يقدم البعض كتابات وجمع للكلمات، وربط ما لا يربط من القضايا، ومن ثم تقديمها في سياق «تثويري»، ضد منهج التطوير المستمر لمؤسسات الدولة، والمجتمع، منذ إعلان خطط التنمية في بداياتها. وهو منهج (تخوف) وتردد، قديم يتكرر في كل مرة يعود فيها إيقاع حركة التنمية والتحديث في البلاد إلى مستوى السرعة الذي انطلقت به، منذ البدايات الأولى. بل قد يذهب البعض من مسطري هذه الكتابات إلى وصف أنفسهم عنوة-أنهم متخصصون ، لكن دائما قضاياهم الرئيسية هي المرأة وتوسيع مجالات عملها، والاختلاط، وجدل مثير حول فضائح وفوضى الفتاوى، من قبل بعض المشايخ والمحسوبين على التيار المتشدد، والتي تنقلها مواقعهم الشخصية الرسمية على الإنترنت مرة بالنص، ومرة بالصوت والصورة، قبل أن يتلقفها الإعلام،. وهو ملخص لمقالات وشروحات، وحوارات جانبية مطولة خرجت من رحم الضيق، تحت عناوين زائفة وتصنيفات متخيلة وفضفاضة وملتبسة، يصف كل حركة تغير لا يحبذها تياره، بأنها «تغريب»، وهذا في الحقيقة منهج سهل وخطير أيضاً. - في البدء كان تعليم الفتيات، ثم عمل المرأة، ثم توسيع مجالات تعليمها وعملها، وكلها مشاريع «تغريبية» بالنسبة للخطاب الديني المتشدد، وهو على أي حال مصاب بحساسية عالية تجاه أي موضوع له علاقة بالمرأة، وهو ما يظهر «الصخب» المفتعل « لمواجهة توسيع عمل المرأة نحو الكسب «الشريف» والحر، فقضية المرأة هي المحور الجوهري لسياق هذا الخطاب الديني في تشدده المحلي. وموضوع أصيل لرادار رصده وانقضاضه، وهدفه الرئيس دائما: التضييق عليها وإبقاؤها في أقل مساحات الحركة الممكنة بغض النظر عن الظروف والحاجة. لكن أيضاً لنتذكر أن التلفزيون في بداياته والبث الفضائي في مقدماته، والإنترنت في مولدها، كانت دوما عملاً (تغريبياً) مرفوضاً من ذات الخطاب بغالبية توجهاته. إسقاط ملتبس، قد يتجاوز إلى المبادرات الرسمية ورجالها في فتح آفاق أوسع لحركة استقطاباتها الإقليمية والدولية، أو اتخاذ موقع طبيعي في مسارات الأحداث والفعاليات المختلفة، وحين تستقطب الفعاليات الثقافية المحلية قادة فكر، ورأي عرب وعالميين سياسياً واقتصادياً وثقافياً، من الشرق والغرب، وتحتضن البلاد فعاليات ثقافية راقية، مثل مهرجان الجنادرية ومعرض الكتاب، وغيرها من المؤتمرات الحضارية الأخرى، فهذه في فهم ذاك الخطاب استعانة بالحركة العلمانية العربية والدولية، في ضوء هذا النسج المتخيل وهواجسه تتحول المؤتمرات الاقتصادية إلى دعم الليبرالية! - وعندما تنشط البلاد بأمر مليكها لنشر ثقافة الحوار الوطني داخلياً، وحوار الحضارات عالمياً، لرفع الضرر الذي أصاب سمعة دينها بسبب فعل تأثير ثقافة التشدد، فإنه عندئذ يكون هذا الجهد العالمي الراقي لنشر التسامح، وهذا الفعل والنشاط أمراً (تغريبياً)، في تجديف يسعى للتشويه عن قصد وسوء نية. وعند أهل هذا المنهج، لا يهم أي نشاط أو فعالية تهدف إلى وضع البلاد في موقعها الطبيعي على الخارطة الإقليمية والعربية والدولية، حضوراً وتأثيراً، لأن هذه التعريفات والمركبات الجغرافية السياسية لا يحبذها الفكر الإسلامي المتشدد، بل هي حدود لا تحظى باعترافه في عمق أدبياته. - خيال المؤامرة.. فكرة المؤامرة والنقش والرسم لها من المتخيل، هي علة قديمة، درج استخدامها بشكل ممجوج، تجعل التفكير عالقاً في ربط ما لا يربط، أو ربط ما قد يتفق شكلياً وظاهرياً في التوجه، حتى وإن كان متنافراً على المستوى الشخصي. نسج المؤامرة التغريبية، لدى البعض، هي أشبه بنقش لخيال مريض وتأوهات، حيث تخلط الألوان وتمزج بشكل بدائي دون وعي بتحولات المراحل وتطورات المنتمين إليها بصورة طبيعية! لا يصح لمنهج أن يمارس نسفاً متعسفاً للمؤسسات والجماعات والأفراد، بل ونسف مفهوم الدولة، لهدف التشويه وزجهم لإثبات متخيل. في السياق ذاته، يتوقف-ناسجو هاجس المؤامرة، عن تسمية وتوريط مشايخ ودعاة من أهل الاعتدال في مشروعهم التغريبي المتخيل، ولم يفعلوا حمية أو حماية، رغم أن أحدهم أشار إلى انخراطهم جاهلين في أوهام التغريب المتخيل!، عبر ظهورهم المنتظم ببرامج ثابتة ومؤثرة في القنوات الفضائية، وهي قنوات سعودية بامتياز بالمناسبة-، ويعد هذا الظهور على أنه (استعمال العلماء المتصالحين مع التغريب المتخيل)، مُبعداً عنهم القدرة على الوعي والدراية، وهم حسب تعبيره غافلون، ولم يدركوا بعد ما يقومون به لكنهم (...سيتنبهون للدور الخطير الذي يضعهم فيه الإعلام الليبرالي ويدفعهم له ويطريهم ويثني عليهم). وهذا تبسيط غارق في سذاجة لا ترقى إلى الواقع، وإلى الدور الذي يقوم به مشايخ التغيير الحقيقيين والمؤثرين، والذين يحملون مشروعهم الخاص لتدعيم الاعتدال والوسطية. وتسجل برامجهم مستويات عالية من المشاهدة وحظا كبيرا من النجاح بين العرب والمسلمين في كل أنحاء المعمورة. وبالمناسبة هؤلاء الدعاة أو المشايخ كانوا يحملون نفس الاعتقاد حول التغريب المتخيل ضد البلاد والعباد، وليس يطري على بالهم إمكانية وجود مشروع تطويري وطني يسير بحكم الزمن والتنمية التي شهدتها البلاد لعقود طويلة مرت. لكنهم بعد أن أدركوا أن المتخيل، مجرد هاجس عابر وتخوف، عادوا مجددا إلى المشاركة في حركة التحديث والتغير والتنوير التي يشهدها المجتمع، بل انهم يتبنون اليوم أفكارا وأجندات، بعد أن كانوا أشد أعدائها في فترة سابقة. الإعلام المقصر.. - حتى في الشأن الإعلامي، لا شك أن الإعلام هو الحل، متى ما مارس سلطة رقابية مهمة، لكن للأسف فإن الإعلام المحلي يقوم بدور أقل من قدراته، بل يكتفي في الغالب بالتقاط المثير من النت ويعتاش عليه، باستثناء حزمة مؤثرة من المقالات. - الحقيقة أن الإعلام الجديد ووسائله هو الأكثر ضغطاً وإلحاحاً على قضايا الإصلاح ومحاربة الفساد والتشدد والتضييق على الناس والإقصاء، وهو في الحقيقة، أي الإعلام الجديد، الأكثر مطالبة لدعم حقوق المرأة من المؤسسات الرسمية والخاصة في الداخل والخارج. وكإعلامي ومتابع في الحقلين، أؤكد بثقة مطلقة أن صحفنا ووسائل إعلامنا هي من دخلت على الخط متأخرة للحديث عن قضايا المرأة السعودية وحقوقها المستحقة في العمل والحياة الكريمة والحركة، والمطالبة بمحاربة الفساد، ونقل الفتاوى الشاذة التي يتناقلها العالم العربي والإسلامي بسخرية معلنة على النت. فبعد أن وجد الإعلام المحلي نفسه متأخرا عن سخونة ما يحدث عبر الإنترنت، جاء ليلتقط ما يستطيع عرضه وتقديمه وكسب اهتمام المتصفحين السعوديين للإنترنت، والارتقاء إلى وعيهم ومباشرتهم وما يطرحوه من قضايا، وهؤلاء عامة الناس، هم الرأي العام، هم من الشعب، هم المعنيون بقضاياهم دون تغريب أو تشريق. الإعلام الجديد هو من تولى وتصدى للكثير من القضايا الراكدة، ونشر الشاذ من الرأي والفتوى. وهو ما فرض اهتمامات الناس على وسائل الإعلام وليس العكس. وما يشهده الإنترنت، عبر مدونات وفيس بوك وتويتر ومنتديات وصحف إلكترونية، هو تقنيا وفكريا أشمل وأبعد من هواجس النظرية التضليلية حول التغريب، وأبسط من تعقيداتها في الوقت ذاته، لأنها ببساطة نقل وتقديم حوارات وتعليقات مستخدمي الإنترنت في السعودية والمتفاعلين مع هذه الخدمات. (الغرب هنا) ثم لنعود إلى مصطلحي «التغريب» أو «التغريبي»، واللذان يستخدمان لتضليل الوعي العام وتحمل ملامح جهلاً ظاهراً. فالكلمة في أصلها «غرب»، والأصل له حضور حقيقي ونافذ في واقعنا اليومي، إنها في الوسائل، «فالغرب» هو في سيارتك، في حاسبك الآلي، في برنامج السوفت وير الذي تكتب فيه، في هاتفك الجوال، والكهرباء، والتكييف، وخدمات الإنترنت، مثل غوغل، ومجموعاته البريدية... إلخ. لكن مفردة «التغريب» قاصرة في الفكر والمحتوى. وقضايا عمل المرأة-مثلا- التي يقيم عليها الفكر المتشدد حاشيته التغريبية، هي في الشرق أكثر تقدماً من الغرب بشهادة الأممالمتحدة ومنظمات نسائية غربية. وبالمناسبة فالشرق الأدنى أقل تديناً بكثير من الغرب على أي حال، والعقيدة الدينية بشكلها التقليدي غير متوفرة أو مؤثرة. التنوير.. الصحوة الحقيقية وإن كان هناك إصرار على البحث عن قولبة أو توصيف لما يحدث، من حراك سعودي خلال المرحلة الراهنة، فإن الأكثر دقة هو «التنوير» أو هي «الصحوة الحقيقية»، وهو ما تتفق القوى الإنسانية الواعية على فضائله وتعمل له، دون الحاجة إلى مؤامرة أو تنسيق، كما حال التنظيمات الإسلامية السياسية مثلاً، وهاجس المتعاطفين معها. هي مرحلة التنوير والتغيير في البلاد بامتياز، يقوم بها تلقائياً معلم في مدرسته ضد غالبية تقليدية، ويشارك فيها خطيب متخلص من سياق الكلاسيكية، وواعظ ومحدث وداعية يقرأ اتجاهات المستقبل واحتياجات أمته، وشيخ يدرك مسارات العالم ويستوعب حركته وتحولات الزمن، ويحمل رسالة لتأكيد قدرة الإسلام على التعايش مع كل عصر وزمن، ومثقف وكاتب وطني مخلص، وإعلامي مهني راقٍ وشجاع، وموظف حكومي نزيه، وقاضٍ حريص على الناس وقضاء حاجاتهم، ومعلمة تقطع عشرات الكيلو مترات لتلقي التحية على طالباتها، وطبيبة تمثل بلدها، وسيدة أعمال تحرص على توفير فرص عمل لبنات جنسها. كل هؤلاء وغيرهم هم من يرسمون اليوم عصر التغيير والتنوير والصحوة الحقيقية في بلادنا، سيراً نحو المستقبل والتطور والنمو. التنوير حديث ويحدث فردياً، ثم تشكل قوة طبيعية دافعة بتأثيرها على حركة التطور والتغير لتسريع خطواته. في ظل رعاية الدولة ومؤسساتها،وتوجيهات القيادة، وقبل كل ذلك وبعده، إنها روح الملك الملهم عبدالله بن عبدالعزيز، الذي يقود مرحلة التطوير والتنمية السعودية المستمرة منذ التأسيس، لكل مواطن على هذه الأرض بلا تميز، ويفتح لهم الآن أبواب عقد جديد، في قرن جديد.