فَرِح كثير من المتابعين للشأن الثقافي في المملكة، بصدور قرار الحكومة الأمريكية بإزالة اسم المملكة من قائمة المراقبة المتعلقة بتصنيف الدول حسب مستوى حماية حقوق الملكية الفكرية لديها. ومضى كلّ إلى غايته في تقويم الراهن الثقافي السعودي، والامتنان بتلك «النعمة» الأمريكية الجديدة على مجتمعنا. وانبرت كثير من الأقلام تفنّد ما وصلنا إليه من جودة وإتقان حقوق الملكية الفكرية وحمايتها بالعديد من التشريعات والتنظيمات الجديدة. وهي التنظيمات التي راقبتها ممثلية التجارة الخارجية الأمريكية، فعدلت عن تصنيفها السابق، وشطبت ما كانت خطت يداها، من أننا مجتمع لا نحمي الحقوق. والأغرب في «ثقافة ردود الأفعال» تلك، أن معظمها قد تحدث وكأننا لأول مرة، نعنى بالتشريع والتنظيم، لإدارة شؤوننا الفكرية والثقافية، وشؤون الآخرين عندنا. ففي معرض «الفرح» بالإنجاز العالمي الجديد، قد تكون غابت رؤى مهمة كان من الأولى بيانها. إن قضيتنا مع حماية «الحقوق» كافة، وليس فقط «الفكرية» منها، قضية متجذرة في التاريخ المعاصر. فنحن مجتمع «نام» «وسائلي» «مرتفع الدخل الوطني» و»شاب». وما اجتمعت هذه المركبات الحضارية في مجتمع إلا كان لها جملة من الانعكاسات الإيجابية تارة، والسلبية في حالات أخرى. ففي معرض السعي الاجتماعي الحثيث للإنتاج الفكري، واستيراد شيء منه، إضافة للاستيراد الضخم لحاويات الفكر العالمي من الوسائل والوسائط التقنية المتعددة، وفي إطارٍ من البرامج والمشروعات التنموية الشاملة التي شهدها المجتمع السعودي منذ عقد السبعينات الميلادية الماضية، وفي ظل تنامي الوعي الثقافي والاجتماعي وتعدد مصادره عبر برامج التعليم والتأهيل الداخلية والخارجية، والبعثات التعليمية الكبرى، لم يكن بالإمكان تصوّر التناغم الكامل بين «المنتج» و»بنيته التشريعية» من جانب، ومن جانب آخر، إشاعة الوعي المجتمعي بالتشريع وتطبيقه. ومن هنا، سبقت «الحركةُ» المجتمعية «التفكير والتنظيم» التشريعي. وهو أمر متفهم ومبرر، إذا ما أدركنا أن المؤسسات التشريعية، هي الأخرى كانت في تطوّر مستمر جداً، ولكن وفق متوالية أقل سرعة، وتختلف، بطبيعة الحال، عن متوالية الحراك المجتمعي نحو التحضر والتمدن واستقدام التقنية واستخدامها. فخلاصة الأمر، أن «التشريع» كان بحاجة لمزيد من الوقت. وهو الأمر الذي لم تتحه عجلة الحراك التنموي المجتمعي فائق السرعة. ومن هنا، يمكن فهم التباين في الرؤية، بين مجتمع متقدم كالمجتمع الأمريكي، ومجتمع «شاب»، «نامٍ»، «وسائلي»، «مرتفع الدخل الوطني»، كمجتمعنا. كما لا يمكن إغفال، أن تقدمنا على مستوى «التنظيم» و»التشريع»، وحماية «الحقوق»، إنما هو نتاج حركة فكرية تنظيمية تشريعية مستمرة، بدأناها منذ عهد المؤسس الملك عبد العزيز طيب الله ثراه، ومضت في سياق اجتماعي طموح ملحوظ خلال العهود المتتالية، لتبلغ مستويات متقدمة في السنوات الأخيرة التي شهدت تفاعلات ثقافية حضارية كبرى على مستوى علاقة المجتمع السعودي، بالمجتمعات الدولية. بقيت الإشارة إلى أهمية أن تعي جميع مؤسسات المجتمع دورها في دعم إنجازنا في مجال «حماية الحقوق الفكرية». نأمل مثلاً، أن تعمل كل من وزارة التجارة، ووزارة الثقافة والإعلام، ومدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية، على إعداد مسودة تشريعٍ جديدٍ، لا يتجه لمحاسبة منتهك حق الملكية الفكرية وحسب، ولكن يتجاوزه لمن وراءه من المؤسسات الرسمية والأهلية، وكذلك من الكفلاء، ومن في حكمهم، الذين هم وراء «العمالة السائبة» أو «شبه السائبة» المتاجرة بفكر الآخرين، وبأقراص ال(سي دي) المكتظة ببرامج الحاسوب المقرصنة، إضافة للقرصنة الاحترافية على قنوات التلفزيون الفضائية وشبكة الإنترنت. جميل أن يمتن الآخرون لنجاحنا. لكن الأجمل منه أن لا يبلغ احتفاؤنا بامتنانهم أكثر مما يستحقون. [email protected]