لا تحظى الأخبار العلمية على الرغم من الأهمية البالغة للبعض منها في تثبيت هيمنة كتاب الهداية القرآن الكريم على كل العلوم ، و على تشكيل مصير البشرية و مسيرتها نحو خالقها في الدار الأخرة بنفس الإهتمام الذي تناله الأخبار السياسية أو الإقتصادية أو الإجتماعية أو الرياضية ربما لأنه يصعب في بعض الأحيان الربط بين تلك التطورات العلمية و بين الإهتمامات المعيشية اليومية للإنسان العادي. قد تروج هذه المبررات السطحية بالطبع إن إنحصرت اهتمامات الناس في الأمور المعيشية للإنسان و في سعيه لتأمين لقمة العيش أما إن تعامل الإنسان مع ذاته بالرقي و التكريم الذي حباه إياه خالقه الذي خلقه بيده و أسجد له ملائكته و خصه بين المخلوقات بالعلم و المعرفة و جعله خليفة في الأرض و كلفه بعمارتها و تعبده بالتفكر في خلق السموات و الأرض و في بدء خلق الكون و الإنسان. و من الأخبار العلمية التي تستحق الإلتفات إليها و بجدارة خبر منح جائزة نوبل في الفيزياء لهذا العام 2011 م لثلاث علماء أمريكيان و أسترالي لجهودهم العلمية في القياسات التي كشفت عن أن الكون ليس فقط في إتساع مستمر بل و أيضاً في تسارع أيضاً ، و هي حقيقة ذكرها الخالق تعالى في محكم التنزيل منذ 14 قرناً في قوله تعالى ( و السماء بنيناها بأيد ٍ و إنا لموسعون ) ، و مفردة موسعون المضارعة تفيد الإستمرارية في التوسع بينما ظل علماء الفلك و حتى القرن العشرين يتصورون الكون جامداً في حجمه الكلي وجد هكذا من قبل 14,5 مليار سنة و سيستمر على نفس المنوال إلى نهاية الكون. لكن الله أعلم و أحكم. بنيت الاكتشافات العلمية عن توسع الكون و تسارعه على المنطق العلمي التالي : إننا إذا نظرنا إلى نجم عبر التلسكوب المكبِّر و قمنا بقياس شدة الضوء الصادرة عنه و بتحليل الطيف الضوئي فإننا سنكون بإزاء ثلاثة احتمالات لا رابع لها : 1. إما أن تكون المسافة التي تفصلنا عن هذا النجم ثابتة فإن شدة الضوء التي تبلغنا هنا على الأرض تظل ثابتة كما أننا نرى ألوان الطيف الضوئي القادم منه ثابتة لا تتغير. 2 . اما إذا كان النجم يقترب منا فإن شدة الضوء ستقوى تماماً كما تقوى شدة الضوء من سيارة قادمة نحو الملاحظ على الطريق ، و ينحرف الطيف الضوئي في هذه الحالة نحو اللون الأزرق باتجاه الأمواج القصيرة للضوء، وكأن هذه الأمواج تنضغط. 3. و اما إذا كان النجم يبتعد عنا فإن شدة ضوئه تخبو مع الوقت ، و طيفه الضوئي ينحرف نحو اللون الأحمر ، باتجاه الأمواج الطويلة للضوء، وكأن هذه الأمواج تتمدد. القياسات العلمية التي جمعها و حللها الفائزون بجائزة نوبل للفيزياء هذا العام 2011 تؤكد لدرجة ترقى لمستوى الحقيقة و ليس النظرية أن المجرات البعيدة و النجوم الكبرى ( supernova ) تبتعد عن الأرض و عن بعضها البعض بسرعات فلكية متسارعة تبلغ مئات آلاف الكيلومترات في الثانية ، و هذا يعني يقيناً أن الكون في توسع مضطرد. الاستنتاجات العلمية المترتبة على هذه الحقيقة كثيرة من أهمها دعم نظرية النموذج الجديد للكون المتجدد «الدينامي» المبنى على نظرية ما يعرف بالطاقة السوداء ، و هي قوة غامضة ( حتى الآن ) تقوم بمضادة قوى الجاذبية المعروفة كما في قانون نيوتن للجاذبية ، و التي ( أي قوة الجاذبية ) من المفترض فيها لو كانت هي الفعالة بشكل منفرد أن تؤدي إلى إنكماش الكون بعد توسعه كما يعود إليك الحجر تقذفه للأعلى فلا يلبث بعد الاندفاع أن يتباطأ ثم يتوقف في منتهى مداه ثم يعود لكن الكون يتصرف في الحقيقة و كما أثبتت قراءات الفائزين بجائزة نوبل للفيزياء هذا العام و كأن الحجر المقذوف يستمر في الإبتعاد عن الأرض للأبد ، و يقال أن الطاقة السوداء متولدة من مادة سوداء غير مرئية تشكل 74% من مادة الكون ، و هو أمر يحتمله النص القرآني المعجز ( فلا أقسم بما تبصرون ، و ما لا تبصرون ، إنه لقول رسول كريم ). الإنجاز الفلكي الجديد عن قياس تسارع توسع الكون لا يتناقض مع نظرية الإنفجار الكبير عن نشأة الكون ( Big Bang Theory ) التي تقول أن السموات و الأرض كانتا في حالة غازية شديدة الحرارة فانفجرت ثم بدأت تبرد تدريجياً و من ثم تكونت الأجسام السماوية و منها الأرض ، و يرى كثير من العلماء الفلكيين المسلمين أنها تتوافق مع النص القرآني الكريم ( ألم ير الذين كفروا أن السموات و الأرض كانت رتقاً ففتقناهما ) بل هو إمتداد لها بل إن الحسابات المبدئية تقدر أن فعل الطاقة السوداء قد بدأت فعلها في تسارع توسع الكون من 9 مليارات سنة خلت. يظل القرآن العظيم أولاً و قبل كل شئ كتاب هداية لا يأتيه الباطل من بين يديه و لا من خلفه ، ليس خاضعاً لتقلب النظريات العلمية ، لكنه في نفس الوقت مهيمن على العلم و المعرفة الثابتة التي ترقى لدرجة الحقيقة ( و أنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقاً لما بين يديه من الكتاب و مهيمناً عليه ) ، تتوافق معه الإكتشافات العلمية المذهلة الحديثة ليقول المؤمنون و المنصفون سبحان الله على الكتاب المعجز ( تنزيل من حكيم حميد ). الناسا الأمريكية بالتعاون مع وزارة الطاقة أنشأت برنامجاً لدراسة الطاقة السوداء ، و نتطلع إلى برامج مشابهة في العالم العربي و الإسلامي يسهم من خلالها علماء الفلك و الفيزياء العرب و المسلمون في تعميق فهمنا للكون من حولنا إستجابة لتوجيهات ربنا ( قل سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق ثم الله ينشئ النشأة الآخرة إن الله على كل شئ قدير ). [email protected]