تحدثت في مقالات سابقة عن حياة الشيخ رحمه الله وعن دعوته وتعليمه وتربيته، وأواصل الحديث هنا عن جهوده رحمه الله في الرد على الملحدين والمنحرفين الذين كفروا في عصره فرأى رحمه الله وجوب مقابلة باطلهم بالحجة والبرهان خصوصاً ان عصر الشيخ رحمه الله عصر انحطاط المسلمين وضعفهم وتسلط الأعداء عليهم، وعصر النهضة الصناعية، والحضارة المادية، التي بهرت عقول كثير من المسلمين وفتنتهم فصدتهم عن دينهم وانحرفوا معها، حتى كثر الإلحاد وعظم الانحراف. فكان الشيخ السعدي واعياً بما يدور حوله، جاعلاً مشاكل الأمة نصب عينيه حريصاً على الدفاع عن دينه، ورد كيد الأعداء في نحورهم، مهتماً بتوعية المسلمين بدينهم وتنبيههم من غفلتهم نصراً للدين وحرباً على أعدائه من الملحدين والمنحرفين. يا ناصر الإسلام ضد خصومه لك في الجهاد مواقف لا تحصر لهذا الغرض جرّد الشيخ قلمه وعصر فكره فألّف وكتب وخطب فأصبحت ردوده على هؤلاء الضالين منهجاً يحتذى به في رد شبه العصريين من المفتونين المنحرفين. قال عنه حسن سري: ولا يقتصر على الاطلاع والدراسة بل يمتشق القلم ويشد العنان إلى التأليف والتصنيف، ويحارب أعداء الإسلام حرباً لا هوادة فيها، ويرد على الشبه والأباطيل ويهاجم الملاحدة والزنادقة (1) . وما كانت هذه المواقف التي وقفها ضد هؤلاء الضالين إلا نصيحة لهذه الأمة وقياماً، بالأمانة الملقاة على العلماء. وقد برع الشيخ وأبدع في هذه الردود، فقد نازل جميع الطوائف المنحرفة وأظهر باطلهم، ودحض شبههم وذلك من خلال كتبه ومؤلفاته المشحونة بنصرة الحق، وإزهاق الباطل هذا سوى المؤلفات القيمة التي خصصها، لهذا الغرض، قام فيها بالدفاع عن الدين ورد كيد الكائدين ومنها: 1 الأدلة القواطع والبراهين في إبطال أصول الملحدين: وقد نازل في هذا الكتاب جميع طوائف الملحدين وتحداهم وأبطل أصولهم وهدم قواعدهم وزلزل بنيانهم وبيّن انحرافهم ومخالفتهم للعقل والفطرة. وقد قيل في تعريف هذا الكتاب: هذا الكتاب عظيم ليس له مثيل فيما نعلم في موضوعه وحسنه ووضوحه ومناسبته للوقت الحاضر، والحاجة والضرورة قد اشتدت إليه لأن تيار الإلحاد وطغيان المادة جرف جمهور الخلق (2) . وفي هذا الكتاب رد الشيخ على هؤلاء الملحدين من ثلاثة وثمانين وجهاً اختار بعضها من كلام شيخ الإسلام ابن تيمية. 2 تنزيه الدين وحملته ورجاله مما افتراه القصيمي في أغلاله: وهذا الكتاب رد فيه على الملحد عبدالله بن علي القصيمي الذي كان معروفاً بالاستقامة حتى فاجأ الناس بهذا المؤلف الهدام الذي أظهر فيه الإلحاد وأبطل فيه الشرائع، وشنع على الأنبياء والمرسلين واستهزأ بالسلف الصالح وعلماء الدين. لذلك تصدى الشيخ رحمه الله وبقدرته الفائقة على إظهار زيغ الضلال فند شبه هذا الضلال وبيّن ضلالته وأظهر حسن الدين وجماله وقد قال الشيخ في مقدمة مؤلفه هذا: أما بعد، فقد وقفت على كتاب صنفه عبدالله بن علي القصيمي، سماه (هذه هي الأغلال) فإذا هو محتو على نبذ الدين، والدعاية إلى نبذه والانحلال عنه من كل وجه، وكان هذا الرجل قبل كتابته لهذا الكتاب معروفاً بالعلم والانحياز لمذهب السلف الصالح, وبعدما كان في كتبه السابقة معدوداً من أنصار الحق انقلب في كتابه هذا من أعظم المنابذين له، ولكن لما كتب هذا الكتاب وطبعه ونشره بين الناس، وجعله دعاية بليغة لنبذ دين الإسلام بله غيره من الديانات والمبادىء الخلقية، فكان هذا أكبر عداء ومهاجمة للدين، وجب على كل من عنده علم ان يبين ما يحتوي عليه كتابه من العظائم (3) . 3 انتصار الحق: وهي عبارة عن محاورة اجتماعية بين منحرف ومستقيم جعلها الشيخ على هذه الطريقة، إمعاناً منه رحمه الله في طرق كل أسلوب شيق يؤدي إلى المقصود، وهو دحض الإلحاد وتبيين زيفه. وقد وفق الشيخ في عرض الشبه التي تثار وتكون سبباً لإعراض بعض المسلمين عن دينهم، ورد عليها بأسلوب مقنع جذاب، وبين فيه محاسن الدين ودعوته لكل خلق قويم. وهذا الأسلوب الذي طرقه الشيخ في هذه المحاورة يفيد أسلوباً جديداً في عرض الحق وإظهار وإبطال الشر وإزهاقه, ولقد نهج الشيخ منهجاً فريداً في الرد على هؤلاء المنحرفين وقعد لذلك قواعد سار عليها مما كانت سبباً لدحض شبه الملحدين وإبطال أقوالهم وهدم قواعدهم. كما أنه التزم في ردوده بآداب ينبغي مراعاتها عند الرد على الخصوم لأنها سبب للاقتناع برد من التزم بها والثقة بقوله, ومن خلال هذه الآداب وهذه القواعد التي سلكها الشيخ في جميع ردوده يتضح منهج الشيخ في الرد على الملحدين والمنحرفين، ومن هذه الآداب: العدل والإنصاف: لقد أمر الله سبحانه وتعالى بالعدل والإنصاف حتى مع الأعداء قال تعالى: ((ولايجرمنّكم شنئان قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون)). قال الشيخ في تفسيره لهذه الآية: فلو كان كافراً أو مبتدعاً فإنه يجب العدل فيه وقبول ما يأتي به من الحق لا لأنه قاله، ولا يرد الحق لأجل قوله فإن هذا ظلم للحق (4) . ولأن هدف المسلم الناصح المخلص هو بيان الحق ورد الباطل وليس مقصده الاستعلاء على الخلق والتعالم فان هذا من صفات المرائين, ولقد اتصف الشيخ بهذا الخلق، وعرف بهذا الأدب في تعامله مع جميع الناس، وهكذا كان في الرد على الخصوم المنحرفين، فمع غيرته الدينية وقوته الشرعية في رد الباطل وقمع أهله، إلا أن هذا لم يخرجه عن العدل الذي أمر الله به، حتى مع الخصوم، لأن الهدف ليس انتقاماً شخصياً بل واجباً شرعياً ينبغي مراعاة آداب الشرع فيه، وهذا ما فقهه هذا الإمام الجليل، وعمل به وطبقه، ومما يدل على ذلك ما قاله عند رده على القصيمي حيث بين ما سبق له من المحاسن ووضح ما في قوله من الحق فقال: وكان هذا الرجل قبل كتابته وإظهاره لهذا الكتاب معروفاً بالعلم والانحياز لمذهب السلف الصالح، وكانت تصانيفه السابقة مشحونة بنصر الحق والرد على المبتدعين، والملحدين حتى قال ونحن لا ننكر ما في كلامه من المعاني المطروحة التي لم يزل أهل العلم يقولونها ويبدونها من الحث على تعلم العلوم، وفنون الصنائع النافعة، وما فيه من ذم الجهل وآثاره الضارة، وما فيه من تأخر المسلمين في الفنون العصرية، وما فيه من تفوق غيرهم في فنون المادة (5) . ثم يبين الشيخ أيضاً انه ليس الهدف شخص هذا الرجل بل المقصود رد كلامه الباطل ثم يتأسف الشيخ على انحرافه وإلحاده بعد هذه المقامات السابقة له، ويدعو له أيضاً بالتوبة والإنابة حيث قال: وليس لنا غرض في شخصية هذا الرجل ولكن لمّا اعتدى على ديننا الإسلامي وعلى قواعده وأصوله وجب على كل مسلم مدافعته ودفع شره وتبيين أمره والتحذير من طريقته ودعايته، بحسب القدرة وإلا فوالله إنا لنأسف أشد الأسف على انقلاب هذا الرجل، ونعد ذلك من الخسائر علينا فقدنا هذا الرجل الذي مضى له من المقامات في نصر الحق ما لا ينكر ونسأل الله ان يرده إلى الحق وان يعيده إلى الإسلام بالتوبة والتنصل مما وقع منه، وان يكتب كتاباً في رجوعه عن هذه المباحث الخبيثة (6) . ومن خلال هذا يتضح بجلاء عدل الشيخ وانصافه حتى مع خصومه وأعدائه من الملحدين والمنحرفين ويتضح هذا أكثر ونعرف منهج الشيخ رحمه الله في نقد الكتب وتقويم الرجال والعدل والانصاف في هذا من خلال إجابته على السؤال الذي سئل فيه عن كتاب (صيد الخاطر) لابن الجوزي حيث قال: ابن الجوزي رحمه الله وغفر له إمام في الوعظ والتفسير والتاريخ، وكذلك هو أحد الأصحاب المصنفين في فقه الحنابلة، ولكنه رحمه الله خلط تخليطاً عظيماً في باب الصفات وتبع في ذلك الجهمية والمعتزلة,,, وهو معدود من الأكابر الأفاضل ولكن كل أحد مأخوذ من كلامه، ومتروك سوى النبي صلى الله عليه وسلم، فكلامه في باب التأويل، وكلامه في الفصول التي في أول صيد الخاطر، كما أشرتم إليها يجب الحذر منها، والتحذير ولولا ان هذا الكتاب موجود بين الناس لكان للانسان مندوحة عن الكلام فيه لأنه من أكابر أهل العلم وأفاضلهم، وهو معروف بالدين والورع والنفع ولكل جواد كبوة، نرجو الله ان يعفو عنا وعنه (7) . وبهذا يتضح تخلّق الشيخ بهذا الخلق الفاضل، واتصافه بالعدل والإنصاف في ردوده ومناظراته وإجاباته. 2 اللين والرفق: اللين والرفق في الأمور كلها سبب للخير واندفاع الشر كما قال عليه الصلاة والسلام: ((ان الرفق لا يكون في شيء إلا زانه، ولا ينزع من شيء إلا شانه)) (8) . ولقد حث الشيخ على الاتصاف بهذا الأدب حتى مع الخصوم حيث قال: يدعى المجادل إلى الحق ويبين محاسن الحق ومضار ضده ويجاب عما يعترض به الخصم من الشبهات، كل ذلك بكلام لطيف وأدب حسن، لا بعنف وغلظة أو مخاشنة أو مشاتمة فإن ضرر ذلك عظيم (9) . وقد كان الشيخ ليناً في مجادلاته ومناظراته وفي ردوده أيضاً التزم بهذا الأدب اتباعاً للكتاب والسنّة واعتقاداً وإيماناً بقدرة هذا الأسلوب على التأثير على المخاطبين لأن السب والشتم والغلظة قد تؤثر على ثقة الناس بهذا الحق لأن الأسلوب اللطيف الحسن له تأثير لا يخفى على كل اصناف الناس. قال الشيخ في رده على القصيمي: لم نستعمل معه في خطابه الخاص إلا الرفق واللين اتباعاً للكتاب والسنّة في خطاب المحاربين المنحرفين (10) . أما القواعد التي سار عليها وسلكها في ردوده فكثيرة لا يتسع المقام لحصرها ولكن نختار منها بعض القواعد والأسس التي يمكن من خلالها ان يتضح منهج الشيخ في الرد على الخصوم فمنها: 1 الرد من خلال ما يعتقده الخصم: لأن الرد على أساس هذه القاعدة يكون أقوى ويستلزم التسليم من الخصم وقد سلك القرآن هذا في آيات كثيرة حيث انه حكم بني اسرائيل بالتوراة التي يعتقدونها كما قال الله تعالى: ((قل فأتوا بالتوراة فاتلوها إن كنتم صادقين)). وقد بين الشيخ ان الاحتجاج بما يعتقده الخصم أقرب للوصول إلى الغاية المطلوبة حيث قال: ومن ذلك الاحتجاج عليه بالأدلة التي كان يعتقدها فإنه أقرب إلى حصول المقصود (11) . وقد سار على هذه القاعدة في رده على القصيمي، ونراه يوضح هذا فيقول: لم نكثر من ذكر الآيات والأحاديث الرادة لقوله لأن الكتاب والسنّة كلها رد لقوله: لأنه نفى جميع أصول الكتاب والسنّة وأراد قلعها من أساسها ولأن المقام يقتضي ذلك، فإن المناظرة مع من يعظم الكتاب والسنّة نوع ومع من لا يراهما نوع آخر (12) . لذلك نراه يحتج على هذا القصيمي بكلام من يعظمهم من الغربيين حيث قال مستشهداً بكلام الفيلسوف الفرنسي على رحمة المسلمين وعدلهم: وقد شهدت الأمم الأجنبية بكمال فضلهم وشمول رحمتهم وعدلهم، قال جوستاف لوين فيلسوف فرنسا الشهير: ما عرف التاريخ فاتحاً ولا أرحم من العرب (13) . 2 إبطال الشبه من الأصل لينهدم مابني عليها: ان جميع الشبه التي يلقى بها اعداء الدين ليضلوا الناس هي في حقيقتها قد بنيت على شفا جرف هار فإذا قام أحد العلماء بتبيين زيفها وفضح عوارها انهارت من أساسها على رؤوس أصحابها، وهكذا الباطل ركنه ضعيف وسياجه رقيق. وقد كان الشيخ السعدي في ردوده على الملحدين والمنحرفين يبحث عن الأصل الذي بنوا عليه جميع ضلالاتهم فيهدمه من أساسه، ويبين ضعفه وعواره لينسف مابني عليه من باطل. فمن سار على هذه القاعدة فقد سلم من تتبع جميع الشبه، والرد عليها وتفنيدها، لأنه إذا انهدم الأساس فقد بطل وسقط مابني عليه, لذلك قال عند رده على القصيمي: واعلم ان مدار ما بني عليه بحوثه الباطلة واحتج لها وبرهن عليها ورددها أمران: أحدهما: ان المسلمين في هذه الأوقات الأخيرة متأخرون عن غيرهم في الفنون العصرية والاختراعات والصناعات الراقية وعلوم الطبيعة بأنواعها. والثاني: ان غيرهم مهر في هذه الأمور مهارة لا تتصورها الأفكار ثم بنى على هذين الأمرين جميع بحوثه الباطلة، وكتابه كله يدور على هذا الأصل، الذي يعرف كل من له أدنى بصيرة انه بنيان على شفا جرف هار، وان أقل نظر يوجه إليه وأقل برهان يقابله يبطله، وان هذا الاستدلال هو بالترهات والبهرجات أولى منه بالحقائق الثابتة، فإذا تبين بطلان أصله الذي بني عليه جميع بحوث كتابه بطل كل مابنى عليه (14) . وقد قام الشيخ بهدم هذا الأصل الذي ذكره والذي تنبني عليه جميع شبه هذا الملحد فانهدم بذلك جميع باطله وسقطت كل شبهه. 3 إظهار الحق ومحاسنه ليظهر فساد ضده: ان الحق إذا ظهر وبان وضح فساد الباطل وبطلانه لأن الحق والباطل متناقضان فإذا ظهر الحق في أمر ما عرف ان ما سواه باطل, لذلك فقد أفاض الشيخ السعدي في هذا فألف رسالة خاصة في محاسن الدين وبيان مصالحه، ليظهر فساد ضده، وكذلك سار في ردوده على هذا المنهج كما قال تعالى: ((بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق)). وقال أيضاً: قد علم بالأدلة والبراهين المتنوعة نقلاً وعقلاً وفطرة ان ما جاءت به الرسل هو الحق واليقين والدين الحق وبراهين ذلك لا تحصى كثرة وقوة ووضوحاً، فمتى علم المنصف ذلك عرف أنه ليس بعد الحق إلا الضلال (15) . ويوضح الشيخ أيضاً ان هذا المنهج وسيلة لدفع شبه الملحدين بداية حيث قال: ان المسلمين كلما فهموا دينهم وعرفوا مايحتوي عليه من المحاسن التي تفوق الحد والإحصاء، ازداد ايمانهم وقوى يقينهم، واندفعت عنهم شبه الملحدين، وعظم تمسكهم به، وكان هذا جهاداً للأعداء من جهتين: إحداهما: ان المنصف منهم إذا أبصر حقائق الدين وهدايته كان من أكبر الدواعي لدخوله به. الثانية: ان في ذلك إقامة الحجة على المعاندين من الأجانب وعلى الملحدين الذين قلدوهم وخضعوا لهم، وفي ذلك من كف شرهم كله أو بعضه من المصالح ما لا يُعد ولا يحصى (16) . وقال أيضاً في كتابه (انتصار الحق): اعلم ان الحق والباطل متقابلان، وان الخير والشر متنافيان وبمعرفة واحد من الضدين يظهر حسن الآخر أو قبحه (17) . 4 الاحتجاج عليهم بالتجربة والواقع المحسوس: ان الاحتجاج على الخصم بما يشاهده ويحسه من أعظم أسباب إقامة الحجة عليه وإلزامه. وهكذا سار الشيخ السعدي في ردوده على الملحدين والمنحرفين فقد استدل على بطلان أقوالهم وافتراءاتهم بالتجربة والواقع المحسوس الذي لا يستطيع ان ينكره إلا مكابر ظاهر العناد، لأن المحسوس يؤمن به كل احد وفي هذا النوع من الاستدلال قوة وإلزام للخصم بالحجة الدامغة. ومما بين منهج الشيخ في هذا تفنيده لأقوال الملحدين في دعواهم، ان الحدود والعقوبات الشرعية غير مناسبة ولا لائقة, حيث قال: مثل قول كثير من الملحدين، ان العقوبات والحدود التي جاء بها دين الإسلام على الجرائم غير لائقة ولا مناسبة للقوانين، والأحسن عندهم ان يستبدل بها الحبس والغرامة المالية، وهذا سفسطة ومكابرة للواقع، فان القوانين التي يسنها الملحدون ومن قلدهم على الجرائم لم تغن شيئاً وظهر نقصها وفشلها العظيم، وانه لا ثر لها في ردع المجرمين (18) . 5 تعرية الباطل من الزخارف والتمويهات التي يلمع بها: ان للباطل صورة قبيحة لا تخفى على أحد، ولو ترك كما هو ولم يلمع ويزخرف بما ليس منه لما وقع فيه عاقل, لذلك فأهل الباطل الذين يروجون له ويسعون لنشره لما عرفوا هذه الحقيقة أصبحوا يزخرفونها بالألفاظ الجميلة، والعبارات الفصيحة لتتلقاه العقول الضعيفة وتستحسنه كما قال تعالى: ((وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا ولو شاء ربك ما فعلوه فذرهم وما يفترون، ولتصغى إليه أفئدة الذين لايؤمنون بالآخرة وليرضوه وليقترفوا ماهم مقترفون)). قال الشيخ في تفسيره هذه الآية موضحاً ان هذا مسلك أهل الباطل الذين يريدون ان يخدعوا به السفهاء من خلال زخرفة عباراته وتحسين مظهره: يزين بعضهم لبعض الأمر الذي يدعون إليه من الباطل ويزخرفون له العبارات حتى يجعلوه في أحسن صورة ليغتر به السفهاء وينقاد إليه الأغبياء الذين لايفهمون الحقائق ولايفقهون المعاني بل تعجبهم الألفاظ المزخرفة، والعبارات المموهة، فيعتقدون الحق باطلاً، والباطل حقاً، أما أهل الايمان وأولو العقول والألباب فلا يغترون بتلك العبارات والتمويهات بل همتهم مصروفة إلى معرفة الحقائق (19) . وقال رحمه الله في رده على الملحدين في كتابه: (الأدلة القواطع والبراهين في إبطال أصول الملحدين) إن هؤلاء الملحدين روجوا إلحادهم بتحسين ما هم عليه بأوصاف إذا سمعها الجاهل هالته،واغتر بها، وظن صدقها، وكل منصف عارف يعرف كذبها وبطلانها. فزعموها تجديداً ورقياً وتقدماً إلى الأمام وما أشبه ذلك من العبارات التي يغتر بها الجاهلون ولولا ان الباطل قد زخرف وروج بالعبارات والدعايات المتنوعة، ونصرته الدول المنحرفة لم يقبله عاقل، ولا اصغى إليه لبيب (20) . وهكذا بين الشيخ خداع أهل الباطل من خلال ردوده القوية عليهم إضافة إلى فضح الباطل من خلال إظهار الحق ومصالحه ومحاسنه. الحواشي: (1) مجلة الكلية المتوسطة بمكة، العدد الثاني 1410ه ص124. (2) الأدلة القواطع والبراهين، المجموعة الكاملة 2/395. (3) تنزيه الدين وحملته، المجموعة الكاملة، ثقافة 2/425. (4) التفسير، السعدي، 1/465. (5) تنزيه الدين وحملته، المجموعة الكاملة ثقافة 2/425. (6) المرجع السابق 2/474. (7) الفتاوى ، المجموعة الكاملة فتاوى ص 57. (8) أخرجه مسلم، كتاب البر والصلة والأدب حديث 78. (9) الدين الصحيح يحل جميع المشكلات، المجموعة الكاملة، ثقافة 1/360. (10) تنزيه الدين وحملته، المجموعة الكاملة، ثقافة 2/474. (11) التفسير، السعدي 3/93. (12) تنزيه الدين وحملته، المجموعة الكاملة ، ثقافة 2/474. (13) المرجع السابق 1/444. (14) تنزيه الدين وحملته، المجموعة الكاملة، ثقافة 2/434. (15) الأدلة القواطع والبراهين، المجموعة الكاملة، ثقافة 2/379. (16) الجهاد في سبيل الله، المجموعة الكاملة، ثقافة 1/176. (17) انتصار الحق، المجموعة الكاملة، ثقافة 2/408. (18) الدلائل القرآنية، المجموعة الكاملة، ثقافة 1/293. (19) التفسير، 2/59. (20) الأدلة القواطع والبراهين، المجموعة الكاملة، ثقافة 2/347.