الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده,. ( لله ما أخذ وله ما أعطى وكل شيء عنده بمقدار),. في يوم الأربعاء 15/10/1421ه,, رزئت الأمة برحيل العالم الجليل والفقيه العظيم وعالم أهل السنة والجماعة وجبل الفتوى فضيلة الشيخ العلامة محمد بن صالح بن عثيمين,,بعد أن فاضت روحه الطاهرة إلى ربها,, وإنها لخسارة فادحة ومصاب جلل بفقد الأمة لهذا العالم الحبر,, فالشيطان ليفرح فرحاً شديداً بموت هؤلاء العلماء,, لأن العالم أشد على الشيطان من ألف عابد,, فالعالم يعلم الناس الخير فعلمه يتعداه إلى غيره ,, والعلماء كالنجوم في السماء بها يهتدي الناس,, فإن طمست واختفت ضل الناس وتاهوا,, فكيف والغائب عن سماء الهدى هذا الشيخ العلامة,, أحد أبرز فقهاء الإسلام في القرون المتأخرة,, وقد قال الشاعر: لعمرك ما الرزية فقد مال ولا فرس يموت ولا بعير ولكن الرزية فقد شيخ يموت بموته خلق كثير لقد كان الشيخ عالماً ربانياً,, فكان بقية من السلف الصالح,, يذكرنا بأولئك الأئمة الأفذاذ,, انه يذكرنا بمشايخه الذين أحيوا السنة وقمعوا البدعة,, شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم ومجدد الدعوة الإسلامية الشيخ محمد بن عبدالوهاب والشيخ ابن باز رحمهم الله جميعاً,, لقد كان الشيخ رحمه الله متخلقاً بخلق نبيه صلى الله عليه وسلم فعلّم ودرَّس وأرشد وأفتى وألّف الكتب والمراجع والرسائل,, وقد أحصي له أكثر من 40 مؤلفا في العقيدة والفقه والفتاوي والمسائل العلمية,, بعضه يعتبر ذا أسبقية في تخصصه ونوعية طرحه,, لقد قضى حياته في الدعوة إلى دين الله وتنقية العقيدة من البدع والشوائب وإحياء سنة الرسول صلى الله عليه وسلم,, حتى أواخر أيامه ومن على فراش المرض,. وكان شيخنا عالماً ورعاً زاهداً بهذه الدنيا الفانية,, مدبراً عن زخرفها وبهرجها,, يعيش بجسده في الدنيا وقلبه معلق بالآخرة,, وقد ذكر لي من أثق به موقفين للشيخ يعبران عن صفة (الزهد) لديه,, ففي أحد الأيام كان الشيخ يقف بجوار مسجده مع بعض طلبته يسألونه ويناقشونه في بعض المسائل الشرعية,, فأتت سيارة فارهة ونزل منها السائق وسلم عليه وأعطاه مفاتيح السيارة قائلاً إن هذه السيارة هدية من فلان الفلاني (أحد أعيان البلد),, وأبى الشيخ إلا أن الشخص ألح عليه, فأخذ الشيخ المفاتيح وركب ذلك الشيخ السيارة الأخرى وذهب,, فيقول محدثي ان الشيخ تابع حديثه مع طلبته وهو يقلب المفاتيح بيده ولم يلتفت مطلقا للسيارة,, وفجأة أتى شاب وسلم على الشيخ وقال يا شيخ الليلة زواجي وإني أرجو أن تحضره,, ولكن الشيخ تعذر لبعض الارتباطات ولكن الشاب ألح عليه بالحضور فلاطفه الشيخ وقال إن ظروفه لا تساعده ولكن خذ مفاتيح هذه السيارة فهي هدية مني لك,, وأخذ الشاب السيارة وذهب,, وعاد الشيخ لحديثه وكأن شيئا لم يكن,,! وموقف آخر وهو ان الملك خالد رحمه الله زار الشيخ في بيته كعادة ولاة الأمر في تقدير العلماء وإجلالهم,, ولما رأى الملك منزل الشيخ المتواضع عرض عليه أن يبني له دارا جديدة,, فشكره الشيخ وقال إنني أبني لي دارا في الصالحية (حي في عنيزة) ولكن المسجد والوقف التابع له تنقصهما بعض الحاجيات والمستلزمات,, وبعد أن ذهب الملك قال له بعض جلسائه,, يا شيخ ما علمنا أنك تبني داراً في الصالحية,, فقال الشيخ أليست المقبرة في الصالحية!!,, هذه قبسات عابرة من هذه السيرة العطرة لهذا الشيخ العلامة والعالم الرباني. وقد أولى خادم الحرمين الشريفين وولي عهده الأمين جل اهتمامهما بالشيخ بعد مرضه,, وسخرت له أرقى عناية صحية وفي أحسن المشافي,, ولكن إرادة الله شاءت أن تقبض روح عبده الصالح عن عمر يناهز ال 74 عاما,, معقبا خلفه سفرا خالدا وتراثا مجيدا وسيرة عطرة تكتب بماء الذهب,. نسأل الله أن يتغمد فقيدنا بواسع رحمته وأن يجعل ما قدم رفعة له بالدار الآخرة وأن يجبر مصيبة المسلمين في فقد شيخ يعجز القلم ان يوفيه حقه وأن يعوضنا خيراً في ما خلف من علماء هذه البلاد,. اللهم احشره في المهديين وارفع درجته في عليين, ولا تحرمنا أجره يارب العالمين,, إنا لله وإنا إليه راجعون ,. سليمان السالم الحناكي