أعود قارئي الكريم لألتقي بك على صفحات الجزيرة الغراء بعد غياب طال وامتد قرابة شهرين قضيتهما خلال اجازاتي الجامعية، أعود لنحاول معا استئناف الحديث حول رباعيات الخيام التي اثارت ولا تزال تثير جدلاً واسعاً في الاوساط النقدية الشرقية والغربية. ولقد كنت وعدت قرائي الكرام بتناول بعض الترجمات العربية لرباعيات الخيام بدراسة في الورقات القادمة ان شاء الله. وهأنا استأنف هذا البوح العلمي العزيز على نفسي معكم فأقول: أكان الشاعر عمر الخيام مؤمنا صادق الايمان؟ يتقي الله ما استطاع؟ أهو دهري ام صوفي؟ أهو متفائل باسم يستقبل الحياة كما يستقبلها الناس راضياً حيناً وساخطاً حيناً آخر، حسب دواعي الرضى والسخط،؟ أم كان متشائماً عابساً شكاء بكاء؟ هل كان خيال الخيام من الأخيلة المريضة التي تحركها أبخرة المخدرات وانواع الخمور الكثيرة التي تحفل بها الرباعيات المنسوبة اليه؟ أم كان خصب الذهن عبقري الخيال؟ واذا كانت عقول الناس مخبأة تحت ألسنتهم فمن أي نوع كان عقل الخيام؟ يهمني في هذه الورقات التي كتبتها لدراسة بعض الترجمات العربية لرباعيات الخيام من ناحية، الحصول على إجابات مقنعة على تلك الأسئلة المطروحة أعلاه. ان كثيرا من الترجمات العربية لرباعيات الخيام قد تأثرت وانساقت خلف الترجمات الاجنبية للرباعيات وخاصة الترجمة الانجليزية لفيتز جرالد. لقد صحبت الخيام طويلاً خلال سني دراستي في ايران، فقد كانت رباعياته ضمن البرامج الصيفية الحرة التي كانت كلية الآداب في جامعة طهران تقررها على الطلبة الأجانب الذين يدرسون بها. ويهمني هنا أن ابدي الرأي الذي استخلصته لنفسي وحسب اجتهادي من خلال هذا الركام الهائل من الآراء المتشعبة المتنافرة بل المتناقضة. ولا ادعي انه الرأي الأخير فالدراسات النقدية، وقضايا الفكر الانساني لا تعرف الكلمة الأخيرة، لذلك لم يستطع النقاد والباحثون قديماً وحديثاً ولا أظنهم يستطيعون في قابل الايام ان يزعموا أن رأياً رأوه او عقيدة اعتقدوها هي رأي او عقيدة لا احد وراءهما, فباب الاجتهاد في عالم الفكر مازال وسيظل مفتوحاً مادام للناس عقول تفكر واذواق تتفاوت، وتلقيات تتباين تجاه الآثار الفنية ولا قيمة لقول حذام في دنيا النقد. عندما يذكر الأدب الفارسي في اي لقاء علمي ان في الشرق وان في الغرب فان الناس لا تذكر ابا القاسم الفردوسي وشاهنامته الشهيرة، كما لا يتبادر الى ذهنهم شعر ابي عبدالله الرودكي الملقب بأبي الشعر الفارسي، ولا يلتفتون الى مثنويات جلال الدين الرومي، ولا الى الشعر الاخلاقي الذي نظمه شاعر الفرس الكبير سعدي الشيرازي ولا تستوقفهم عذوبة وسلاسة شعر حافظ الشيرازي، ولكن سرعان ما يقفز الخيام ورباعياته الى ذهن المؤتمرين فما السر في ذلك؟ أيكمن السر في الاهتمام بالخيام في تلك الشهرة الواسعة التي لاقتها الرباعيات في الشرق والغرب إن صدقاً وان كذباً؟ ام هو فيما اشتملت عليه تلك الرباعيات من خير كبير في نظر محبي الخيام ومريديه، ونكر كثير ايضاً في اعين مبغضي الخيام,؟ أكانت الرباعيات جديرة حقاً بهذا الالتفات العجيب حتى لا نكاد نجد لغة حية لم تترجم اليها رباعيات الخيام؟ لقد اصبحت الرباعيات في ايران سلعة تجارية وسياسية رائجة الى جانب وظيفتها الاساسية وهي الامتاع الأدبي، فقد صارت الرباعيات تطبع في ايران طبعات انيقة مزخرفة بكثير من التهاويل التي يحسنها مروجو السلع الباهته. ورغم ان اللغة الفارسية كانت من اهم اللغات الشرقية التي كنا ندرسها بقسم اللغة العربية بكلية آداب القاهرة فقليلاً ما كان مدرسو اللغة الفارسية يشيرون الى الخيام ورباعياته من قريب او بعيد. وأراني اليوم اشارك أساتذتي المصريين عدم اشارتهم الى الرباعيات وصاحبها. فلو قدّر لنا في تلك السن المبكرة من شبابنا ان ندرس الخيام، ولم تكن لدينا القدرة اللازمة لتمييز ما قاله حقا مما نسب اليه زورا لأصابنا بعض السوء في نظرتنا للحياة, فقد نظر الخيام الى الحياة من خلال بعض الرباعيات نظرات يغلب عليها التشاؤم كسلفه العربي ابي العلاء المعري.