من أساسيات الأعمال الإخلاص في العمل والنيَّة، مثلها مثل العبادات، فمع النيَّة الصادقة العمل يكون بحد ذاته نوعاً من العبادة، وهذا ما يحثنا عليه ديننا الحنيف. ولكن ما لدينا من موروث ديني وثقافي وأخلاقي شيء وما نمارسه بمجموعنا شيء آخر. الواقع أن العلم والثقافة كما هو معلوم مختلفان تماماً، فتصرفات الأشخاص تعود إلى تكوينهم أكثر مما اكتسبوه من معرفة، وهذا واضح وجلي خاصة في مجالنا الطبي، فمثلاً في المؤتمرات الطبية العلمية تجد من ضمن المحاضرين أطباء محسوبون على شركات معينة، ويتكلمون بكل تحيز لهذا الجهاز أو ذاك، ولا يتدخل منظمو مثل هذه المؤتمرات مادام هناك دعم مادي من هذه الشركة أو تلك، كرعاية المؤتمر أو غير ذلك. الأَمَرُّ من ذلك أن تفرض بعض الشركات على المستشفيات الحكومية، لأن بعض الشركات لديها من يدعمها من الداخل على أي مستوى له تأثير في النهاية على حصولها على التعميد. ناهيك عن الحرب غير المعلنة بين الشركات في تشويه سمعة منتجات (وكالات) بعضها البعض لأهداف تسويقية بحتة. ولكن ما دخل تضارب المصالح في هذه المنافسة؟ إن عدم إعطاء المشورة العلمية والفنية المستقلة عند تقديم العطاءات والمناقصات الفنية ربما لوجود تضارب مصالح لدى البعض، أو ببساطة عدم الرغبة في التغيير عن ما اعتادوا عليه سواء من منتجات أو علاقات شخصية، كل هذا ربما داخل في هذا التعريف. ففي التعلم وهو اللبنة الرئيسة (بعد المنزل) والتي لها تأثير كبير على السلوك وتوجيهه يتكون الفرد إذا كان هناك تعليم موجه لذلك، وليس مقتصراً على مقررات جافة ومحفوظات تدخل من اليمنى وتخرج من اليسرى. وللأسف حتى في التعليم العالي لدينا لا يوجد أي فرق، ولذا نجد من يتعلم في الدول المتقدمة وخاصة في المراحل الأولى يتصرف بشكل مغاير ومختلف عن زملائه ممن تعلموا في الداخل، وهذا طبعاً بشكل عام. وأذكر أن أحد الأطباء الذين تدربوا في أحد الدول الغربية اعترض على أحد المتحدثين في أحد المؤتمرات الطبية، كونه يخلط بين العلم والمصلحة الشخصية في محاضرته، نظر إليه معظم الحاضرين بكونه نشازاً بل لقي الملامة على تدخله. وهذا يدل على غياب هذه الثقافة وإن كان هناك تغير للأفضل لكنه ما زال كالطفل الذي يخشى أن لا يكبر. [email protected]