سألني أحد الأصدقاء، ونحن في غمرة العمل على متابعة شؤون مؤتمر «شهداء الواجب وواجب المجتمع» الذي نظمته جامعة الإمام خلال الأيام الماضية برعاية كريمة من مقام خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز حفظه الله، ما جدوى المؤتمرات في عالمنا العربي؟ وهل تُحقق مؤتمراتنا أهدافها؟ فنظرت إليه، بشيء من الحنق، مستنكرا توقيت سؤاليه المتزامنين مع قمة هرم الترتيب للمؤتمر، ولم أجبه. ويبدو أن صاحبي قد فهم الدرس، فقفل راجعا من حيث أتى. واليوم، بعد أن وضع المؤتمر أوزاره، ومضى كل إلى غايته، عادت بي الذاكرة لأتأمل هذين السؤالين. ووجدت نفسي أعيد طرحهما من جديد. فقد كان الرجل محقا في المنظور العام، ففي الدول النامية، يعتقد معظم المتابعين لشؤون المؤتمرات العلمية، ألا جدوى عملية مشهودة من عقد المؤتمرات، اللهم إلا مزيدا من المعرفة المتخصصة لأهل التخصص العلمي، موضوع المؤتمر، الذين يمكنهم دائما الحصول على أضعاف تلك المصلحة العلمية دون أعباء تنظيم المؤتمرات. فلماذا يعقد الناس المؤتمرات في مجتمعاتنا؟ قد تكون الإجابة ذات شؤون وشجون عديدة، وقد تتشعب بالقدر الذي لا تفيه مساحة هذا المقال، ولذلك سأقصر مداخلتي اليوم على ملامسة جدوى تنظيم مؤتمر «شهداء الواجب وواجب المجتمع» والعوائد المأمولة منه، فقط، ليسعد صاحبي أنني، قد أجبته، على رؤوس الأشهاد. ففي واقع الأمر، تميز مؤتمر شهداء الواجب وواجب المجتمع بمناقشته موضوعا وطنيا مهما من الدرجة الأولى، ذا أبعاد شرعية واجتماعية وإنسانية وثقافية واقتصادية لا تزال بحاجة للدرس والتأمل، وهو ما تصدى له المؤتمر بتخصصية متقدمة. ثم، وهو الأهم، في جدوى هذا المؤتمر، ليس له من نمطية مؤتمراتنا النامية، إلا نصفه الأول، وهو النصف المعرفي، أما نصفه الثاني المتعلق ب»واجب المجتمع» فهو، في واقع الأمر، تفرّد لهذا المؤتمر، وميثاق شرف وطني أرادت الجامعة، كما يبدو، أن تطرح مسودته أمام الملأ، في نموذج من إتاحة البيئة العلمية والفكرية والعملية لتقديم المبادرات المجتمعية لصالح أسر الشهداء. ومن هنا، أعتقد أن هذا المؤتمر، قد امتلك من الأهمية الشيء الكثير، ذلك أن رسالة المؤتمر ممتدة مستمرة، بل ومتنامية كلما التحق فرد أو مؤسسة بميثاق الشرف الوطني هذا بتقديم المبادرات المتقدمة لخدمة أسر الشهداء، بطموح وتطلّع، يتخذ من سبق القيادة الحكيمة دافعا، ومن سلوكها منهجا في مد يد العون المادي والمعنوي للشهداء وأسرهم، ليس منّة من أحد على أحد، ولكن لقاء ما قامت به هذه الفئة المجتمعية النبيلة من تضحيات وفداء للدفاع عن العقيدة وللذود عن حياض الوطن ومكتسباته. مؤتمر «شهداء الواجب وواجب المجتمع» ليس إذا، مجرد مؤتمر تقليدي، ولكنه حدث علمي مهم، ووفاء مجتمعي .. لمن سبقوا بالوفاء والتضحية. فماذا عسى مؤسساتنا المجتمعية أن تقدم مزيدا من الدعم والمساندة لهؤلاء؟.. أقول لصاحبي: تلك هي الرسالة الممتدة للمؤتمر، وتلك هي خلاصة أهميته وجدوى تنظيمه، والمنظمون واثقون من أن دعوة الجامعة لتقديم المبادرات ستجد صدى طيبا لأن الغاية واحدة.. والأهداف مشتركة.. والوطن وطن الجميع.. تحية لكل المبادرين الذين سبقوا.. وتحية لكل من يتأمل اليوم كيف تكون مبادرته؟.. فيتوكل على الله.. بعد أن يعقد العزم. [email protected]