قضيتنا مع العقار.. تتفاقم يوماً بعد آخر.. وتزداد تعقيداً.. وهي مشكلة العالم كله. الإسكان والسكن والحصول على مسكن هي مشكلة كل بلد في العالم.. ولا يوجد بلد في العالم لا يعاني من مشاكل السكن والإسكان.. ولكنها تختلف -حدة- من بلد لآخر. السكن.. هو أحد الهموم الاجتماعية الكبرى.. وهي أول قضية تواجه كل شاب وشابة. مشكلة التعليم.. تُحل بسهولة.. ومشكلة الوظيفة.. تُحل بسهولة.. ومشكلة الزوجة والزواج سهلة هينة.. ولكن عندما تأتي مشكلة السكن.. يتعذر الحل.. إلا لمن أراد أن يتنازل ويسكن بالإيجار إلى أن يموت. وصندوق التنمية العقاري.. حلَّ جزءا كبيراً من المشكلة ومكَّن الكثير من الناس من امتلاك مساكن.. وأظنه لا يوجد بلد في العالم يُعطي مواطنيه ويمنحهم مثل هذه التسهيلات.. مثل المملكة.. قروض مجانية.. بل ويُحسم 20% من القرض متى التزمت بالسداد في الموعد المحدد.. وميزات للمقترضين وتسهيلات في الدفع.. وجدولة للديون وتبسيط للإجراءات ولكن.. ما زالت مشاكل الحصول على مسكن.. مشكلة كبرى.. وعجز الصندوق على حلها.. لأن المشكلة أكبر من إمكانات بنك نشأ قبل أكثر من (30) سنة عمره يقارب الأربعة عقود أو هي تزيد.. ومع ذلك.. لم يدخل عليه أي تجديد أو تطوير أو تغيير سوى زيادة رأس ماله.. وزيادة إمكاناته.. وتغيير (مديره). الحياة قبل أربعة عقود.. تختلف عن الحياة اليوم.. ومتطلبات الحياة تختلف أيضاً.. وأسعار مواد البناء.. هي الأخرى تضاعفت عدة مرات.. وهكذا.. اليد العاملة.. وقرض الصندوق ما زال ثلاثمائة ألف ريال.. لا تكفي لبناء بعض الغرف. مجلس الشورى.. قال.. إنه اقترح زيادة القرض إلى (500) ألف ريال وهذا المبلغ أيضاً.. قليل.. إذ لا يمكن تشييد (فيلا) بهذا المبلغ.. علاوة على أن الأراضي الصغيرة.. غير متوفرة. فالبلديات ترفض مثلاً تشطير وتقسيم الأراضي.. فلو اجتمع أربعة شبان مثلاً واشتروا أرضاً مساحتها (800م) أو (700م) وأرادوا تقسيمها إلى أربع قطع.. رفضت البلدية ذلك وقالت.. على كل واحد أن يملك أرضاً لا تقل عن مساحة كذا.. بمعنى أنها تُلزم المواطن بمساحة معينة هي فوق طاقته.. وهي تُسهم في ارتفاع تكاليف الإسكان وما الضرر.. أن تكون بعض المساكن 100م أو 150م أو (120) أو (130)؟! اسألوا (البلدية؟!!). ثم إن صندوق التنمية العقاري.. بقي على ما كان عليه عند إنشائه قبل أربعة عقود (أيام البلكونة والرَّشه.. والقرميد) فلم يتطور ولم يتغير فيه شيء.. وظل مجرد (أمانة صندوق) بمعنى.. يُعطي أموالاً ثم يستلم السداد.. وهذا لا يحتاج إلى جهد.. فبوسع أي بنك تجاري أن يستلم هذه المهمة نيابة عن الصندوق.. ويقوم بها اثنان من الموظفين.. ويمكن السداد إلكترونياً.. أو دفع المبلغ في حساب الصندوق. كما يمكن استلام المبلغ أيضاً.. إلكترونياً ولا يحتاج إلى هذا الصندوق.. إذا لم يضطلع بدور أوسع.. وإذا لم يقم بأدوار إضافية.. مثل بناء مساكن أو تطوير خدماته.. فلا حاجة لبقائه مجرد تسليم واستلام نقود. كما أن طريقته مازالت تقليدية قديمة.. إذ كان من المفترض أن يكون بوسع أي شخص مقترض من الصندوق أن يدخل على موقع الصندوق ويعرف موقعه وحساباته.. كم سدد.. ومتى يحل القسط.. وكم بقي من الأقساط. كما يمكن للصندوق أن يستخدم رسائل الجوال لتذكير المقترض بموعد سداد قسطه.. أو الاتصال هاتفياً عليه.. أو إرسال كشف على عنوانه البريدي.. يُبيِّن موعد السداد وموقفه المالي.. وهكذا. ولكن الصندوق.. ظل على ما كان عليه قبل عقود.. يُعطي فلوساً بعد عشرين سنة من التقديم.. وينتظرك حتى تتكرم وتحضر لتسدد المبلغ.. أظن أن المشكلة.. ليست مجرد مضاعفة رأس مال الصندوق عدة مرات.. أو تغيير المدير.. بل لابد من تطوير الصندوق وتحويله إلى بنك استثماري عقاري كبير.. أو بنك إسكان يمكن أن يدخل في الاستثمار العقاري بشكل أوسع ويُغذي نفسه بنفسه. ويمكن أن يقوم ببناء شقق وفلل صغيرة وكبيرة وعمائر في كل مكان ويبيعها على المواطنين ويستثمر بعضها بطريقته. ويبقى الحديث عن مشاكلنا مع السكن مفتوحاً.