تمضي بنا الحياة في رحلة تلازمها العديد من المواقف والمشاهد والمحطات، والحياة على مباهجها تزدحم منغصاتها، ومع أنسامها تجتاحنا الرياح الهوجاء، وبرغم هدوء بحرها تعكره الأمواج المتلاطمة، ومن تلك الأمواج التي عصفت بي الأسبوع الماضي وبالتحديد يوم الثلاثاء 15-8-1431ه وقع الخبر الأليم كما الصاعقة على قلبي حينما ترامى إلى سمعي رحيل أخ عزيز وصديق صدوق وزميل دراسة الأخ الكريم العقيد محمد جعفر اليامي مدير إدارة الحقوق المدنية في شرطة محافظة خميس مشيط، حينما باغتته المنية التي لا مهرب منها مستهدفة قلبه النقي، قلبه الكبير الذي احتوى حب الخير للناس وإسعادهم، أبى الموت المتربص بنا جميعاً إلا أن يُسكت صوت الحياة ويغتال النبض الذي لطالما تسارع إيقاعه لسعادة شخص استطاع المرحوم أن يتولى أمراً فأنجزه له، أو لألم شخص باغته موقف ما، لقد كان الفقيد كبيراً بمواقفه وأخلاقه ومساعي الخير التي يبذلها، عرفته زمناً طويلاً صادقته فكان خير الأصدقاء الأوفياء المخلصين تجده متصديًّا لعقبات الحياة التي تلازمنا، مخففاً من الآلام التي تصادفنا، وثّاباً لفعل الطيبات، مؤازراً لنجاحاتنا، ومهوّناً لإخفاقاتنا، كثير السؤال عنا وعن أسرنا وأحوالنا، بل كنا نحن المقصرون في ذلك، وقد حدد هدفه المستقبلي مبكراً حينما وقع اختياره على كلية الملك فهد الأمنية، لقد بحث عليه رحمة الله عن الموقع الذي يمكّنه من خدمة وطنه وإيفاء التزاماته العديدة نحوه وخدمة مواطنيه وتقديم ما يوازي محبته وعرفانه لهم. لقد ألجم سكوت القلب الطيب ألسنة الجميع، لقد باغتهم هول الخبر وفداحة الفقد، لذا كان خبر رحيله عن دنيانا مفاجأة تفاقمت معها آلامهم، وتعاظمت بها أحزانهم، لأن من عرف العقيد محمد بن جعفر اليامي لا يمكن إلا أن يقف مثل هذا الموقف العصيب، ويحس هذا الإحساس الأليم، وهاتفني كثير من الأصدقاء والزملاء عن حقيقة الخبر وكأنهم لم يصدقوا الناعي حين نعاه. هذا الحب والتقدير الذي كان يكنه جميع من عرف الفقيد العزيز تجلى بقوة يوم رحيله، حيث تدافع الناس للصلاة عليه، وازدحم المشيعون من كل حدب وصوب، وامتلأ منزله العامر بالمعزين الذين توافدوا من كل ركن قصي وكان في مقدمتهم سعادة مدير شرطة منطقة نجران ممثلاً لمعالي مدير الأمن العام، وكذلك زملاؤه منسوبو شرطة منطقة عسير وأيضاً أصدقاؤه ومحبوه تواجدوا هناك للتعبير عن ألمهم وفجيعتهم الكبيرة برحيل الفقيد الذي جسّد في رحلته الحياتية كل ذكر طيب وكل شمائل خالصة وكل معنى جميل في سؤاله عن الناس ومواصلته للأرحام، وعيادته للمريض، وتفقده لكبار السن، وإقامته لحدود الله في حياته العامرة بالخيرات. لقد كان رحيلك أيها الأخ العزيز إحساساً فادحاً بالخسارة الشخصية والفقد المرير، لأنك كنت فينا قمراً منيراً، كنت فينا واحة خضراء في صحراء حياتنا بحبك للخير وتفانيك في بذل المعروف لمن عرفت ولمن لم تعرف، كنت لنا الأمل وأنت تتدرج في وظيفتك التي أحببتها باجتهادك ومثابرتك لتخدم وطنك وولاة أمرك.. فإن رحلت عنا يا أخا الصدق والأيام الطيبات فإنك خلّفت وراءك رجالاً من أبنائك الكرام سيحملون اسمك ويحافظون على سمعتك الطيبة ومآثرك الحميدة التي زرعتها فيهم وحرصت على أن يثابروا على كل مسعى يؤدي إلى الخير وخدمة الآخرين دائماً.. تعازيّ الحارة لأسرتك الكريمة.. لزوجتك.. لأبنائك وبناتك ولإخوتك الكرام.. ولجميع من عرفك أخاً وصديقاً وزميلاً.. سائلاً للجميع الصبر والسلوان.. {إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}. العقيد مهدي بن سالم بن صومان اليامي