الدكتور نوال مداخلتها مؤكدة أهمية تحديث القديم وتطوير ما هو حديث؛ ليتواكب مع معطيات اللغة التي تحتاج إلى جهود المخلصين من أمثال الجمعية والنادي الأدبي بالرياض. تلتها مداخلة للدكتور إبراهيم الشتوي الذي علق على موضوع الندوة واصفاً إياه بأنه كبير وواسع الاحتمالات، مؤكداً عمق الاختلاف بين الإبداع اللغوي (العلمي) مع ما سواه من إبداع في المجال الأدبي وما يتصل فيه من أجناس أخرى. وذكر الدكتور الشتوي معلقاً على تعريف الدكتور ناصر الرشيد للإبداع أنه من المهم أن نلتزم بالقواعد الأساسية للإبداع وهو أهم ما يمكن لنا أن نعمله في مجال الرفع من مكانة اللغة وآدابها وفنونها. ثم علق الأستاذ حسن الأنصاري والدكتور محمد الفاضل وسعد البواردي والدكتور عوض القوسي ومنصور العمرو. وفي نهاية المداخلات أجاب ضيوف الندوة عن بعض الأسئلة والمداخلات التي وردت من الحضور باقتضاب ثم تم تكريم المشاركين في هذه الندوة بالدروع التقديرية.