أكد رئيس جمعية اللغة العربية الدكتور أحمد السالم أن المجامع اللغوية العربية في القاهرة ودمشق والعراق والأردن لن تقوم بدورها المنوط بها في الحفاظ على لغة الضاد، ما لم تدعم بقرار سياسي. فيما أوضح الدكتور ناصر الرشيد أن هذه المجامع قد تكون ذات فائدة لكن في المقابل «تكون مدمرة إذا وقفت ضد التجديد والاجتهاد» لأن اللغة تتطور وتتجدد من ذاتها، وقال: «البعض يتعصب لها وظيفةً وهنا قد تموت، لأن اللغة التي لا تتجدد لا تستحق الحياة». جاء ذلك في ندوة أقامها النادي الأدبي بالرياض، أخيراً، بالتعاون مع جمعية اللغة العربية تزامناً مع اختيار الأممالمتحدة يوم 18 كانون الاول (ديسمبر) من كل عام يوماً عالمياً للعربية، عنوانها «اللغة والإبداع»، شارك فيها إلى جانب السالم والرشيد، الإعلامي خالد الشهوان، وعضو مجلس إدارة النادي الدكتور عبدالله الرشيد معقباً ومديراً للندوة. وأشار متخصصون في الندوة إلى أن ما يبذل من جهود في الاحتفاء باللغة العربية «لا يوازي مكانتها» ملقين بالاتهامات على تردي مستوى اللغة على «الجامعات وكليات اللغة العربية» وعلى الواقع الإعلامي الرديء من جهة المذيعين، أو من جهة «الإذاعات الجديدة التي أخذت منحى شبابياً». وقالوا ان كتابات الأدباء الشباب في المقال وفي الرواية على وجه الخصوص «ليست من اللغة في شيء» ومستواها رديء وتشكل «ظاهرة مزعجة» كما أن كاتبوها «غير مبدعين». من جانبه، ربط الدكتور ناصر الرشيد بين الإبداع واللغة معرفاً الإبداع أنه الإتيان بشيء جديد على غير منواله السابق، مشيراً إلى تساهلنا معه. وقال في كلمة مرتجلة «إن اللغة بحد ذاتها تعدّ إبداعاً وأداة للإبداع»، مضيفاً أن «عبقرية أدبنا جاءت منها»، مؤكداً أن «حضارتنا كلها مدينة لها ومرتبطة بها». وتابع: «حضارتنا قائمة على اللغة بلاغةً وتبليغاً»، مستعرضاً بعض الأمثلة على قدرة اللغة على رسم لوحات فنية تبرهن إبداعها. ونقل الشهوان جانباً من الاشتغال الإعلامي مع اللغة العربية، وواقع استخدامها في البرامج الإذاعية والمرئية، مشيراً إلى ظهور ما اسماه «لغة ثالثة» أو بيضاء تسيطر على وسائل الإعلام، وعدّها من أهم الوسائل التي تقرّب اللغة العربية للعامة شريطة الالتزام بضرورة الرقي بها. وقال عن اللغة الجديدة انها ليست قائمة لوحدها، إنما تستند على اللغتين: التقليدية والدارجة، مشيراً إلى وجود حالة من النفور من جانب بعض المذيعين من استخدام العربية التقليدية وبخاصة في البرامج التي تتوجه للشباب. وجاءت مشاركة عضو النادي الرشيد مركزةً على كتاب المقالات والروايات ووصف حالهم بأنها «تصل لدرجة الصفر من الجانب اللغوي»، وقال: «إن منهم من جعل اللغة وسيلة نفعية»، موضحاً أن الأوائل لم تنفصل عندهم اللغة أبداً عن الإبداع، ممثلاً بالجرجاني وابن حزم وغيرهم. وأضاف: «الأدباء الشباب من خلال كتاباتهم الروائية ليس لهم من اللغة شيء»، واصفاً مستواهم اللغوي «بالمتردي» الأمر الذي يشكّل «ظاهرة مزعجة» في الرواية التي انصرف إليها من يعدون أنفسهم مبدعين. وداخلت الدكتورة نوال الحلوة بتساؤلات عدة، عن واقع تدريس اللغة، وواقع اللغة ذاتها بين المتشددين والمنفتحين، وعن داعي الاحتفاء بها في ظل هذا الوضع، مشيرةً إلى وجود مشاركات قوية، ومسارات متعددة، وجهود مخلصة، ومطالبةً بضرورة ارتياد اللغة ميادين جديدة. وشارك الدكتور عوض القوزي بقصيدة لافتة في التغنيّ بالعربية، فيما تساءل متداخلون عن المعايير التي تحكم التوسّط ما بين التشدّد (التقليدية) وبين تمييعها (المحلية)، وطالب بعضهم بضرورة الاهتمام بالأطفال، مركزين على دور القنوات التلفزيونية الموجهة لهم، وبخاصة تلك تستخدم العربية الفصحى. وكان رئيس جمعية اللغة العربية قد رحّب في كلمة له سبقت الندوة، بمشروع الشراكة بين النادي وجمعية اللغة العربية، موضحاً قبل أن يلقي مقاطع من قصيدة طويلة له عن سيبويه: أن الجمعية تتوجه لكل علوم العربية عموماً وليس للغة نفسها، كما بيّن أن الجمعية مقبلة على مشاريع لافتتاح فروع جديدة في غضون شهرين في جامعة الملك فهد للبترول والمعادن في الظهران، وجامعة الملك خالد في أبها. يذكر أنه تم في الندوة التعريف بالكتاب الفائز بجائزة ابن بطوطة «ابن بطوطة وجهوده اللغوية الجغرافية... ألفاظ الأطعمة والأشربة نموذجاً» للباحث عبدالعزيز الحميد، قدّمه الحميد نفسه، واستغرب بعد أن أكدّ أهمية أدب الرحلات «عدم مشاركة أو حتى حضور أديب سعودي واحد» في مؤتمر «العرب بين البحر والصحراء» الذي اختتم أخيراً في الدوحة.