تحدثت في مقالات سابقة عن حياة هذا الإمام والجوانب العلمية والدعوية المضيئة في حياته وأتحدث في هذا المقال عن اهتمام هذا العلَم بقضايا أمته وحرصه على علاج مشكلات عصره ودعوة الأمة للنهوض من كبوتها واعادة مجدها لأن العلماء لا يعيشون لأنفسهم أو لأهلهم ومجتمعهم فقط لأن الأمة بأجمعها بحاجة إليهم فمن الذين يضعون الحلول لمشكلاتها فيعرفون داءها ويصرفون دواءها فلا تحجزهم الحدود المصطنعة ولا تقطع علاقاتهم المشكلات المفتعلة لتنتفع الأمة بعلمهم وتهتدي بآرائهم. وقد كان الشيخ رحمه الله واحداً من العلماء الذين عرفوا حال الأمة وواقعها فعاش لقضاياها وتفاعل معها وكان حريصاً على جمع الكلمة وتوعية الأمة وتبصيرها بواقعها وتحذيرها مما يراد بها ورغم حال الأمة المرير وواقعها الأليم فقد عرف رحمه الله الداء وصرف الدواء وكان بحق أحد رواد الاصلاح في العالم الإسلامي المعاصر. كان قوي الصلة بأقطار العالم الإسلامي وعلمائه ومفكريه عارفاً بأحوالهم بصيراً بمشكلاتهم متفاعلاً مع قضاياهم مشاركاً في تبصيرهم وتوجيههم وافتائهم. لقد نال الشيخ بفضل الله تعالى، ثم بفضل عقله وجهده وعلمه واخلاصه شهرة واسعة، جعلته يعيش مع اخوانه في شتى البقاع، رغم بعد الديار، وصعوبة المواصلات، وقلة الوسائل، وضعف الاتصالات، ومما يدل على ذلك ما يلي: 1 كثرة الرسائل التي تصله من شتى أنحاء العالم الإسلامي من العلماء والمفكرين، بل وعامة الناس، للاستنارة برأيه في مشكلات ومستجدات العصر وللأخذ باجتهاده وفتواه. ومما وقفت عليه من الرسائل التي وصلته من العلماء والمفكرين في العالم الإسلامي رسالة شعرية وردت إليه من لبنان، من مزيد الخطيب أستاذ مدرسة قب الإسلامية، يصف فيها احاسيسه ومشاعره نحو الشيخ ومما قال فيها: على متن النسيم بعثت وجدي إلى رجل القصيم بأرض نجد إلى علم من الأعلام فيها إلى علامة من آل سعدي وقال أيضاً: ببسم الله أفتتح الخطابا وانفحك المودة والجوابا وانفحك الشعور الحي شعراً وانفحك الولاء المستطابا رعاك الله للهدى المرجي وللشرع الحنيف جعلت بابا فأنت كشمعة ضاءت وذابت كثير الغيث تلتهب التهابا فبورك فيك يا مشعال هدي وفكر أحسن الله المآبا وأكثر من مثالك في البرايا تقر الشرع تحتضن الكتابا (1) وهناك أيضاً الرسائل الكثيرة التي تصله من عامة المسلمين، وخاصتهم للاستفادة منه في كل ما يتعلق بحياة الناس وعباداتهم، وما يخفى عليهم من أمور دينهم ودنياهم (2). 2 حديثه الشامل عن أحوال العالم الإسلامي ومشكلاته ومعاناته وسبل التغلب عليها، وطرق علاجها، فقد كان في مؤلفاته وخطبه يتحدث عن أخطاء، ويحذر من أخطار ليست موجودة بتاتاً في مجتمعه، ولكن الفقه بالواقع والرابطة الايمانية التي لا تعرف الحدود ولا الفوارق (3). 3 حديثه الشامل عن أحوال العالم الإسلامي ومستجداته وتطورات الأوضاع فيه، ومما يدل على هذا حديثه عن حرب 1956م وذلك في خطبة الجمعة فلا يكتفي الشيخ بالمشاركة في قضايا المسلمين، ومناصرتهم وحمل همومهم، والبصيرة بأحوالهم في كل مكان، بل يربي الناس على ذلك، ويعلمهم ان المسلمين كالجسد الواحد ولو تباعدت ديارهم وتفرقت أجسادهم (4). قال صلى الله عليه وسلم ترى المؤمنين في تراحمهم وتوادهم وتعاطفهم كمثل الجسد اذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر جسده بالسهر والحمى (5). ولاهتمام الشيخ بأحوال المسلمين، شارك في الكتابة في الصحف والمجلات داخل البلاد وخارجها، لتوعية المسلمين وتبصيرهم، وكان كثير السؤال عن أحوالهم في كل مكان. قال الشيخ العدوي: وقد كان للشيخ اهتمامات ظاهرة بأحوال المسلمين في كل بلادهم، وكانت مقالاته في الصحف والمجلات داخل المملكة وخارجها تظهر هذه الاهتمامات، وكان يسألنا كثيراً عن أخبار مصر، وأحوال المسلمين فيها، وجهود علمائها في اقامة السنة، وازالة البدعة، مع دعاء حار وأمل كبير في أن يصلح الله أحوال المسلمين (6). معرفة واقع الأمة ومن خلال اتصالات الشيخ بالعلماء والدعاة في أنحاء العالم، ومن خلال سؤاله عن أحوال المسلمين في شتى البقاع، أصبح لديه معرفة ووعي بواقع الأمة الأليم، ففي شرحه لقول الرسول صلى الله عليه وسلم يأتي على الناس زمان القابض فيه على دينه كالقابض على الجمر (7). قال: ما أشبه زماننا هذا بهذا الوصف الذي ذكره صلى الله عليه وسلم فإنه ما بقي من الإسلام إلا اسمه، ولا من القرآن إلا رسمه، ايمان ضعيف، وقلوب متفرقة، وحكومات مشتتة، وعداوات وبغضاء باعدت بين المسلمين، وأعداء ظاهرون وباطنون، يعملون سراً وعلناً للقضاء على الدين، وإلحاد وماديات جرفت بخبيث تيارها وأمواجها المتلاطمة الشيوخ والشبان، ودعايات إلى فساد الأخلاق,, واستكبار بالمدنيات المبنية على الالحاد التي آثارها وشرورها قد شاهدها العباد (8). الموقف الصحيح من هذا الواقع ومع هذا الواقع الأليم، والضعف الشديد الذي قد يدعو إلى اليأس والاحباط، إلا أن نظرة العلماء تختلف عن غيرهم، فلا تكون قاصرة على النظر إلى الواقع، بل تخترق الأسوار المادية المعترضة، لترى بعين البصيرة الأسباب الحقيقية لتغيير هذا الواقع وتبديله. لذلك قال الشيخ: واليوم وإن كان المسلمون مصابين بضعف شديد والأعداء يتربصون بهم الدوائر وهذا أوجد أناساً منهم اصابهم اليأس من رفعة الإسلام، وقد غلطوا في هذا أعظم الغلط، لأن هذا الضعف عارض وله أسباب، وبالسعي في زوال أسبابه تعود صحة الإسلام كما كانت، وتعود إليه قوته التي فقدناها منذ أجيال (9). ولم تكن معرفة الشيخ بهذا الواقع معرفة مجردة من العمل، بل عمل بجد للنهوض بالأمة من كبوتها واعادة عزتها، وبين أن العواطف الطيبة التي لا يصاحبها عمل لا تنفع الأمة، فقال: ان هناك طائفة يتحدثون بمجد الإسلام ورفعته، وان الرجوع إلى تعاليمه هو السبب الوحيد لعلو أهله وعزتهم، ولكن لا يقدمون أدنى منفعة لدينهم أو مساعدة جدية لتحقيق ما يقولون، فالأقوال لا تقوم إلا اذا قارنتها الأفعال (10). وكان رحمه الله قائماً بما يجب عليه من أسباب لاعادة عزة الأمة وتوعيتها، وحث المسلمين على القيام بما يجب عليهم لتقوية الأمة ورفعتها، حيث قال: الجهاد في حالة قوة المسلمين وكثرة المشاركين فيه له فضل عظيم يفوق سائر العبادات، فكيف اذا كانوا في حال الضعف فالجهاد في هذه الحالة يكون على قسمين: أحدهما: السعي في تقويم المسلمين وايقاظ هممهم وبعث عزائمهم وتعليمهم العلوم النافعة، وتهذيبهم بالأخلاق الراقية، وهذا أشق الأمرين، وهو أنفعهما وافضلهما. والثاني: السعي في مقاومة الأعداء واعداد جميع العدد القولية والفعلية والسياسية الداخلية والخارجية لمناوأتهم والسلامة من شرهم (11). القيام بالواجب حسب القدرة بين الشيخ أن المسلمين ليسوا مطالبين بالنهوض من هذه الكبوة والخروج من هذا الضعف في يوم وليلة، ولكن يقومون بما يجب عليهم في هذا حسب قدرتهم,, فقال: قد علمنا الله أن نبدأ بما نقدر عليه، ولا نترك المقدور لعجزنا عن الكمال، فمتى أدينا ما علينا وقمنا بما فرض علينا وما نستطيعه، كنا مجاهدين ومحمودين، وعزيزين، فإن من يسعى لعزة ولغاية مجده، فطريقه وان كان ضعيفاً فهو طريق النجدة (12). وبين الأسباب الميسرة للقيام بهذا العمل، فقال: ومما يسهل عليهم هذا الأمر مع صعوبته في بادئ الأمر ان يعلموا ان هذا السعي,, أفضل من استغراق الزمان بالصوم والصلاة، وانه من أعظم وأجل الجهاد في سبيل الله (13). وهذا هو الفهم الصحيح للاسلام، فالمسلم مأمور بالعمل وفعل الأسباب وليس مطالباً باحراز النتائج أو معاينتها,, قال تعالى: واما نرينك بعض الذي نعدهم أو نتوفينك فإلينا مرجعهم ثم الله شهيد على ما يفعلون , فعلى المسلمين السعي في سبيل تحصيل القوة والنهوض بالأمة والبداية في ذلك من أول الطريق دون يأس أو قنوط، أو ضجر من طول الطريق ووعورته، وهم في عملهم هذا نواة صالحة لحضارة إسلامية قادمة (14)، وكما قيل في المثل: مسافة الألف ميل تبدأ بخطوة واحدة. التحذير من المثبطين المتخاذلين هناك صنف من الناس أصابهم اليأس والاحباط من حال الأمة فصار همهم تثبيط العزائم، وتوهين القوى عن العمل للرقي والتقدم، فهؤلاء خطر على الأمة عظيم، لذلك حذر الشيخ منهم، وأوهن طريقتهم ومذهبهم فقال: ومما يجب على المسلمين ان يحذروا غاية الحذر من المخذلين المرجفين، ومن المفسدين بينهم في السعي في الفتن والتفريق بينهم، ان هؤلاء أضر عليهم من العدو المحارب (15). وقال: فإن الكسل والخور ينافي الرغبة في الدين، وينافي الجهاد الحقيقي، وأما اليأس من حصول المصالح، ودفع المضار فإنه الهلاك بعينه (16). وصدق الشيخ، فقد وقع والله على داء الأمة في هذا العصر، والذي تخدرت الأمة بسببه واصابها الاحباط واليأس، وما ذلك إلا بسبب هؤلاء المنافقين المتخاذلين الذين لم يكتفوا بالقعود مع القاعدين، بل أصبحوا أعواناً للشيطان في الإرجاف بالمؤمنين، كما قال الله عز وجل وعلا عن سلفهم من المنافقين: لو خرجوا فيكم ما زادوكم إلا خبالاً ولا وضعوا خلالكم يبغونكم الفتنة . اهتمامه بقضايا الأمة الكبرى لقد كان للشيخ السعدي كما وضحنا اهتمام بعموم قضايا الأمة الإسلامية ومشكلاتها، فكان معايشاً لقضايا عصره واحداثه، مهتماً بالقضايا الكبرى التي تكون سبباً لغيرها لقوة تأثيرها وعظم مكانتها، اهتماماً خاصاً، ومن هذه القضايا التي أولاها الشيخ اهتماماً خاصاً ما يلي: 1 التعليم: إن التعليم هو الأساس الذي يبنى عليه مستقبل الأمة ويتربى عليه أملها من أبنائها الذين هم رجال المستقبل، فإذا هدم وأفسد هذا الأساس فسد ما بني عليه، وكان هذا من أعظم أسباب انحطاط الأمة وسقوطها,, لذلك فأعداء الإسلام عرفوا هذا فأصبح جل همهم افساد التعليم في جميع مراحله، ليكون وسيلة لافساد الأمة. وقد عرف الشيخ أبعاد هذه القضية الكبرى وخطورتها، فحذر الأمة منها، وحثها على اصلاح التعليم وبين أهميته فقال: لا شك ان السعي في اصلاح التعليم من أهم الأمور وبه ترتفع الأمة الاسلامية، وتنتفع بعلمائها وعلومها، فالتعاليم النافعة، والتربية الصالحة تقود المسلمين إلى كل خير وفلاح (17). وعرف الشيخ قصد الأعداء ومكرهم للوصول إلى هدفهم فحذر منهم بقوله: لقد حاول الملحدون تنحية الدين عن المدارس، فإن لم يتمكنوا جعلوا التعليم في الدين ضعيفاً أو اسماً بلا مسمى، ليذهب من قلوب الناشئة حب الدين، ويسهل توجيههم إلى ما يريدون، كما هو مشاهد معلوم في كل المدارس التي على هذا الوصف، فيتعين على المسلمين وعلى ولاة أمورهم أن يعتنوا في علوم الدين وأخلاقه فإذا لم يثقفوا الناشئة في المدارس ثقافة دينية، صاروا أكبر سلاح للأعداء على أمتهم، وما شاع الإلحاد في البلاد الإسلامية إلا بهذه الطريقة (18). وهذه نظرة عميقة وفهم دقيق لمخططات أعداء الله الذين يجب الحذر منهم وعدم توليتهم المناصب العلمية، والتربوية خاصة، لما لها من تأثير قوي على الناشئة. 2 الأخذ بأسباب القوة: إن المسلمين ما خضعوا وما هانوا وما تخلفوا عن الركب وتركوا قيادة البشرية إلا حينما غفلوا عن أسباب القوة وأهملوها، سواء القوة المعنوية أو القوة المادية، فنبه الشيخ الولاة على السعي للحصول على هاتين القوتين. حيث قال: فأهل الحل والعقد والرياسة من الملوك، والأمراء، والوزراء، ورجال الدولة الإسلامية عليهم ان يسعوا أحث السعي لتحصيل القوتين، القوة المعنوية والقوة المادية (19). فالقوة المعنوية تكون بالرجوع إلى تعاليم الدين، والاهتداء بأحكامه، والسعي الحثيث لجمع المسلمين عليه، وقد بين الشيخ ان الضعف الذي أصاب المسلمين هو بسبب بعدهم عن شريعة الله، فقال: ما ضعف المسلمون إلا لأنهم خالفوا كتاب ربهم، وسنة نبيهم صلى الله عليه وسلم، وتنكبوا السنن الكونية التي جعلها الله مادة حياة الأمم ورقيها، فإذا رجعوا إلى ما مهده لهم دينهم فإنهم لابد أن يصلوا إلى الغاية كلها أو بعضها (20). والقوة المادية التي أمر الله تعالى بها بقوله وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة . وقد بين الشيخ القوة المادية المطلوبة في هذا العصر خلال تفسيره لهذه الآية حيث قال: أعدوا لاعدائكم كل ما تقدرون عليه من القوة العقلية والبدنية وأنواع الأسلحة ونحو ذلك مما يعين على قتالهم، فدخل في ذلك أنواع الصناعات التي تعمل فيها الأسلحة، والآلات من المدافع، والرشاشات، والبنادق، والطيارات الجوية، والمراكب البرية والبحرية والقلاع والخنادق وآلات الدفاع، والرأي، والسياسة التي يتقدم بها المسلمون، والعلة هي ارهاب العدو والحكم يدور مع علته، فان كان شيء موجوداً أكثر ارهاباً منها كالسيارات البرية والهوائية المعدة للقتال التي تكون النكاية فيها أشد كانت مأمورة بالاستعداد بها، والسعي لتحصيلها، حتى انها اذا لم توجد إلا بتعلم الصناعة وجب ذلك,, وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب (21). 3 التحذير من التيارات الفكرية المعاصرة: لقد تصدى الشيخ لكل التيارات الفكرية الهدامة التي سرت في المجتمع الإسلامي، لهدم أصوله، وافساد ابنائه، كالشيوعية، والالحاد، والتغريب، والتجهيل، فكان الشيخ سداً منيعاً في وجه هذه التيارات، فقد ألف كثيراً من الكتب في نقض أصول هؤلاء، وهدم بنيانهم وابطال شبههم، والرد عليهم ككتابة الأدلة القواطع والبراهين في ابطال أصول الملحدين وكذلك رده على القصيمي الملحد في كتابه تنزيه الدين وحملته ورجاله مما افتراه القصيمي في اغلاله ، وكتابه القيم انتصار الحق والذي أجراه على طريقة المحاورة، وهدف من خلاله إلى ابطال شبه الغربيين التي تهدف إلى الطعن في الدين وافساد اخلاق المسلمين. فكان الشيخ مهتماً بهذه القضية الكبرى، ناعياً على الكتاب السطحيين أو المدفوعين عدم اهتمامهم بها، واهمالهم حلها وعلاجها فقال: ومن أعجب العجائب أن كثيراً من الكتاب العصريين والسياسيين الذين يسعون في معالجة كثير من المشاكل ويطلبون حلها من جميع النواحي، ومشكلة الالحاد الذي جرف بتياره أكثر الناشئة لم يسعوا في حلها ومداواتها بالرجوع إلى الايمان الصحيح، واليقين النافع، والصلاح المطلق من جميع الوجوه (22). 4 التحذير من النظم الأجنبية: لقد عاش الشيخ في عصر هدمت فيه الخلافة وجزئت البلاد الإسلامية وطبقت فيها الأحكام الأجنبية، والنظم الغربية، ونحيت الشريعة عن حياة الناس أو كادت، طبق على المسلمين غير أحكام الله، وفرض عليهم سوى شرع الله، فكان الشيخ متألماً من هذا الوضع، لذلك كثرت توجيهاته للرؤساء والحكومات والجماعات حول هذا الأمر، وبين في كثير من مؤلفاته حسن الشريعة وعظمتها وصلاحها لكل زمان ومكان، لشمولها ومرونتها. وبين من ناحية أخرى بشرية القوانين وضعفها واختلافها ونقصها وخللها، كل هذا دعوة للأمة للتمسك بشريعة ربها، ونبذ ما سواها، حيث قال في ذلك: من أكبر الأغلاط واعظم الأخطاء استمداد الحكومات الإسلامية والجماعات والأفراد نظمهم وقوانينهم المتنوعة من النظم الأجنبية وهي في غاية الخلل والنقص، وتركهم الاستمداد من دينهم وفيه الكمال والتكميل، ودفع الشر والفساد، ما بقي من الاسلام إلا اسمه، ورسمه، نتسمى بأننا مسلمون، ونترك مقومات ديننا وأسسه وأعماله، ونذهب نستمدها من الأجانب,, فلم نزد بذلك إلا ضعفا، وخللا، وفسادا، وضررا، وإلا فلو علمنا حق العلم أن في ديننا ما تشتهيه الأنفس وتمتد اليه الأعناق من المبادىء الراقية، والأخلاق العالية، والنظم العادلة، والأسس الكاملة، لعلمنا أن البشر كلهم مفتقرون غاية الافتقار أن يأووا الى ظله الظليل، الواقي من الشر الطويل (23) . 5 دعوته إلى الوحدة الإسلامية: لقد دعا الله سبحانه وتعالى المسلمين الى الاتحاد وعدم التفرق فقال تعالى:(واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا). وقال صلى الله عليه وسلم في الحث على وحدة المسلمين ترى المؤمنين في تراحمهم وتوادهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر جسده بالسهر والحمى) (24) . فالوحدة بين المسلمين في أنحاء الدنيا مطلب ملح، وواجب شرعي، أمر به الدين وحث عليه، والآيات والأحاديث الدالة على هذا الأصل كثيرة لأن التفرق والتنازع سبب للفشل والهزيمة، كما قال تعالى:(ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين). الوحدة سبب النصر: فالوحدة والاجتماع من أسباب النصر، قال الشيخ موضحا هذا: ومن أسباب النصر والصبر والثبات، اتفاق القلوب، وعدم التفرق، فإن ذلك محلل للقوة،موجب للفشل، وأما اجتماع الكلمة، وقيام الألفة بين المؤمنين واتفاقهم على اقامة دينهم وعلى نصره، فهذا أقوى القوى المعنوية التي هي الأصل,, (25) . حرص الأعداء على تفريق المسلمين: ولما لهذه الوحدة من أهمية، ولأنها من أسباب القوة والنصر، فقد دأب أعداء الدين على تفريق المسلمين وزرع العداوات بينهم، والخلافات لتمزيقهم، حتى يسهل التغلب عليهم, قال القس سيمون: إن الوحدة الاسلامية تساعد على التملص من السيطرة الأوروبية والتبشير عامل مهم في كسر شوكة هذه الحركة من أجل ذلك يجب أن نحول بالتبشير اتجاه المسلمين عن الوحدة الاسلامية (26) , وقال المبشر لورانس: إذا اتحد المسلمون أصبحوا خطرا على العالم، أما إذا بقوا متفرقين فانهم يظلون بلا وزن ولا تأثير (27) . وقد بين الشيخ مسلك هؤلاء الأعداء فقال: من أهم أمور الجهاد وخصوصا في هذه الأوقات التعاون بين المسلمين في جميع شؤونهم الدينية والسياسية والاقتصادية واتصال بعضهم ببعض، في تحقيق ذلك، لأن عددهم كثير، وأعداؤهم جادون في الحيلولة بينهم في هذه الأمور، وقد تفننوا في تفريقهم واقامة الحواجز والسدود في اتصال بعضهم ببعض، حتى أوهنوا قواهم، وساءت حالهم (28) . الحث على الوحدة وأسباب تحصيلها: لذلك حث الشيخ المسلمين على التمسك بهذا الأصل العظيم، وبين ان ما يعتبر من أعظم الجهاد السعي في تحقيق هذا الأصل في تأليف قلوب المسلمين، واجتماعهم على دينهم ومصالحهم الدينية والدنيوية، في جمع أفرادهم وشعوبهم وفي ربط الصداقة والمعاهدات بين حكوماتهم، بكل وسيلة ثم يبين الأمور المعينة على تحقيق هذه الوحدة فيقول: ومن أنفع الأمور ان يتصدى لهذا الأمر جميع طبقات المسلمين، من العلماء، والأمراء، والكبراء، وسائر الأفراد، منهم كل أحد بحسب إمكانه، فمتى كانت غاية المسلمين واحدة، وهي الوحدة الاسلامية وسلكوا السبل الموصلة إليها، ودافعوا جميع الموانع المعوقة والحائلة دونها، فلابد أن يصلوا الى النجاح والفلاح. ومما يعين على هذا الاخلاص وحسن القصد فيما عند الله من الخير والثواب، وأن يعلموا أن كل سعي في هذا الأمر من الجهاد في سبيل الله، ومما يقرب إليه والى ثوابه (29) . التحذير من التفرق: لقد أوصى الشيخ بتقديم المصلحة العامة في الاجتماع والوحدة على المصالح والمسائل الخاصة، والاختلافات الجزئية والحزبية وغيرها، فقال: فالمصالح الكليات العامة تقدم على المصالح الجزئيات الخاصة، ولهذا يتعين عليهم ألا يجعلوا الاختلاف في المذاهب أو الأنساب أو الأوطان داعيا الى التفرق والاختلاف، فالرب واحد، والدين واحد، والطريق لاصلاح الدين واصلاح جميع طبقات المسلمين واحد، والرسول المرشد للعباد واحد، فلهذا يتعين أن تكون الغاية المقصودة واحدة,, فالواجب على جميع المسلمين السعي التام لتحقيق الأخوة الدينية والرابطة الايمانية (30) . هواش (1) سيرة العلامة السعدي، جمع وتقديم محمد حامد فقي: ص26. (2) انظر على سبيل المثال: اجابة الرسالة التي وصلته من بعض البلاد التي يكون ليلها أربعا وعشرين ساعة عن كيفية أداء الصوم فيها، خلاصة التفسير للسعدي، ص 74. (3) انظر على سبيل المثال حديثه عن انحراف المدارس، المجموعة الكاملة، الخطب، ص 12، 168، والمجموعة الكاملة، ثقافة 1/175، 2/279. (4) انظر: مجلة الجامعة الاسلامية، مرجع سابق ص 208. (5) أخرجه البخاري، كتاب الادب، باب رحمة الناس والبهائم فتح الباري 10/452 ومسلم، كتاب البر والصلة، حديث 66 شرح النووي 16/376. (6) مجلة الجامعة الاسلامية، مرجع سابق، ص 205. (7) رواه الترمذي في كتاب الفتن، حديث 73، وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي 2/256. (8) بهجة قلوب الأبرار، المجموعة الكاملة، السعدي، حديث ص186. (9) الجهاد في سبيل الله، المجموعة الكاملة، السعدي، ثقافة 1/172. (10) المرجع السابق، ص 173، بتصرف. (11) انتصار الحق، المجموعة الكاملة، السعدي، ثقافة، 2/405 بتصرف. (12) الجهاد في سبيل الله، المجموعة الكاملة، السعدي، ثقافة 1/167. (13) المرجع السابق 1/160. (14) للأسف الشديد ان أعداء الدين ساروا على هذا المنهج في حربهم لأمة الاسلام، فوضعوا مخططات طويلة المدى قوية المفعول، لغزو الأمة الاسلامية ثقافيا واجتماعيا وفكريا. (15) الجهاد في سبيل الله، المجموعة الكاملة، السعدي، ثقافة 1/163. (16) المرجع السابق ص161. (17) الجهاد في سبيل الله، المجموعة الكاملة، السعدي، ثقافة 1/175. (18) الأدلة القواطع والبراهين، المجموعة الكاملة، السعدي، ثقافة، 2/379، بتصرف. (19) الجهاد في سبيل الله، المجموعة الكاملة، السعدي، ثقافة 1/167. (20) الجهاد في سبيل الله، المجموعة الكاملة، السعدي، ثقافة 1/172. (21) التفسير، السعدي، 2/212 بتصرف. (22) الأدلة القواطع والبراهين، المجموعة الكاملة، السعدي، ثقافة، 2/338. (23) الرياض الناضرة، المجموعة الكاملة، السعدي، ثقافة، 1/446. (24) أخرجه البخاري، كتاب الأدب، باب رحمة الناس والبهائم، فتح الباري 10/452، ومسلم، كتاب البر والصلة، حديث 66 شرح النووي 16/376. (25) خلاصة التفسير، السعدي، ص 89. (26) قادة الغرب يقولون: دمروا الاسلام أبيدوا أهله، جلالة العالم ص 74. (27) المرجع السابق ص 74. (28) الجهاد في سبيل الله، المجموعة الكاملة، السعدي، ثقافة 1/174. (29) وجوب التعاون بين المسلمين، المجموعة الكاملة، السعدي، ثقافة، 1/187. (30) المرجع السابق.