لا شك أن الفعاليات والمعارض التي تقام هنا وهناك، سواء الجماعية أو الفردية الرسمية منها والخاصة، ظاهرة حضارية ومهمة جداً في تنشيط الساحة التشكيلية ودورها الفاعل في تحفيز الفنان على العطاء والعمل الجاد. وهي البوابة التي يدخل منها الفنان إلى الجمهور ويتواصل معهم. ولكن يبدو أن المعارض التشكيلية التي تتولى تنفيذها لجنة الفنون التشكيلية بفرع الجمعية في جدة تدور وما زالت حول النمطية التقليدية المدرسية وتسيد المجاملات والمحاباة على حساب النوعية، وهذه حالة من معاناة التشكيل المحلي الذي لا يزال يرزح تحت هموم ومعوقات وإشكاليات التجارب والفكر والركود في الطرح الفني وغموض الخط الفاصل بين مسمى فنان ومتطفل في الفن، وهذا ما بدا واضحا في معرض «بين بحرين» الذي لا يرقى أبداً إلى مسمى المعارض التشكيلية المحترفة القائمة على التوجهات والمضامين الفنية الجلية والأصالة ولا تشكل إضافة سواء لتجربة الفنانين المشاركين أو المتلقين فكانت الأعمال لم تكن في مستوى التطلعات ولا ملامح من تجارب قيمة وبعضها تدوير وتكرار وتناص لأعمال الغير واقتباس من هذا وذاك وتلك ومنها قديمة ومن معارض سابقة وبعضها عرضت دون علم أصحابها وأخرى عرضت عنوة لسطوة أصحابها، وهذا دليل على العشوائية والارتجالية في الإعداد وهناك محاباة لفنانين وتهميش لآخرين فالسواد الأعظم من المشاركين من جدة الذي كان عددهم 23 و7 من مكة!! أين فنانو مدن الغربية الأخرى (الطائف، المدينةالمنورة، رابغ) والساحل الغربي (أملج، ينبع، جيزان، نجران) أين المصداقية فيما ذكر في التوافق بين الطرف الثاني الساحل الغربي والتآلف بين فناني الغربية والشرقية!!! وهناك نقطة مهمة في عنوان المعرض «بين بحرين» الذي جاء في مقدمة الكتيب كفكرة نشاط الأول من نوعه تبنتها اللجنة، فهذا يعتبر تعديا وهضما لصاحب الفكرة الأول الفنان عبد الله إدريس الذي قام بتنظيم معرضا ثلاثيا في عام 1416ه بعنوان «بين مائين» بمشاركة عثمان الخزيم وعبد العظيم الضامن وعبد الله إدريس ومعرضا آخر من إعداده في عام 1424ه بنفس العنوان شارك فيه فنانون من المنطقة الغربية والشرقية والرياض ومعرضا جماعيا بعنوان «وقفة بين ساحلين» نظمه فنانون من الشرقية تضامنا مع ضحايا سيولجدة ومعرضا جماعيا نظمته الفنانة دينا العظمة بعنوان «4673» هدفه جمع الفنانون من المنطقة الشرقية والغربية. هناك ثمة خلل في هذه الآلية التي تحتاج إلى وقفة تأمل متأنية وموضوعية وصريحة وإعادة حسابات لتخطي هذه المشكلة لتظهر أنشطة اللجنة في الصورة المثالية التي من خلالها تنبثق نتاج الفنان ومدى جدية عطائه وتشكل إضافة سواء لتجربته أو للمتلقي أو للساحة التشكيلية المحلية وتوجه في نفس الوقت رسالة حضارية وجدانية فنية وتضيء شعلة روحية قصدية، خصوصا وأنها جهة فنية من أولوياتها تقديم الإنتاج الأصيل لتصبح معارضها حدثا يضاف إلى إنجازات الفن التشكيلي السعودي. ومن هنا نتمنى أن يتغير الحال بالتخطيط السليم الذي يعكس مستويات فنية ذات قيمة جمالية متميزة وعلى حيوية التجارب المتعددة يساهم في الوصول بالفن التشكيلي السعودي إلى مستوى الحراك التشكيلي بمفهومه الشامل والنأي عن المجاملات والمحاباة ورهبة الأسماء، لأن هذا الفن واجهة ثقافية يمثلنا جميعا ويعكس حضارة أمتنا وتقدم شعبنا فالفن ثقافة والثقافة حضارة ولا مجاملة في بناء الحضارات.