وزير الدفاع يستعرض مع حاكم ولاية إنديانا الأمريكية علاقات الصداقة والتعاون بين البلدين    رينارد يتحدث عن مانشيني ونقاط ضعف المنتخب السعودي    أمير الشرقية يطلق هوية مشروع برج المياه بالخبر    مستشفيات دله تحصد جائزة تقديم خدمات الرعاية الصحية المتكاملة في السعودية 2024    قسطرة قلبية نادرة تنقذ طفلًا يمنيًا بمركز الأمير سلطان بالقصيم    «التعليم»: إلغاء ربط العلاوة بالرخصة المهنية    القبض على باكستاني لترويجه 6.6 كلجم من الشبو بمنطقة الرياض    9300 مستفيد من صندوق النفقة خلال 2024    الكتابة على الجدران.. ظاهرة سلبية يدعو المختصون للبحث عن أسبابها وعلاجها    مهرجان وادي السلف يختتم فعالياته بأكثر من 150 ألف زائر    الملتقى البحري السعودي الدولي الثالث ينطلق غدًا    قمة مجموعة العشرين تنطلق نحو تدشين تحالف عالمي لمكافحة الفقر والجوع    القيادة تهنئ ملك المغرب بذكرى استقلال بلاده    النسخة الصينية من موسوعة "سعوديبيديا" في بكين    45.1% من سكان المملكة يعانون من زيادة الوزن    سماء غائمة جزئيا تتخللها سحب رعدية بعدد من المناطق    المملكة تجدد إدانتها استهداف إسرائيل ل«الأونروا»    "سلمان للإغاثة" يوزع 1.600 سلة غذائية في إقليم شاري باقرمي بجمهورية تشاد    الأخضر يكثف تحضيراته للقاء إندونيسيا في تصفيات المونديال    وزير الإعلام اختتم زيارته لبكين.. السعودية والصين.. شراكة راسخة وتعاون مثمر    «السلطنة» في يومها الوطني.. مسيرة بناء تؤطرها «رؤية 2040»    القصبي يفتتح مؤتمر الجودة في عصر التقنيات المتقدمة    1.7 مليون عقد لسيارات مسجلة بوزارة النقل    محافظ جدة يستقبل قنصل كازاخستان    وزير الحرس الوطني يستقبل وزير الدفاع البريطاني    الإجازة ونهايتها بالنسبة للطلاب    إحباط 3 محاولات لتهريب 645 ألف حبة محظورة وكميات من «الشبو»    قتل 4 من أسرته وهرب.. الأسباب مجهولة !    المملكة ونصرة فلسطين ولبنان    عدوان الاحتلال يواصل حصد الأرواح الفلسطينية    كل الحب    البوابة السحرية لتكنولوجيا المستقبل    استقبال 127 مشاركة من 41 دولة.. إغلاق التسجيل في ملتقى" الفيديو آرت" الدولي    كونان أوبراين.. يقدم حفل الأوسكار لأول مرة في 2025    حسابات ال «ثريد»    يا ليتني لم أقل لها أفٍ أبداً    موافقة خادم الحرمين على استضافة 1000 معتمر من 66 دولة    صبي في ال 14 متهم بإحراق غابات نيوجيرسي    أمير الرياض يفتتح اليوم منتدى الرياض الاقتصادي    «حزم».. نظام سعودي جديد للتعامل مع التهديدات الجوية والسطحية    قلق في بريطانيا: إرهاق.. صداع.. وإسهال.. أعراض فايروس جديد    القاتل الصامت يعيش في مطابخكم.. احذروه    مكالمة السيتي    الخليج يتغلب على أهلي سداب العماني ويتصدّر مجموعته في "آسيوية اليد"    أوربارينا يجهز «سكري القصيم» «محلياً وقارياً»    أعاصير تضرب المركب الألماني    «القمة غير العادية».. المسار الوضيء    المكتشفات الحديثة ما بين التصريح الإعلامي والبحث العلمي    الدرعية.. عاصمة الماضي ومدينة المستقبل !    لغز البيتكوين!    الله عليه أخضر عنيد    شراكة إعلامية سعودية صينية واتفاقيات للتعاون الثنائي    وزير الدفاع يلتقي سفير جمهورية الصين الشعبية لدى المملكة    نائب أمير منطقة مكة يستقبل المندوب الدائم لجمهورية تركيا    محافظ الطائف يلتقي مديرة الحماية الأسرية    اللجنة المشتركة تشيد بتقدم «فيلا الحجر» والشراكة مع جامعة «بانتيون سوربون»    بيني وبين زوجي قاب قوسين أو أدنى    دخول مكة المكرمة محطة الوحدة الكبرى    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بالشواهد والأرقام.. التاريخ يؤكد أن الأسبقية للإتي.. ورياح الحرب العالمية ألقت بظلالها على توقف الرياضة في الخمسينيات..!!
أوراق من تاريخ نادي الاتحاد يكشفها ل(الجزيرة) عميد مؤرخي الحركة الرياضية بالمملكة «د. أمين ساعاتي»:
نشر في الجزيرة يوم 22 - 10 - 2010

ما زال تاريخ الحركة الرياضية بالمنطقة الغربية يكتنفه مزيد من الغموض وأجواء تسودها الضبابية.. حول أحقية النادي الأول - نشأة وقياماً - ممن يستحق الهرولة في مضمار الريادة والفوز بلقب أول نادٍ تأسس بالمملكة, فالوحدويون الذين طرزوا شعارهم الحالي بالرقم (1) إشارة إلى أقدميته وأحقيته بالريادة التأسيسية على صعيد الأندية المحلية, وبالمقابل يصر الاتحاديون على أن عميدهم هو الأحق والأجدر بهذا اللقب التاريخي.. وهو أول ناد تأسس بالمملكة عام 1347ه، وفي ظل الخلاف الدائر في فلك الناديين والجدل البيزنطي حول لقب الزعامة والعمادة والفوز باللقب التاريخي.. اتجهت بوصلة (الجزيرة) إلى غرب المملكة في ضيافة عميد مؤرخي الحركة الرياضية.. صاحب أكبر موسوعة رياضية قدمها للمملكة الدكتور (أمين ساعاتي) المعروف بحجته القوية.. المدعومة بالوثائق المثبتة والحقائق الدامغة والصور التاريخية النادرة.. ليكشف لنا أوراقاً عن حقيقة تأسيس ناديي الوحدة والاتحاد معززاً أقواله.. ومدعماً حديثه بالوثائق التاريخية والصور النادرة تُنشر لأول مرة.. واليوم يواصل المؤرخ الكبير الدكتور (أمين ساعاتي) حديثه التاريخي الذي خصَّ به (الجزيرة) عن البدايات التأسيسية لقيام ونشأة نادي الاتحاد المخضرم.
تاريخ نادي الاتحاد بجدة
بدأت فرق كرة القدم في مكة المكرمة قبل أي مدينة في المملكة.. عن طريق الجالية الإندونيسية، ولكن التمثيل الرياضي السعودي، قام لأول مرة في جدة حيث اضطلع نفر من أعيان مدينة جدة في عام 1346ه (1928م) بتأسيس أول فريق سعودي في المملكة باسم «الحجاز الرياضي» ورئيسه معالي الأستاذ محمد رضا، أي أن محمد رضا هو أول رئيس نادٍ سعودي في تاريخ الأندية السعودية، ولم يفرق في ذلك الوقت بين الإداريين واللاعبين، فاللاعبون هم المسئولون عن إدارة الفريق.
ومن أبرز لاعبي وإداريي فريق الحجاز الرياضي:
محمد رضا زينل (الرئيس)، أحمد زاهد، حسين نصيف (إداري ولاعب)، يونس سلامة (إداري ولاعب)، محمد درويش( )، محمود عارف، على بترجي، حمزة شحاتة، محمد حسن عواد، عبد الرزاق عجلان، عبد العزيز جميل، درويش مصطفى درويش، عبد الله بن زقر، عبد اللطيف اللنجاوي، أحمد قنديل، حمزة فتيحي، عبد الصمد نجيب (إداري ولاعب)، محمد جار (إداري ولاعب)، عمر نصيف، عيسى جمجوم( )، زهران إسماعيل (إداري ولاعب)، عباس حلواني، صالح سلامة، أحمد تكروني، بكر غريب شاه، هنيدي عتيبي، أحمد أبو طالب، عبد الله زاهد، على يماني، عباس خميس( ).
«محمد رضا» في رحاب الله
قابلت محمد رضا.. (وهو أول رئيس نادٍ سعودي وأول وزير لوزارة التجارة) آخر مرة في عام 1404ه بعد أن عاد لتوه من الولايات المتحدة بعد زيارة علاجية.. حينما زرته في داره بطريق مكة المكرمة.. رأيت رجلاً مثقلاً بالإعياء، فاقتربت منه فأجلسني إلى جواره.
قلت له: إن صحتك أحسن بكثير من أول.. كنت أرغب في أن أطمئنه على صحته، فابتسم وكان الألم الذي كان يعصره قد عرفه بكل شيء.. قال لي: كل شيء له نهاية يا أمين.. حتى البشر.. يعني حتى أنا لي نهاية والنهاية تدنو مني.
وقفزت من مجلسي وعاجلته بقولي: لا يا عم محمد أنت بخير وربنا يعطيك الصحة ويطول في عمرك.. فإذا كان كل شيء زي ما تقول له نهاية.. فالمرض أيضاً له نهاية.. وإن شاء الله تتعافى عما قريب.. قال وكأن اليأس قد أخذ منه كل بارقة أمل: لقد انتهى كل شيء.
وبعد شهرين من هذا اللقاء جاءني.. وأنا في أمريكا خبر العم محمد رضا عين أعيان مدينة جدة فزفرت مني تنهيدة عميقة ثم قلت: صدقت يا عم محمد كل إنسان له نهاية.. {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ}.
لكن فريق الحجاز الرياضي لم يلبث أن دب الخلاف بين أفراد الفريق من الذوات.. وما كان يعرف في ذلك التاريخ بأبناء الحارة.. واشتد الخلاف حتى أدى إلى الانقسام بين أفراد الفريق، والقسم الذي خرج من الحجاز الرياضي أسس فريقاً في عام 1347ه (1929م) تحت اسم نادي الاتحاد العربي السعودي (العميد).
الثمانيني.. تأسس
في عام 1347ه
جدة مدينة مخضرمة عريقة يعود تاريخها إلى أكثر من ألفي عام، وهي مدينة ولدت من رحم أمنا حواء، وولد الاتحاد من رحم جدة، والمسافة بين مقبرة أمنا حواء وملعب الاتحاد - في ذلك الوقت - لا تتجاوز ال100 متر طولي.. وإذا تميز الاتحاد بالنجابة فإنه لا يستغرب من مدينة في عراقة جدة أن تلد مولوداً رياضياً شامخاً نجيباً اسمه نادي الاتحاد.
جدة فيها جاذبية ووجاهة وهيمنة.. فهي مدينة تجذب الكثير من المدن السعودية، وهي مدينة لها هيبة لكل ما حولها من مدن وهجر.. وهي مدينة مهيمنة تهيمن على ما عداها من مدن مجاورة.
إذن لا نستكثر على مدينة تتميز بالجاذبية والوجاهة والهيمنة أن تلد نادياً له جاذبية ووجاهة وهيمنة، والاتحاد أخذ من أمه جدة الكثير من الخصال، فالاتحاد كيان تنصهر فيه عناصر كل الأندية الأخرى التي أخذت تقلد الاتحاد وتحاكيه.
الاجتماع التأسيسي
صحيح أن جدة لم تكن عاصمة ولكن بالفعل هي مجموعة عواصم.. عاصمة رياضية، وعاصمة ثقافية، وعاصمة سياسية، وعاصمة اقتصادية، وهي عاصمة الجمال المعماري، كل حجر فيها مشبع بعبق الماضي وعراقته، وكل شبر فيها مبصوم بمبصم الإنسان الحضاري، وهي عاصمة للوطن نشم فيها رائحة كل المدن السعودية، ونشم فيها رائحة الفن الأصيل والجمال والأخلاق.
جدة مدينة لا ترضى بالضيم والظلم، إنها مدينة تتمتع بتقاليد وسلوكيات راقية، وجدة تمثل مكاناً أثيراً ليس بالنسبة للمملكة.. وليس بالنسبة للمدينتين المقدستين (مكة المكرمة والمدينة المنورة)، وإنما بالنسبة لكل مدن ودول البحر الأحمر، فهي تقع في خاصرة البحر الأحمر، في سرته وفي وسط وسطه، وهي مدينة تجمع ولا تفرق.. تحتضن ولا تمزق.. تجذب ولا تنفر.. تعطي ولا تستكثر.. تحب ولا تكره.
وحينما ولدت جدة السعودية الحديثة.. ولدت صغيرة (بيبي) ولها أربعة أبواب وأربع حارات، وحينما بدأت تكبر كبرت شرقاً، صوب مكة المكرمة، ثم بعد ذلك كبرت شمالاً صوب المدينة المنورة، وارتاحت في تمددها إلى الشمال حتى ابتلعت ذهبان وثول بعد أن أنهت تمددها العمراني إلى مكة المكرمة واتصلت بها، هذا التمدد العمراني الجارف شرقاً وشمالاً أكد بأن جدة مدينة تتمتع بالحيوية والنمو.
مدينة جدة التي هي امتداد لمكة المكرمة والمدينة المنورة.. مدينة ثرية واضحة المعالم، تشبه البنت الجميلة التي تفيض حيوية وشقاوة، وهي مريحة للنفس وللعين وللقلب، تشعر وأنت تسير في شوارعها بأنك تدخل أحشاءها وتزور شواطئها وأسواقها ومطاعمها وتتبضع في متاجرها كأنك تعرف كل ناسها وكل أركانها وكل جحورها..
وإذا كان البعض يوصمها بالتبرج فإنها ليست متبرجة ولكنها ليست منكفئة على نفسها، وليست مغرورة بجهل، ولا متصابية بابتذال، ولا تشعرك بالغربة، بل هي مدينة تغمرك بالمدنية وتشعرك بالدفء والأمان، مدينة تضمك إلى صدرها من أول نظرة ومن أول زيارة.. جدة مدينة حضارية تحترم ساكنيها، وتحافظ على قيمها الجمالية مثل حدائقها المنفتحة التي تغازل زوارها، وشواطئها الباسمة التي تمد لك شفاهها حتى تستوعب مشاعرك وأحاسيسك.
وفي جدة معالم حضارية مميزة ومن معالمها الكبرى مدارس الفلاح وسوق البدو وبيت نصيف والكنداسة وميناء جدة الإسلامي وجامعة الملك عبد العزيز وصحيفة عكاظ ومسجد عثمان بن عفان، ثم من معالمها الكبرى نادي الاتحاد العربي السعودي، وكم هو جميل أن يبني النادي له متحفاً لأنه أصبح جزءاً من تراث هذه المدينة العريقة الذي يجب أن يزوره كل من يزور جدة ومعالمها الحضارية.
ولذلك فإن جدة كانت وما زالت عاصمة الرياضة السعودية ففيها تأسس الاتحاد نادي الأندية السعودية.. عميدها المغوار، جدة هي التي فجَّرت قريحة شاعرها محمد درويش الذي أهدى النادي لقب «العميد» حينما أنشد قصيدته التاريخية الاتحادية التي جاء فيها:
فريقُ الاتحاد بكم أشيدُ أنتمُ في البلاد غداً عميدُ
بمعنى أن نادي الاتحاد واجهة حضارية لمدينة جدة يصطف جنباً إلى جنب مع الكنداسة ومدارس الفلاح وسوق البدو وجامعة الملك عبد العزيز وبيت نصيف والميناء الإسلامي ومسجد عكاش وصحيفة عكاظ والكرنيش.. ليكونوا في استقبال ضيوف جدة من الزوار والسياح والرسميين، ولميلاد الاتحاد قصة مثيرة.
- في ذلك اليوم من صيف جدة الحار برطوبته العالية وقبل أن يبدأ التمرين في فريق الحجاز الرياضي وهو - كما ذكرنا - أول فريق سعودي ينشأ في المملكة.. اتجهت «التقسيمة» إلى استبعاد كل ما هو نجار أو قراري أو بناء أو خباز أو قهوجي أو فران أو حلواني أو عامل يعمل في الحجر والطين... وكان قبلها قد تناثر الكلام عن الرغبة في استبعاد هذه الشريحة من اللاعبين من فريق الحجاز الرياضي لأن اللاعبين والإداريين يجب أن يكونوا من طبقة اجتماعية لا تريد أن تختلط بالطبقات الدنيا.. ولكن مجلس الإدارة كان منقسماً محمد رضا ومحمد جار وحسين نصيف وأحمد زاهد وعمر نصيف وعيسى جمجوم.. هؤلاء مع اختيار (الكلاس) من اللاعبين، ولكن عبد العزيز جميل وعبد الله بن زقر وعبد الرزاق عجلان وعبد اللطيف لنجاوي وصالح سلامة وعثمان باناجة وزهران إسماعيل يرون أن الرياضة للجميع والكرة للكل.
عبد العزيز جميل يشتاط
غضباً وينادي أصحابه:
تعالوا ندخل الغرفة.. غرفة اللا سلكي التي كانت تقع غرب الملعب وهي التي شهدت ميلاد «العميد» أول نادٍ سعودي ما زال باقياً على قيد الحياة، الغرفة بنيت من الحجر المنقبي ولها باب واحد يطل على الشرق وشباك يطل على الغرب وشباك ثانٍ يطل على الجنوب ويسمح لنسمات الهواء (الأزيب) تنساب إلى الغرفة وتتخلخل في جميع أرجائها.. الجو شديد الرطوبة.. مساحة الغرفة لا تتجاوز 6×9م2..
دلف عبد العزيز جميل بقامته الشامخة وسحنته البيضاء إلى الغرفة وقرأ السلام، وكان يعلق فوق أرنبة أنفه نظارة سوداء وكان يرمق الحاضرين بعين واحدة، لأن العين الثانية متعبة، وتبعه صالح سلامة المعروف بلقب كبير اللاعبين.. ثم أعقبه عبد الله بن زقر الذي كان يشد رأسه بعمامة حلبي ذهبية، ويعقبه عبد الرزاق عجلان الذي كان يتدثر بجبة بيضاء ولحية قصيرة.. تهبط قليلاً قبل أن تلامس الرقبة، وكان يرافق العجلان الشاب حمزة فتيحي الذي كان هو الآخر يلف رأسه بعمامة نضيدة وكان حليق الشارب واللحية، ثم دخل عثمان باناجة الذي كان يعرف ب «الأشطف» وتبعه زهران إسماعيل بلونه الأسمر الداكن، سماره أغمق من سمار عبد اللطيف لنجاوي، ثم دخل عبد اللطيف اللنجاوي وكان يلف صدره بسديري أبيض وسلسلة من ساعة (راسكوف) روسية تتدلى من عروة السديري وتسقط في الجيب، ولم ينس عبد اللطيف اللنجاوى كعادته أن يرمي عمامته البيضاء فوق رأسه يمنة ويسرة فتغطي جميع أنحاء رأسه ولا تسمح لشعرة بيضاء ناعمة تتدلى أمام الناس.
حينما تقاطر هؤلاء الشباب نحو غرفة اللا سلكي فزّ موظف اللا سلكي صالح باوزير ووقف على قدميه الجسورتين وصاح: الله يحييكم.. حياكم الله.. نسوي الشاهي.
فرد عبد العزيز جميل بصوته الحاد: دقائق يا صالح عندنا اجتماع وإن شاء الله ما نعطلك عن شغلك، وأجاب صالح بسرعة: أنتم ما تعطلوني.. أنتم آنستوني وشرفتوني.. كانت الشمس في ذلك اليوم تغيب وتظهر بفعل غمامة كانت تغازل مناخ جدة.. أي أن الجو في جدة كان يميل بين الصحو والغيم.
اتجه صالح باوزير صوب (كانون) عليه براد ينتحي ركن الغرفة.. صبغته جمار النار الكاوية في جزئه السفلي باللون الأسود، بينما ظل الجزء العلوي من البراد بلونه الأصفر، وكأن براد الشاي يريد أن يعلن عن شعار نادي الاتحاد قبل أن يعلن عنه المؤسسون.. وتقدم صالح (يقربع) في فناجيل الشاهي بعصبية ويوزع على ضيوفه أكواب الشاهي.. ورغم أن صالح باوزير كان يرحب بالشباب إلا أن كلماته كانت ترتعش بالقلق لأنه حوَّل الغرفة من غرفة عمل إلى غرفة اجتماع للاعبي الكورة، ولكن عبد العزيز جميل لم يترك القلق يفترسه فسأله: هل يمر العم على سلطان مدير البرق والبريد عليكم في غرفة اللا سلكي؟!.. قال باوزير أحياناً يمر ولكن ما له وقت..
فقال عبد العزيز جميل: إذا مرَّ أخبره بأنه أصبح رئيساً للنادي الذي سوف نعلن عنه بعد قليل من هذه الغرفة.. غرفة اللا سلكي التابعة لإدارة البرق والبريد.
كان الوقت رطباً ومضيئاً وكان الهدوء تخترقه أصوات الذباب ولسعات الناموس الذي كان يسرح ويمرح في كل أرجاء الغرفة ثم يهجم على المجتمعين بشراسة فيقرض هذا ويقرص ذاك، ويدفع إلى الاستعجال في اتخاذ قرار تأسيس نادي الاتحاد.
عبد العزيز جميل بصوت منفعل:
افتحوا النوافذ..
ورد عليه موظف السنترال: لا توجد إلا نافذة واحدة يمكن فتحها والنافذة الثانية معصلجة.. الشمس تخترق الغرفة ترسل أشعتها الذهبية المثقلة بالرطوبة في جميع أرجاء الغرفة.. مقعد من الخشب منحوت الأطراف، وترابيزة صغيرة فوقها لا سلكي وعامل لا سلكي يطقطق بمهارة على جهاز تلبسه الرطوبة والسواد.
ومرة أخرى عبد العزيز جميل ينادي اقتربوا.. وحينما اقتربوا منه قال: أشوف أن الأمور بلغت نهايتها مع الإخوان وليس أمامنا إلا تأسيس ناد ينبذ التفرقة بين الشباب، فكلنا إخوان وأبناء بلد واحدة، وعلى هذا نؤسس نادينا متحدين على هذا المبدأ، مبدأ الاتحاد وعدم التمييز.
في تلك اللحظة من صيف 1347ه رفعت جدة أعلام الفرح الاتحادي.. وخارج الغرفة كان أفراد فريق الحجاز الرياضي يتشعترون في الملعب كأنهم يلعبون لعبة «الكاشو»، وكان الكل ينتظر ما يسفر عنه اجتماع الإخوة الأعداء الذين لم يعجبهم قرار إبعاد بعض اللاعبين عن فريق الحجاز الرياضي.
* ويعود عبد العزيز جميل إلى الكلام فيقول:
طبعاً إنتوا شوفتوا إيه اللي حصل في التمرين ولكن أنا أرى أن الرياضة ما فيها كبير.. الرياضة للجميع، ولكن الإخوان محمد رضا ومحمد جار وحسين نصيف وأحمد زاهد ومن معهم لم يعيروا كلامنا أي اهتمام، ونحن نحترم رأيهم ولكن لا نتفق معهم، ثم تكلم عبد الله بن زقر بصوت مرتفع قليلاً وكأنه يتكلم من عمامته وليس من فمه: أنا ما أعرف من أعطاهم حق استبعاد مجموعة مهمة من اللاعبين زي علي يماني.. وقاطعه صالح سلامة في هدوء وبكلمات وئيدة: هل استنفدنا معهم كل وسائل الإقناع؟.
وقف عبد العزيز جميل وقال: حاولت أن أثنيهم ولكنهم يصرون..
وأضاف سلامة: طيب ما هو الحل؟
ورد عليه بسرعة عبد العزيز جميل: نؤسس نادياً آخر.
سلامة: هل فكرتم في اسم النادي؟
عبد العزيز جميل: قبل أن نحدد الاسم يجب أن نوافق على الفكرة.
سلامة: أنا أعتبر الفكرة تمت الموافقة عليها ولكن المهم الآن الاسم.
وقف بن زقر: إن الأسماء كثيرة في أندية مصر وأندية السودان.
عبد العزيز جميل: نريد أندية في المدن الساحلية مثل مدينة جدة.
عبد الله بن زقر: مثلاً الاتحاد أو..
ورد عبد العزيز جميل لا تكمل يا عبد الله.. الاتحاد مناسب جداً لأنه يعبر عن اتحادنا معاً.. وبارك الجميع الاسم وقالوا بالإجماع على بركة الله الاتحاد قوة!
وقبل أن ينفض الاجتماع تعهد زهران إسماعيل بإحضار ملابس الاتحاد من السودان ووعد بأنه سوف يكلف أحد أصدقائه بإرسال الفانلات في أسرع وقت ممكن.
ولادة العميد!!
وقبل أن تلملم الشمس آخر أرديتها الذهبية إذ بالمجتمعين يخرجون من غرفة اللا سلكي وهم يحملون رضيعاً يلملمون أطرافه في (كوفلة) صفراء وسوداء وينادون بأنهم قد أطلقوا على وليدهم اسم الاتحاد ويضم جميع الأطياف والنحل ويفتح صدره وقلبه لكل راغب حتى لغير السعوديين.
كانت الهوية الاتحادية.. منذ البداية هي هوية حضارية تعبر عن الرياضة في أرقى هاماتها، لم يكن الاتحاد عنصرياً ولا نادياً شوفونياً.. ولو كان كذلك لما ولد الاتحاد وظل عميداً حتى اليوم..
فريق الحجاز الرياضي لم ينزعج حينما علم بأن نادي الاتحاد تأسس بعد الانسلاخ، كانوا مرتاحين بالقرار لأن المنسلخين كانوا يضايقونهم بالفعل.. وهكذا تأسس الاتحاد وكان منذ البداية قوياً لأنه يحمل هوية المجتمع الجداوى الأصيل، وحينما يؤسس الكيان على أساس متين.. فإنه يكبر ويترعرع، وحينما يكون الكيان على غير أساس.. فإنه يضمر وينسل.. وهذا ما حدث للاتحاد الذي أخذ ينمو وبكبر ويترعرع..
بينما أخذ كيان فريق الحجاز الرياضي يصغر ويضمر ثم يضمحل ويتلاشى..
وقفت جدة على أقدامها وهللت وكبرت.. يا رب.. يا رحماني.. بارك لنا في الغلام، وبذلك أعلن المؤسسون ميلاد نادي الاتحاد العربي السعودي وشدد جميعهم على (العربي السعودي) حتى يعطوه هوية الوطن وولاء النادي لجلالة الملك عبد العزيز - طيب الله ثراه - الذي دخل جدة في يوم الخميس غرة جمادى الآخرة من العام 1344ه أي قبل ثلاثة أعوام من تأسيس الاتحاد.
نادي الاتحاد لا يمثل حياً واحداً كما الأندية الأخرى، وإنما يمثل كل أحياء جدة، ثم يمثل كل أحياء المدن السعودية، بل يمثل كل أحياء عالمنا العربي.. إنه بيت كبير لعائلة رياضية لها أفخاذ وسيقان وركب وأنصار في شتى بقاع الدول العربية.. ونموه يشبه الزحف نحو التدرج، وطبوغرافيته الاجتماعية تجمع كل الأطياف والنحل والتجمعات.
ومع أن الاتحاد أكبر الأندية عمراً، إلا أنه يبدو وكأنه ما زال طفلاً يغرد في الغلام، ويخطف من رصفائه الكورة والكأس والبطولة.
كان عبد العزيز جميل يحدثني بهذا السيناريو الجميل ويكرر الكلمات ليؤكد أنه يفتخر أنه وزملاءه وراء هذا الحدث الكبير.
الجداوي يفخر بالاتحاد..
والسعودي يعتز بالاتحاد..
حينما نجوب أزقة جدة القديمة نرى الاتحاد في كل زقاق، في كل منعطف، في كل شارع، قد تنتقل من حارة إلى حارة من اليمن إلى المظلوم، أو من الشام إلى البحر ولكن الإحساس بالاتحاد يظل يغمر مشاعرك وأحاسيسك وأنت تزور كل الحارات القديمة.
ومن الاتحاد تناسلت أو تناسخت أندية كثيرة وكل الرياضيين السعوديين على موعد مع نادي الاتحاد بجدة.
عبد الرحمن بن سعيد مؤسس الهلال الزعيم قال لي حينما أسست الهلال كانت أمنيتي الغالية أن ألعب مع الكبير.. مع البكري.. مع نادي الاتحاد.. ولذلك فإن نادي الاتحاد يتميز عن غيره من الأندية بأنه مسافة لا مساحة، أي أنه له امتداد مديد وفيه لاعبون من كل حارات جدة وأزقتها وشوارعها، فيه لاعبون من حارة اليمن والشام والبحر والمظلوم والبغدادية والشرفية والرويس وأبحر والهنداوية والثعالبة وعنيكش والقوزين والروضة والسلامة والحمراء والخالدية والكورنيش والشاطئ، الاتحاد فيه منتمون من كل الحتت والأماكن والبلدات، حتى من الدول العربية والدول الغربية واللاتينية، وفيه من كل الطبقات.. ففيه المتعلم ونصف المتعلم وغير المتعلم ومتوسط الحال والفقير والغني وفيه الوزير والمدير والغفير، وكلهم يذوبون في حب الاتحاد.
للاتحاد صفة لا يجاريه فيها أحد، فهو عبقري كلما تقدم به السن لا يشيخ أبداً، ولا يكبر وإنما تزيده الأيام نضارة وشباباً وتجارب وقوة وانتصارات.
وإذا كان نادي الاتحاد يتميز بالحيوية، فإنها حيوية ورثها من طبيعة جدة، ومن أخلاقياتها وجمالها ورقيها..
حينما نشأ الاتحاد كانت جدة مخنوقة بالسور (سور جدة العظيم)، وكانت تتنفس من خلال أربعة أبواب، هي: باب مكة في الشرق، وباب شريف في الجنوب، وباب جديد في الشمال، وباب البنط في الغرب، ولكن الاتحاد كان أول ظاهرة جداوية رفضت الاحتباس داخل السور، بل كان الاتحاد رمز التمدد والنمو، ولذلك تمرد الاتحاد على السور واجتمع مؤسسوه في غرفة اللا سلكي وكانت تقع خارج السور، ثم قرروا ممارسة نشاطهم خارج السور، شمال أمنا حواء وعلى بعد (100) متر طولي من مقبرة أمنا حواء.
(النادي التاريخي)..
في المكان العبقري!!
وإذا كان نادي الاتحاد يوصف بالعبقرية فإن موقع ملعب الاتحاد كان عبقرياً أيضاً.
أولاً: لأن الموقع جاذب للشباب ويساعد على سيولة الاتصال والوصول لأنه ينفتح على بوابتين باب جديد شمالاً، وباب مكة شرقاً، وبذلك يفتح صدره للشباب من كل الحارات ومن كل الطبقات لا تمييز ولا تفريق.
ومنذ أن وطئت أقدام الاتحاد حارة العمارية بدأ الناس يتمردون على السور الذي كان يخنق طموحاتهم ويجثم على صدورهم، ويزحفون حول ملعب الاتحاد ويمتلكون الأراضي، ويبنون بيوتاً عليها ويسكنون فيها.. وهكذا كان الاتحاد وما زال قدوة لكل طوائف المجتمع الجداوى، هو الذي شجع المجتمع على الخروج من سور جدة (العظيم) قبل أن يصدر أمر هدم السور في عام 1367ه (1947م).. ومنذ أن سكن الاتحاد حي البغدادية شهد الحي حركة عمرانية واسعة.. أي أن نادي الاتحاد أوضح للناس الاتجاه الأعلى وهو الاتجاه نحو الشمال.
والاتحاد يتميز بظاهرة لا يجاريه فيها أي نادٍ آخر، فهو نادٍ ولد قوياً وظل قوياً ومستمراً في نموه منذ أكثر من ثمانين عاماً وحتى اليوم، ولا توجد بطولة إلا واسم الاتحاد أحد الحاصلين عليها.
- وحينما تأسس الأهلي بجوار الاتحاد في عام 1357ه كان يبحث عن شهادة ميلاد من نادي الاتحاد فلعب مع نمرة 2 الاتحاد (شباب الاتحاد) مباراة خسرها الأهلي، ولذلك لم يحصل من الاتحاد على شهادة ميلاد، فتغافل عنه الزمن، ونام تسعة أعوام، وبعد تسعة أعوام، قام من نومه العميق، كما أصحاب الأخدود ولعب مع الاتحاد في يوم الجمعة 9 جمادى الأولى 1370ه وتعادل معه وعندئذ منحه الاتحاد شهادة ميلاده أي شهادة اعتراف بوجود حقيقي للأهلي.
وحينما بدأت جدة النمو الأول وأسقطت السور في عام 1367ه، انعكس هذا النمو الذي شهدته جدة على الاتحاد، فنما هو الآخر بالتبعية وخرج نحو البغدادية.
وحينما نمت جدة نموها الثاني في منتصف السبعينيات الهجرية.. نما الاتحاد معها وانتقل من البغدادية إلى الشرفية وأصبح يعيش مرحلة أطلق عليها اسم العصر الذهبي للاتحاد.
وحينما بدأت جدة نموها الثالث مع بداية القرن الخامس عشر الهجري وانفجرت مخططات الأراضي واتسعت شمالاً بمحاذاة شرم أبحر وشمال شرق الخط السريع.. تربع الاتحاد في شارع الصحافة، ولكن الارتباط السحري بين عبقرية المكان والزمان ظلت هي الهوية الصامدة التي لا تتغير رغم التغير الاقتصادي الكبير الذي حوَّل المجتمع السعودي من مجتمع الفطرة إلى مجتمع الطفرة.
ولو استقرأنا الواقع اليوم نجد أن جدة تمتد إلى الشمال بوتيرة أكبر من تمددها نحو الجنوب أو الشرق، أما الغرب فإن البحر الشامخ يفتح ثغره الباسم لكل أحباب جدة ويدعوهم إلى المرح والفرح المصبوغ باللون الاتحادي الأصفر والأسود..
يتبع الأسبوع القادم


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.