تكاد تتوه بوصلتك وأنت تقلب مئات المحطات التلفزيونية التي يزدحم بها الفضاء وكأنها أقمار تائهة، منها ما يضيء ومنها ما يتوه في ظلمات حائرة بما يقدم من غث وسمين يسور هذا الفضاء ويخنقه. عمليات التجميل صرعة العصر فقد تدهشك الوجوه المتشابهة للممثلات ومقدمات البرامج ليس بسبب قرابة بينهن جميعاً أو توأمة إنما هذه العمليات التي تجعل منهن نسخة واحدة ذات ملامح مشتركة. تكاد تجزم أنك أمام عمليات تشويه وليس عمليات تجميلية وأمام دمى (أو فزاعات) متشابهة لها الأفواه المتضخمة ذاتها والتي لا يمكن إطباقها وطبقات من مساحيق التجميل المناسب وغير المناسب للوقت أو المناسبة. بين هذا وذاك تستوقفك ذاكرتك وتثور خواطرك وأنت تتابع خواطر أحمد الشقيري في الجزء السادس المتجدد والغني بما يقدم هذا الشاب السعودي من أفكار عظيمة سرعان ما تدخل القلب وتقنع بها وتجذبك بكل حواسك لمتابعة دقائق قليلة لكنها غنية بما تحتوي. إنه اعتزاز بداعية عربي سعودي استطاع استقطاب شريحة كبيرة من الناس في كل مكان في العالم أجمع ليحرك ما سكن داخلنا منذ فترة وينير دروباً كنا ضللنا عن السير فيها وذائقة أضرتها أعمال هابطة. أحمد الشقيري كجراح ماهر يعرف جيداً أدواته وكيف يخرج اللآلئ من محارات مجروحة.. يخاطب شباباً ألهتهم التقنية وسحرتهم وسائلها فابتعدوا عن تاريخهم .. وعن إبداع خلاق يمكنهم أن يكونوا سباقين فيه. لم أملك إلا أن أبكي ملكاً أضعناه والشقيري يعرض له بطريقة جميلة تثير المشاعر.. وهو يقف في أندلسنا الضائعة يعرض لمنجزات العرب فيها.. ولكل الذي ترك العرب شاهداً أنهم مروا من هناك.. من عمارة غاية في الإبداع وزخرفات خطية بديعة وجنات تجري من تحتها الأنهار فقد كانوا بفطرتهم وإحساسهم يصنعون هذا الجمال الذي بقي وما بقوا فيه. كان برنامجاً مماثلاً للدكتور عبدالله السالم في برنامجه «رؤى» مع سعادة السفير د. محمد البشر على القناة الثقافية استشهد بإبداع العرب الأدبي في ذلك العصر مما جعلني أفتش بين مئات الكتب في مكتبتي الخاصة عن كتاب أجلس برفقته أقرأ ماضياً مجيداً وأستحضر شعراء ومبدعين خلدهم التاريخ. لن نبكي اليوم على ملك ضاع ولكن لنأمل أن نبني ما يبقى.. ونشاهد ما يرقى بذائقتنا ونقدم كل ما يعبر عنا ولا نكن إمعة لغيرنا ونحاكي ما لا يمت لنا بصلة فيمتلئ فضاءنا بالزعيق والنعيق. للقصيبي: نهاية التاريخ.. يوم تكفين عن حبي.. [email protected]