رغم الاختلاف اللغوي والمذهبي الذي يبدو هذه الأيام، يظل التأثير المتبادل بين الشعوب العربية والفارسية واضحاً خلال التاريخ.. فالتقارب الجغرافي، والتزاوج البشري، والتقاطع الديني، يجعل التقارب حتمياً (وإجبارياً) بين الثقافتين.. قبل فترة بسيطة قرأت تقريراً عن الخارطة الوراثية لدول العالم اتضح من خلالها أن 44 % من سكان إيران الحالية يملكون أصولاً عربية.. وفي المقابل؛ لا تقل هذه النسبة بين من يملكون أصولاً فارسية في بلدان خليجية مجاورة مثل العراق والكويت والبحرين والإمارات.. سبق وحاولت البحث عن أقرب لغة أجنبية إلى لغتنا العربية فكدت أن أرجح اللغة العبرية (بسبب أصلها السامي المشترك مع العربية) ولكنني تراجعت في النهاية واخترت اللغة الفارسية بسبب كثرة المفردات المشتركة بين اللغتين.. وفي حال تجاوزنا أصول البشر إلى أجناس الأدب؛ نكتشف أن الأدب الفارسي يكاد يتماثل مع الأدب العربي في الأجناس، والأنواع ولا يقل عنه روعة وجمالاً (بدليل رباعيات الخيام).. بل نلاحظ أن الأدب الفارسي أعظم تأثيراً وأكثر انتشاراً في دول الشرق الإسلامي وتحديداً في أفغانستان والباكستان والهند وأذربيجانوتركمانستان... حتى حين تتأمل قائمة العظماء تجد تشاركاً واضحاً بين الشخصيات المعروفة في كلا الأمتين؛ خذ على سبيل المثال الشاعر العملاق عمر الخيام صاحب الأصل العربي واللسان الفارسي.. فاسمه العربي كاملاً هو غياث أبو الفتوح بن عمر الخيام. ولد عام 1048م في نيسابور (في إيران) لأب عربي اشتهر بصنع الخيام فلقب بالخيام.. ورغم أنه كان نابغة زمانه في الرياضيات، والفلك، والفقه، والفلسفة اشتهر بقصائده الرباعية التي ترجمت إلى معظم لغات العالم (واشتهرت في عالمنا العربي من خلال أغنية رباعيات الخيام).. ... أيضاً؛ لا يعرف معظمنا أن أغلب المؤسسين لعلم النحو العربي هم من أصول فارسية.. خذ على سبيل المثال سيبويه (الذي يعني اسمه بالفارسية رائحة التفاح) والسجستاني (أول من أعرب القرآن) والكسائي (مؤسس المدرسة الكوفية في اللغة والنحو)... وحين تتجاوز قائمة الأدباء والشعراء، تكتشف نفس الظاهرة في قوائم الفلاسفة والعلماء وفقهاء المذهب السني تحديداً.. فالأكثر غرابة من نحو سيبويه والسجستاني؛ أن أغلب فقهاء المذهب السني هم من بلاد فارس وخرسان (التي تشمل محافظة خرسان في إيران وغرب أفغانستان وجنوب تركمانستان).. حتى من يتبقى منهم مثل البخاري والترمذي والجصاص إما ولدوا في أوزباكستان أو تركمانستان أو أذربيجان.. ومن علماء السنة ذوي الأصول الفارسية نجد: الإمام مسلم (النيسابوري)، وابن ماجة، والزمخشري، والرازي (صاحب مختار الصحاح)، وابو حنيفة النعمان (على بعض الروايات) والإمام الغزالي والأصفهاني والثعلبي والفيروز آبادي وأبو إسحاق الشيرازي والبيهقي (صاحب السنن) والحافظ البغوي (الملقب بمحيي السنة)... وغيرهم من أصحاب الأصول الفارسية رغم تأليفهم باللغة العربية... وللحديث بقية نستكمل فيه ماحدث بعد غياب هذه الكوكبة من الفقهاء.. Your browser does not support the video tag.