تمتد بي المسافات، تأخذني إلى حديث والدي عن تلك المدينة الحالمة، لم يكن الحديث يوما طويلا.. لم يكن المشهد كاملا لدي.. جازان مدينتي التي لم أزرها من قبل، علي أن أزورها اليوم وهي تتألم، وهي مجروحة من المعتدي، مدينتي تنزف ربما المكان، والزمان ولا أعرف سوى أني سأراها بعد ساعات، بعد لحظات ربما. اللحظات الأولى في العاصمة جازان ضمني ذلك الفندق الصغير صوت موج البحر يدفع بك للنهوض للتجوال في المدينة رغم عناء الرحلة. مشهد المدينة: نتحرك باكرا نحو شوارع جازان، طريق الشاطئ صورة جديدة تحدثت هناك، وعلى جوانب الرصيف مجسمات تحكي الماضي بكل بساطتها لونت بطلاء وأخذت شكلا جديدا لكنها تبقى تلك (العشة) التي كانت هي المأوى.. الطريق إلى (الخوبة) مررنا بعدة نقاط حيث المشهد العسكري، مررنا بالمضايا وعدد من القرى، مررنا بأحد المسارحة نحو الخوبة! ونحو المكان ثكنات عسكرية اصطفت على جوانب المكان، وفي المقابل بعيدا عن جوانب الرصيف اصطفت عشرات السيارات المتناثرة على جوانب الطريق، وباتجاه الخطوط الأمامية كان جبل الدود بامتداد جبل الدخان شرق غرب الحدود اليمنية، وفي اتجاه الجبل كانت نقطة تفتيش وعبارة النصر أو الشهادة مررنا وسطها نقطع الطريق وعلى بعد أمتار كانت الدوامات الترابية التي تدور بصورة دائرية من الأسفل إلى أعلى.. مشهد يبهرك بما فيه من خصوصية ربما.وباتجاه الجبل ونقطة تمركز العمليات كانت (قرى) بدت خالية من سكانها، تركوها لاتقاء شر المعتدي إلى جنبات مدينتهم جازان، تركوا البيت والذكريات تركوا الحلم، تركوا ربما كل شيء إلا الإصرار على العودة إلى مكانهم يوما. منطقة الخطر: اقتربنا من جبل الدخان اقتربنا أكثر نحو الخطوط الأمامية للعمليات، حيث كانت الأجواء تشتد في اتجاه الجابري، صوت المدافع وعدد من الصواريخ التي تدك المتسللين المعتدين تقترب نحونا.. هناك فوق هامة جبل تلتف حولي أصوات، وأصوات وأشاهد جنودنا الأبطال يقفون بكل عزم وإصرار، يقفون بشموخ يبتسمون يهللون يذكرون الله كثيرا.. أحدهم تحدث: إما النصر أو الشهادة عبارة رددها كثيرا دفع بي إلى أعلى, إلى الاقتراب أكثر نحو الخطر.. نعم إنهم من يعززون داخلك الشجاعة.. إنهم من يرسم لنا خط الأمان لنسير من خلاله.. ساعات كانت، لحظات الموت والحياة وذكر الله يتردد داخلي، هناك كان المشهد غير، كان المكان يعج بجنودنا البواسل يقفون بحذر يرصدون المعتدي الذي حاول تدنيس أرضي ولم يفلح، حاول ترويع سكان مدينتي ولم ينجح.. نعم إنها وقفات تحملك إلى عالم آخر وأفق غير لا تترجمها مثل هذه العبارات حيث قوة المشهد وقوة عزيمتهم؟ العودة إلى أحد المسارحة: هناك كانت مئات الأسر تسكن المكان، صور تجلت بالحب والتلاحم وعباراتهم تردد (حكومتنا لم تقصر معنا) عبارات بسيطة لكنها في معناها كبيرة تترجم حالة الولاء والانتماء للأرض للوطن.. صفية طفلة كانت تقرأ واجبها المدرسي تحلم بأن تصبح يوماً طبيبة لتساعد أهلها، شعور يسكن طفلة اليوم قد يصبح حقيقة في المستقبل، والعم أبو أحمد يحمل زوجته يحتضنها بحب في أحد المخيمات يسهر على راحتها يطعمها الدواء والشراب حالة حب رغم صعوبة المكان وقسوة الزمان. قائد ابن قائد خالد بن سلطان: تحية تقدير وعرفان إلى رجل يستحق المكان يستحق أن يقف ويقول أنا رجل المهمات الصعبة، نعم هو من سهل المهمة رغم صعوبتها، هو من تردد بالسماح لنا بالوقوف على مسرح العمليات خوفا علينا, لكن تقديره للمهمة الصحفية واعتزازه بدور المرأة قاده إلى اتخاذ قرار التواجد هناك على الخطوط الأمامية، خالد بن سلطان ذلك البطل الذي يستمد جنودنا الهمة منه من وجوده الدائم بينهم إنه الاحساس بالمسؤولية، بالواجب والإخلاص للعمل قولا وفعلا دون النظر لنتائج ما قد يحدث! رحلتي إليها.. جازان: وجوه لن تنسى هناك، وعبارات تسكنك وتوحد داخلك حالة من الحب، من الطهر حيث شفافية الأنفس، وبساطة اللقاء.. نعم هناك الأشياء تختلف، هناك الحياة تنبض بالأمل والفرح والعطاء حالة عشق.. حالة إصرار على الحياة، على البقاء على العيش في المكان رغم كل شيء، نعم إنها جازان تلك المدينة الحالمة التي تنهض باستحياء من بين الألم والأمل تنهض لتقول أنا (جازان) مدينة الفل والياسمين، مدينة الحب والعطاء باقية، شامخة رغم كل شيء، فهذا المعتدي مهزوم وليس أمامه من فرصة إلا الاستسلام.