اسمه وأسرته: هو صالح بن محمد بن عبدالله بن محمد الصائغ. أما أسرته فإن القاضي يذكر أن المؤرخ ابن عيسى يقول إن أسرته من آل ابن عمار. قدمت الأسرة من الداخلة ثم إلى المذنب ثم عنيزة. والشيخ صالح ليس من أهل الرس، وإنما أردنا أن نترجم له باعتباره أول من ولي قضاء الرس؛ حيث كان قضاة القصيم في عهده يندبونه إلى الرس وما حولها من بلدان القصيم للقضاء وحل المنازعات بين الناس، وحسبه أنه كتب أول وثيقة تم العثور عليها عن بلدة الرس بتاريخ: 6-3-1141ه ثم ولي قضاء الرس بعده الشيخ رشيد بن زامل عام 1158ه، وهذا يعتبر أول قاض يتم تعيينه فيها. ولد في عنيزة - ولم يُوضح تاريخ ولادته -، وكان ضرير البصر قرأ القرآن الكريم على مشايخ عصره، ثم أقبل على العلم ولازم علماء عنيزة في أصول الدين وفروعه والحديث. ويقول المؤرخ ابن عيسى (وكان له معرفة في الفقه)، كما أثنى عليه المؤرخ ابن بشر في تاريخه؛ حيث وصفه بسعة الاطلاع في الفقه، وبأنه أخذ عن مشايخ عدة. كما وصفه القاضي في (روضة الناظرين) بأنه كان فقيهاً مطلعاً وعنده قوة في الحفظ وسرعة في الفهم. ووصفه البسام في (علماء نجد) فقال (العنزي النبيه الفقيه.. صار من أهل التدريس والإفتاء، حيث عقدت عنده حلقات الدروس وقصد بالأسئلة من البلدان فأجاب عنها بأجوبة مفيدة وتحريرات سديدة، وهكذا أصبح من كبار علماء مدينة عنيزة). وقال البسام أيضا (قال ابن حميد في السحب الوابلة حين ذكر المترجَم: مهر في الفقه وأفتى ودرس وأجاب في مسائل عديدة بأجوبة سديدة). وأقول: لا شك أن الشيخ صالح كان بارعا في الفقه وعالما من علماء عصره، وكان يفتي ويعلّم الطلاّب، وكان يكتب الوثائق ويعقد الأنكحة في عصره مع العلم بأن عصره مع شيخه عبدالله بن عضيب يقل فيه طلبة العلم في نجد وما حولها فيكون القاضي والعالم له شهرة بين الناس في الفتوى والقضاء. كتب إجازة لتلميذه الشيخ سليمان بن إبراهيم الفداغي قال فيها: (فأجزت له أن يروي عني ما سمع مني من روايتي عن شيخيّ - تغمدهما الله برحمته - الشيخ الفاضل عبدالله بن إبراهيم بن سيف والشيخ العالم الأجل عبدالله بن أحمد بن عضيب. قال ذلك صالح بن محمد بن عبدالله بحضرة جماعة من المسلمين منهم منصور بن إبراهيم بن زامل وحسين ابن الشيخ وعلي بن عبد المحسن بن علي بن زامل، وكتبه من إملائه حرفا بحرف عبدالله بن علي بن زامل ثاني شهر الله الحرام سنة إحدى وثمانين ومائة وألف). يقول الشيخ عبدالله البسام تعليقا على الإجازة (قلت: وأملى الإجازة على تلميذه لأنه كفيف البصر). وقال أيضاً (وأخبرني من رآه بأنه أدركه مكفوف البصر، قال: فلا يدري هل هو من صغره أم عرض له في كبره). كذلك يذكر القاضي في (روضة الناظرين) أن الشيخ صالح الصائغ كفيف البصر. أقول: ما قاله الشيخ البسام والشيخ القاضي بأن الشيخ صالح الصائغ كفيف البصر قد يكون كف بصره في آخر حياته؛ لأن الشيخ صالح الصائغ في الوثيقة التي كتبها في الرس، وهي (وثيقة الجفير) ونورد نصها فيما بعد، قال فيها (شهد به وكتبه وأثبته صالح بن محمد بن عبدالله) والكاتب عادة يقول ذلك إذا كان يكتب الخط بيده، وقوله هذا يدل على أنه كتبها بخط يده فيكون مبصرا حال الكتابة في عام 1141، أما إذا كان الكاتب يملي الكتابة وغيره يكتب فيقول (أملاه فلان..) أو (كتبه فلان من إملاء الشيخ..)؛ لذا قد يكون كف بصره بعدما كبر سنه، مع العلم بأن بين كتابة الوثيقة ووفاة الشيخ أكثر من أربعين سنة. أدرك الشيخ صالح دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب مع مجموعة من العلماء، وقد يكون بعضهم لم يتحمس لتلك الدعوة، وقد أورد المؤرخ حسين بن غنام في (تاريخ نجد) من كتاب الدرر السنية رسالة أرسلها الشيخ المجدد محمد بن عبدالوهاب إلى مطاوعة أهل سدير والوشم والقصيم ومنهم الشيخ صالح خص فيها محمد بن عبيد وعبدالقادر العديلي وابنه وعبدالله بن سحيم وعبدالله بن عضيب وحميدان بن تركي وعلي بن زامل ومحمد أبا الخيل وصالح بن عبدالله. * ونحوه، تعتقدون صلاحه وولايته فقد صرح في «الإقناع» بكفره، فاعلموا أنكم لم تعرفوا معنى شهادة أن لا إله إلا الله. فإن بان لكم من كلامي هذا شيء من الغلو من أن هذه الأفاعيل لو كانت حراما فلا تخرج عن الإسلام وأن فِعْلَ أهل زماننا في الشدائد في البر والبحر، وعند قبور الأنبياء والصالحين ليست من هذه بينوا لنا الصواب وأرشدونا إليه. وإن تبين لكم أن هذا هو الحق الذي لا ريب فيه، وأن الواجب إشاعته بين الناس، وتعليمه النساء والرجال فرحم الله من أدى الواجب عليه، وتاب إلى الله وأقرّ على نفسه، فإن التائب من الذنب كمن لا ذنب له. وعسى أن يهدينا وإياكم وإخواننا لما يحب ويرضى. والسلام). كذلك يروي الشيخ البسام أن الشيخ صالح الصائغ كان ممن عارض دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب السلفية وأورد مطلع قصيدة لم يرد أن يكملها، وهي من نظم الشيخ صالح يرد فيها على الصنعاني. وأقول: أخشى أن تكون تلك وشاية ممن لا يرتاح للشيخ صالح كما سبق أن اتهم في مثل ذلك كاتب الرس الشيخ إبراهيم بن محمد الضويان بأنه يعادي دعوة الشيخ محمد بن إبراهيم وثبت بأنها وشاية. درس الشيخ صالح على العالم الجليل الشيخ عبدالله بن أحمد بن عضيب الناصري الحنبلي، وعلى الشيخ عبدالله بن إبراهيم بن سيف والد صاحب العذب الفائض في علم الفرائض، كما درس على الشيخ علي بن زامل. وقد درس بين يديه مجموعة من التلاميذ وطلبة العلم، منهم: العالم الفرضي الشيخ محمد بن علي بن سلوم والشيخ أحمد بن شبانه وغيرهم. ومن تلاميذه الشيخ سليمان بن إبراهيم الفداغي وقد منحه إجازة، كما برز من تلاميذه النابهين الأمير العالم الجليل دخيل بن رشيد بن محمد الجراح والشيخ منصور بن محمد أبو الخيل إمام وقاضي الخبراء والشيخ عبدالله بن علي بن زامل ومنصور بن إبراهيم ابن زامل. أعماله وآثاره: من آثاره العلمية وأعماله ما يأتي: 1- وليَ الشيخ صالح القضاء في عنيزة خلفا لزميله الشيخ محمد بن علي آل زامل الملقب ب(أبي شامة). 2- وللشيخ صالح مجموعة من الرسائل منها: رسالة في علم النحو، وهي مخطوطة. 3- كذلك كان الشيخ صالح يقول الشعر، وله فيه مقطوعات جميلة وجيدة من قصائد الشعر. وأورد البسام في (علماء نجد) في ترجمة الشيخ قصيدة من (12) بيتاً يرد فيها على قصيدة الصنعاني التي قالها في دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب، يقول في مطلعها: سلام من الرحمن أحلى من الشهد وأطيب عرفا من شذا المسك والورد إلى معشر الإخوان أهل محبتي وأهل ودادي نعم ذلك من ود وبعد فقد جاءت إلينا رسالة بها قول زور خارج من لدن زيدي كتابته: كتب الشيخ صالح بن محمد الصائغ أول وثيقة تم العثور عليها عن الرس وتسمى (وثيقة الجفير)، وهي تبين بيع ورثة حمد بن علي بن محمد أبا الحصين نصيبهم من الجفير على قرناس بن حمد، وهذا نص الوثيقة: (الحمد لله وحده.. يعلم الواقف على هذا الكتاب أنه حضر عندي ورثة حمد بن علي بن محمد أبا الحصين وهم ابنه علي الملقب بأبي الحصين وابنه الأبكم الأصم تولى عليه عقاب بن علي بعدما تابوا لله تعالى وبنات حمد سلمى وقرنيسة وورثة غالية وزوجات حمد عقيلة بنت علي بن زهير وفاطمة بنت سليمان بن محمد وجويزية بنت عبدالله بن محمد باع جميع من ذكرنا وولي الأبكم نصيبهم إرثهم من حمد المذكور في الجفير في الرس معروفاً في ذلك المكان مشهوراً وشهرته كافية عن التحديد باعوه بجميع حقوقه وحدوده من مسيل وغيره على قرناس بن حمد المذكور بثمن معلوم قدره وجنسه وصفته واشترى منهم قرناس بذلك وكل من المتبايعين عارف الثمن والمثمن معرفة نافية للجهالة وبلغهم الثمن كاملا وتمت بينهم شروط البيع، فلما رأيت ذلك حكمت بصحته. شهد بذلك جماعة من المسلمين. شهد به وكتبه وأثبته صالح بن محمد بن عبدالله سادس ربيع الآخر سنة 1141، وهذا البيع المذكور بعدما فسخ سليمان بن حميدان رهنه الذي في الجفير المذكور وأبرى الميت من الدين. شهد بذلك جاسر بن حمد وشهد به وأثبته صالح. نقله بحروفه حرفا بحرف سليمان بن حمد الرميح. وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم حرر في ج سنة 1347) أ. ه. وفاته: توفي رحمه الله في عنيزة عام 1184ه. وقد ذكر المحقق ابن بشر في (عنوان المجد) وفاة الشيخ صالح فقال في معرض حديثه عن وفيات سنة 1184ه: وفيها مات العالم القاضي في ناحية القصيم صالح بن عبدالله بن - نقص في كتابة الاسم - وكان له معرفة في الفقه. أخذ عن مشايخ عدة منهم الشيخ الفقيه عبدالله بن أحمد بن عضيب الناصري الحنبلي.