تجربة كبيرة تستحق منا الوقوف عندها، قام بها آلاف من علماء الفيزياء، تمت عبر تسريع جزيئات إلكترونات متناهية الصغر بسرعة الضوء وتصادمها لتحدث انفجارا هائلا محاكين فيه نظرية الانفجار العظيم الذي يرى بعض العلماء أنه حدث في الكون قبل أكثر من ثلاثة عشر مليار عام، وقد تمت التجربة في منطقة بين الحدود السويسرية الفرنسية وعلى عمق مائة متر تحت الأرض. الواقع أن العلماء وضعوا عبر السنين المتعاقبة لا سيما في القرنين الفائت والحاضر عدداً من النظريات التي يحاولون إثبات صحتها عبر تجارب متلاحقة ومن ضمنها هذه التجربة الرائدة التي تعتبر حدثاً هاماً في هذا الميدان الفيزيائي الكبير، وربما تدحض هذه التجربة نظريات كانت سائدة أو ربما تثبت بعضها أو بعض أجزائها، وهكذا تستمر الأبحاث والعلوم، ونتمنى أن يكون لعالمنا العربي والإسلامي، نصيب من ذلك. هذه التجربة الفريدة تحاكي الانفجار العظيم، لكنها لا تشمل مؤشرات ذات دلالة متعلقة بالبؤرة السوداء التي يرى بعض العلماء أنها المسؤولة عن التمدد المستمر للكون الذي يعرفه الإنسان. ولعل من المناسب أن تكون لنا وقفات عند هذه التجربة الجديدة، الوقفة الأولى قبول الحقائق العلمية التي يتوصل إليها العلماء، والنظر إلى النظريات العلمية بعين البصير الذي ينتظر ثبوت تلك النظرية من عدمها، وقبولها عندما يثبت انتقالها من مرحلة النظرية إلى الحقيقة عبر التجارب العلمية والقوانين الطبيعية. والوقفة الثانية، أن هذا الكون العظيم وما يحمله من قوانين يكتشفها الإنسان عبر جهوده، إنما هي إضافة لإيضاح مقدرة الخالق جل وعلا، وصنعه الذي لا يضاهيه صنع، وإبداعه في الخلق الذي يسير على نسق منهجي دقيق، في تناغم وتجاوب ونمط من القوانين والمعادلات والنواميس والظواهر التي لا تحيد، لتجعل المرء أكثر تفكرا في خلق هذا الكون، فتزيد إيمانه بالخالق المصور المبدع في خلقه وصنعه، وهي موعظة لكل ذي لب إن هذه النواميس الموجودة بالكون من ملايين السنين ظلت تسير في تناغم عجيب وظل الإنسان يستفيد استفادة محدودة منها، وعندما ألهمه الله كشف المزيد من أسرارها واستطاع بعون الله أولا وجهده المتواصل ثانياً أن يحقق الكثير في الوعظ العلمي من خلال الكشف عن عجائب خلق الله. الوقفة الثالثة: أن معظم من يقوم بهذه التجارب العلمية الرائدة هم من خارج محيطنا العربي والإسلامي، كما أنها تقام في دول من غير محيطنا، ولم أذكر أن تجربة رائدة واحدة تمت في عالمنا العربي واستفاد منها العالم أجمع، مع أن ديننا يحثنا على ذلك، وعندما أتساءل عن السر في ذلك أو أناقشه مع غيري تتشعب الأسباب وتتنوع وكل يدلي بدلوه في هذا الشأن، ومنهم من يصب جام غضبه على غيره محملا النظام السياسي أو الإداري أو العالم الخارجي المسؤولية، لكنه لم يتوقف برهة واحدة أمام نفسه ليسألها عن فعلها، وهل هو يفعل ما يتفق مع ما هو مطلوب أم لا، ومنهم من يدرك أنه مشارك في هذا العجز العلمي ويعلم ذلك ويعترف به، ثم يلتفت ليكون أكثر واقعية قائلاً طالما أن الثقافة السائدة هي هكذا فعلام أرفع علمي وحيداً، وهكذا يغرق في هذا البحر اللجي، وتستمر الأسئلة دون إجابة، ويستمر العالم في التقدم، ويظل عالمنا العربي يمشي الهوينى، ونستمر في القول والكتابة وجلد الذات، والعالم يسابق الزمن، وهكذا نستمر إلى أن يشاء الله.