يبدو أن لصناعة (التسول) مواسم خاصة جداً، حيث تزدهر وظيفة سؤال الناس (أعطوا أو منعوا) في أوقات خاصة خلال العام.. ويأتي شهر رمضان المبارك، فرصة ثمينة للكثيرين من (المحتالين)، والباحثين عن (الأموال) دون عمل، مستخدمين خصوصية الموسم الديني، ورغبة الناس في فعل الخيرات.. والحال شبيهة في عدد من المواسم الدينية كالحج والعمرة.. .. وهي، كذلك، دورية منتظمة عند آخرين، يرتادون أبواب المساجد، بعد صلاة كل جمعة، في جولة أسبوعية على (كل) مساجد المدينة والمدن المجاورة، مع التركيز، بطبيعة الحال، على الأحياء الأكثر ثراء.. وثمة فئة أخرى، لا تفتأ أن تتسول على مدار الساعة، في نموذج (مهني) عجيب يجوب شوارع المدن، ويتوقف عند إشارات المرور فيها، ويتقدم المصلين بعد فراغهم من (كل) صلاة، رافعاً أكف الضراعة بالدعاء للمانحين.. ولأن من بين هؤلاء، من يمكن تفهّم حاجته، وعجزه عن العمل، وضيق حيلته، فقد يمكن إدراك بواعث (تسوله).. لكن الذي استعصى على الفهم والإدراك، أن تزدهر صناعة تسول (الدرجات) و (التقديرات) من عدد من طلاب الجامعات في مراحلهم المختلفة.. ولهذه الصناعة مواسم خاصة جداً تتحدد بقرب مواعيد الاختبارات، وتبلغ ذروتها عند تسليم الطلاب لإجاباتهم، خلال مدة من الزمن، يعرف الطلاب أن الأستاذ خلالها منشغل بتصحيح الإجابات ورصد الدرجات.. فقد لا يستغرب الأستاذ أن يتلقى اتصالاً هاتفياً يطلب صاحبه (الرأفة) و (الإحسان) طمعاً في نيْل الأجر من الله تعالى عندما يعين الأستاذ الطالب على (متاعب) الحياة، و(شظف) العيش، وإعالة أسرته التي هو أكبر أبنائها، أو أنه العائل لها.. وعندما يذهل الأستاذ من عظيم الحاجة التي يعبر عنها المتصل، يسأل عن المطلوب، أهو مبلغ من المال، أم تموين غذائي، أم كساء، ليفجعه أن المتصل ليس سوى أحد طلابه، يسأله أن يمنحه من الدرجات، ما يضمن نجاحه، لأنه بحاجة للتخرج والحصول على وظيفة، أو أن يضمن الأستاذ تقديرات عالية، لأن هِمّة الطالب لا تقصر عن الوظائف المرموقة، والمنافسة عليها بعد التخرج.. تلك أحوال غريبة جداً، لم يمكن لي إلا أن أصفها بأنها نوع بائس من التسول الأكاديمي، الذي ينُمّ، عن تدنٍّ كبير في مستوى التفكير والتأهيل (المعرفي) (الأخلاقي) الذي وصل إليه بعض طلابنا، عِوضاً عن أن يكون لديهم قدرٌ من الحصافة والقدرة على تحقيق الإنجاز بشرف وندّية وأهلية مُعتبرة.. والأدهى والأمرّ، لو أن الطلاب، وأظنهم يفعلون، وجدوا آذاناً صاغية، وقلوباً رقيقة تحن لتوجعهم، وتأسى لحالهم، فتمنح طمعاً في رضا الله، بحسن نية بالتأكيد، ولكن أيضاً بجهالة كبرى لما يُمكن أن يترتب على ذلك (التسول) من آثار كارثية على حاضر المجتمع ومستقبله.. ولذلك، لا أدعو زملائي أساتذة الجامعات، للوجوم في وجوه المتسولين من الطلاب، وحسب، ولكن أعزم عليهم أن يسجلوا هذه الحالات باعتبارها (جنحة) أكاديمية يُعاقب عليها النظام.. وبالتالي يتم إبلاغ إدارة القسم العلمي أو الكلية بمن يكون التسول طريقه لجني أرباح الفصل الدراسي، فيخضع لتحقيق صارم، يستحضر جل تبعات هذا السلوك المشين على العباد والبلاد.. إن للتسول الأكاديمي موسماً ينتهي هذا الأسبوع.. وكل أستاذ مُعرّض لأن يكون مستهدفاً من قبل طلابه، بوسائل الاسترحام تلك.. غير أن الرحمة المعلنة على لسان الطلاب، ستار يخفي وراءه الطالب جهالة متطفل على العملية التعليمية، ينبغي فضحه، وإخراجه فوراً، من منازل طلاب العلم، لفداحة جرمه، وعظيم خطيئته في حق الله عليه.. وحق الناس. [email protected]