الحقيقة أن المؤسسات الصحفية السعودية أكثر تقدمية ونجاح بين كل المؤسسات العربية، إلا أن ذلك لا يعني عدم وجود إخفاقات أو ضعف وتباين في الأداء والعوائد والحضور. وبالرغم من الاهتمام الظاهر الذي تقدمه المؤسسات الصحفية لمواقعها الإلكترونية، إلا أنها لم تفكر جديا في سد فراغ الصحافة الإلكترونية، والاستفادة من الفرصة، حيث لا تزال تعيش حالة مقاومة للاعتراف بتراجع أرقام توزيعها أو تأثيرها، أو تطور مستوى وصولها للقراء الجدد على شبكة الإنترنت والخدمات التفاعلية، والتصاقهم بخدمات هواتفهم المتحركة. تتخوف الصحف عند الحديث عن واقع جديد يتعلق بثورة الصحافة الإلكترونية وانتشارها، وإن كان هذا الانتشار تغلب عليه الفوضى، إلا أن الفوضى في مثل هذه الحالة أمر طبيعي لمرحلة النشأة والتطور التي تمر بها. وهو تخوف أو مقاومة مرتبطة بمداخيل الإعلان الكبيرة للصحف -(الجزيرة، الرياض، عكاظ...)، فيما الصحف الأقل حضورا- (المدينة، شمس..)، أو جديدة الإصدار (الوطن)-، تعاني من شح متفاوت في الإعلان رغم حجم الصخب والحراك الذي تركز على أحداثه دون تسجيل عائدات إعلانية ملموسة، وهو ما يقلق الملاك والمساهمين. في حين تستعد جريدة (اليوم) المتفردة بغناء منطقة-، لمنافسة إصدار جديد (الشرق). فيما الصحف المحلية الغائبة تحاول العودة للحياة، «البلاد» لديها مشروع تطوير، و»الندوة» تسعى لتكون «صحيفة العاصمة المقدسة»، إلا أن النتائج لن تكون مضمونة دون التركيز المبكر على الحصول على حصة إعلانية أكبر من سوق الإعلانات المطبوعة والإعلام الجديد، والخدمات التفاعلية الأخرى، والإعلان المباشر إلكترونيا وعبر الجوال. فيما الصحف السعودية ذات الطابع العربي- (الحياة، الشرق الأوسط)، هي الأكثر خسارة في مواجهة الصحافة الإلكترونية، حيث موقع مثل (العربية.نت) يتفوق في تأثيره على هذه الصحف المكلفة، والخاسرة تجاريا، وبأرقام توزيع تتواضع بشكل مقلق. تليها لناحية التأثير والجذب من قبل الإعلام الجديد وإمكانيات عرضه وتواصله الصحف المتخصصة (الاقتصادية، الرياضية...). على الجانب المقابل تقول وزارة الإعلام إنها بصدد إصدار تنظيم خاص بالصحف الإلكترونية وكيفية التعامل معها إدارياً وقانونياً، وبالفعل تم تشكيل لجنة لوضع آليات الترخيص للصحف الإلكترونية, مشروع الهدف منه «تنظيمي»، إلا أن ذلك يتطلب أولا، تعريف ل»الصحافة الإلكترونية». صحيح أن ما يحدث في الصحافة الإلكترونية اجتهادات شخصية، لكن هذه طبيعة المشاريع الكبيرة، ولنتذكر أن المؤسسات الصحفية عينها جاءت من اجتهادات أفراد ليس إلا، « صحافة الأفراد»، قبل صدور تنظيم المؤسسات الصحفية، لتصبح الأنجح لناحية التنظيم والمسؤولية، وتحقيق العائد. لذا قد يكون جديرا بالاهتمام إعادة النظر إلى الصحف الإلكترونية، بنفس طريقة التعامل مع الصحافة الورقية إبان مرحلة صحافة الأفراد، خصوصا لتلك المواقع التي يتوفر فيها أداء مهني، وخلفها شخصية اعتبارية معروفة، طالما أن غالبية المؤسسات الصحفية التقليدية بعيدة عن هذا الميدان.. إلى لقاء.