المرابحة والإجارة المنتهية بالتمليك للمنازل مثلها مثل الصكوك ما هي في حقيقتها إلا تمويلات تقليدية مع تمويهها بألفاظ تجعلها غامضة عما لا يفهم لغتها لكي تغطي خلطها ولبسها وما هي إلا تغيير مسميات، لكنها تعطي البنوك أو المؤسسات المالية المصدرة لها فسحة للمناورة من أجل التلاعب والتدليس في سعر الفائدة، والأهم من ذلك إعطاء تصديق شرعي للبنوك لمنع الزكاة. وقد بينت في جريدة الاقتصادية قديما عن غبن المستثمرين في الصكوك من حيث تقديم فائدة أقل من مستوى المخاطرة، كما بينت كيف أن الصكوك هي مجرد سندات لا تدفع الزكاة. وأما عن التدليس في مقدار الفائدة في تمليك المنازل عن طريق الإجارة فقد بينتها في المقال الأول من هذه السلسلة، وأما الزكاة فالتهرب منها واضح فلا زكاة على عين مؤجرة - صوريا- كما زعموا. وكان من المفترض أن تكون المرابحة أقل الحيل تدليسا في الفائدة لولا الفائدة المضللة التي تمارسها بنوكنا والبنوك الإسلامية عامة، ولا أعرف لهذه الفائدة مسمى في عالم التمويل إلا أن الغرب الجشع المهتم بالصيرفة الإسلامية أطلق عليها مصطلحFlat Rate أي المعدل الموحد، قياسا بالأجرة الموحدة التي لا علاقة لها بالاستخدام - كرسوم الاشتراك الشهري بالانترنت مثلا بغض النظر عن الاستخدام - وكذلك id هذه الفائدة المضللة تظل تحتسب من أصل التمويل بغض النظر عن تسديد أجزاء منه خلال الدفعات الشهرية. وأصل هذه الفائدة المضللة السعودية هو متطلب الصيرفة الإسلامية، حيث بدأت هذه الصيرفة بممارسة حيلها بفتوى جواز التورق التي أطلقها الشيخ بن باز بعد أن رأى- رحمه الله- الضرر الذي أحدثته الفتوى -الشاذة عن أصول السلف- التي تبناها بالقول في ربوية الفلوس المعاصرة. فكانت عمليات التمويل في البداية تتم عن طريق تورق صحيح -ولكنه مكلف جدا على المقترض- وهو صورة من بيع المرابحة فيبيع المقرض ما قيمته 100 ألف مثلا ب 150 ألف يسددها المقترض على عامين يدفع كل شهر 6250، ففرق السعر هو مقدار «الربح الشرعي» أو الفائدة أي 25% سنويا. ولكن هذه فائدة مضللة لأن الفائدة تُحسب على ما تبقى من رأس المال وهي هنا حقيقة 42.41%. هذه الفائدة الحقيقية لا تقبل الهيئات بها لأنها تفضح صورية معاملاتهم. فهم يدعون أن هذا بيع وشراء بالأجل لسلعة وسيطة وليس للفلوس نفسها، ولكي يصدقوا أنفسهم فهم يطالبون بالفائدة المضللة ويرفضون الفائدة الحقيقية. وأما الزكاة فلا بد للهيئات من الاعتراف بصورية المعاملة وأن الأرباح لم تُستحق بعد فلا زكاة فيها، وإلا لرفضتهم البنوك. ولو جاءهم مستفت ضعيف باع جملا قيمته 100 ألف ريال على رجل مليء بالأجل بمئة وخمسين يسددها بعد عامين لألزموه بزكاة ال 150 ألف كاملة بعد حلول الحول! فالبنوك كثيرٌ بواكيها، وأما المواطن فلا بواكي له. والبنوك تُحيي في الهيئات الشرعية هذا الفهم العجيب وتصفق له، فبهذه الطريقة تستطيع البنوك التدليس على الناس في الفوائد ولا تدفع الزكاة. وأقرب مثال على تدليس البنوك باستخدام هذه الطريقة ما غبنت البنوك فيه الناس منذ ثلاثة أعوام تقريبا عندما مُنع أن يتجاوز مدة سداد القرض الاستهلاكي لأكثر من خمس سنوات. فكانت البنوك تتصل على الذين اقترضوا قروضا سداده عشر سنوات ويعرضون عليهم تسديد قروضهم بقروض جديدة مدة سدادها خمس سنوات ويغرونهم بسعر فائدة «سعودية» أقل، وهي في حقيقتها أعلى وأكثر كلفة. مثال ذلك رجل عليه قرض قيمته 100.000 ريال يسدده على عشر سنوات بفائدة «سعودية» 5.527% وما هي إلا فائدة مقدارها حقيقية 9.5% .فيتصل مندوب البنك بالمقترض ويعرض عليه إعادة تمويل القرض على أن يكون سداده على خمس سنوات ولكن بفائدة أقل وهي 5.43% ولكن حقيقة هذه الفائدة هي 9.9%. أي أن البنك قد غش وغبن المواطن بزيادة الفائدة بمقدار 40 نقطة أساس وهو يوهمه ويخبره بأنه قد خفضها له! إن مما سكت عنه جهلا أو تجاهلا أن ما تقوم به الصيرفة الإسلامية في المعاملات المالية لهو بحق أكبر فوضى تشهدها السوق المالية في العصر الحديث.