البقاء في ذات الموقع أو المكان أو المستوى يعني إن كان مفروضاً على الذات من الخارج (موت بطيء)، أما إن كان مقرراً بنزعة اختيارية أو بإرادة ذاتية فإنه (الانتحار الإرادي بعينه). نقول هذا ونحن بصدد الحديث بمستوى تحليلي متواضع عن مستقبل العالم الإسلامي في ضوء المتغيرات الدولية الحديثة والمستحدثة، وأيضاً بتلكم المتغيرات الماضية والحاضرة وما يمكن أن تكون عليه المتغيرات في المستقبل. الحقيقة تؤكد أن العالم كله دخل القرن الواحد والعشرين بمستوى القرن الواحد والعشرين، فيما بقي العالم الإسلامي كله على مستويات منتصف القرن العشرين الماضي. السبب أن معظم دول وشعوب العالم الإسلامي بكاملها بقيت على مستواها العلمي - التقني، والثقافي - الحضاري، والصناعي في القرن العشرين الماضي على ما هي عليه ودخلت القرن الواحد والعشرين بذات المستوى، بعد أن عانت من الشيء الكثير في ذلك القرن الماضي بل في القرون التي سبقته خصوصاً من أعداء الإنسانية الثلاثة: الفقر والجهل والمرض بعد أن عززها وأنماها مرض الفساد المنتشر. السؤال إذن: ما هو مستقبل العالم الإسلامي في ضوء المتغيرات الدولية القديمة والحديثة وتلك التي يمكن أن تظهر في المستقبل؟ يعتبر من الأسئلة الإستراتيجية المصيرية التي حتى الآن لم يتم بعد طرحها علمياً وثقافياً على مستوى العالم الإسلامي بشفافية وصدق وصراحة. صحيح أن المستقبل نتاج لقرارات وسياسات الحاضر، أو على الأقل لا يمكن أن يتحقق المستقبل الذي نريده إلا باتخاذ قرارات صائبة وصحيحة ومنتجة وفاعلة بإرادة سياسية قوية ومستقلة يتم اتخاذها في الحاضر. لكن رغماً عن ذلك فإن حاضر العالم الإسلامي ما هو إلا نتاج لقرارات وسياسات اتخذت في الماضي أثبت التاريخ وواقع الحاضر خطئها. هنا تحديداً إذن هل يمكن أن نقول حتى الآن بعد أن قضى عقدا كاملا من القرن الواحد والعشرين والعالم الإسلامي لا يزال يصارع من أجل البقاء بين الأمم الأخرى، ويواجه التحديات الخطيرة تلو التحديات الأخطر، هل يمكن القول إن مستقبل العالم الإسلامي سيبقى على ما هو عليه من معاناة شديدة مع أعداء الإنسانية الأربعة (الفقر والجهل والمرض والفساد) ومن تخلف صناعي وتقني وعلمي، ومن اهتزاز وضعف ثقافي ومن انحسار وغموض حضاري؟ هل يعني هذا أن القرارات السياسية والاقتصادية والعلمية والتقنية التي اتخذت في العالم الإسلامي في القرن الماضي لم تكن بصائبة ولا فاعلة؟ أم هل يعني ذلك أن عشر سنوات في القرن الواحد والعشرين ليست بكافية لاتخاذ قرارات وتبني سياسات منتجة على الأقل يمكن أن تدخل العالم الإسلامي في مجال الصناعة والتقنية المستقلة التي دخلتها دول وشعوب أخرى قبيل انتهاء القرن العشرين الماضي؟ حقاً إنها أسئلة محيرة وشائكة في ذات الوقت فالمشكلة التي نحن بصدد إيجاد حلول لها، والإجابات البديهية للأسئلة السابقة تؤكد حقاً أن العالم الإسلامي ما زال متخلفاً بفجوة كبيرة تفصله عن بقية الدول والشعوب والأمم التي سبقته في مجالات العلم والتقنية والصناعة والتجارة.. مع الأسف الشديد خصوصاً مع العالم الغربي بل حتى الشرقي إذا وضعنا في الاعتبار دولاً ظهرت في السبعينيات من القرن الماضي كاليابان، وأخرى ظهرت على السطح في أواخر القرن الماضي مثل كوريا والصين. ما الذي حدث حتى الآن؟ وما الذي سيحدث مستقبلاً؟ وكيف يمكن تخطي الفجوة أو على الأقل تضييقها؟ أسئلة تتطلب حواراً إسلامياً متواصلاً ومرتبطاً ومترابطاً أولاً لمعرفة مسببات المعوقات سواء كانت بفعل التطرف والغلو والتنطع، أو كنتيجة للتجاوزات والفساد، أو بسبب قرارات فاشلة. ثانياً لكي يتم التواصل ما بين المفكرين والمثقفين وصناع القرار في العالم الإسلامي كي يمكن بناء الجسور ما بين المفكرين والمثقفين وصناع القرار، ومن ثم للشروع بشكل متجانس وكلي في معالجة الخلل أو المسببات الرئيسة التي وضعت العالم الإسلامي في موقعه الماضي حتى وإن كان يعيش في الوقت الحاضر. خاص الجزيرة