«البراميل المتفجرة» وليس مدفع رمضان، من يعلن موعدي الإفطار والسحور في شهر رمضان الكريم بالنسبة الى أهالي درعا وريفها جنوب سورية وقرب حدود الأردن، حيث شن الطيران السوري حوالى 600 غارة كان بينها حوالى 130 «برميلاً» ألقتها مروحيات النظام على مدينة درعا. وتعرضت محافظة درعا من شرقها الى غربها وصولاً الى تخوم ريف دمشق شمالاً، لواحدة من اعنف حملات القصف منذ اندلاع الثورة السورية في آذار (مارس) 2011. وقال جهاد محاميد ممثل «الدفاع المدني السوري» في محافظة درعا: «يعتمد النظام على سلاح الجو في القتل والتدمير الممنهج بحق المناطق الخارجة عن سيطرته، حيث وصل عدد البراميل والصواريخ الفراغية التي استهدفت فيها مدن وقرى محافظة درعا خلال رمضان إلى أكثر من 600 برميل متفجر وصاروخ فراغي نجم عنها سبع مجازر مروعة راح ضحيتها مئات الضحايا بين قتيل وجريح». وتابع: «مدن وبلدات طفس والحارة والطيبة ونصيب وصيدا كانت على موعد مع مجازر مروعة نتيجة استهدافها بالبراميل والحاويات المتفجرة والصواريخ الفراغية التي استهدفت الأهالي إما أثناء وقت الفطور كما حصل لأسرة الخوالدة في مدينة الحارة حيث سقطت عليهم حاوية متفجرة قبل موعد الإفطار بلحظات قليلة، ما أدى إلى مقتل الأسرة المكونة من 7 أشخاص وعشرات الجرحى من أهل الحي، أو أثناء وقت السحور، كما حصل لأسرة الشريف في بلدة نصيب عندما استهدفت في 28 حزيران (يونيو) الماضي بحاوية متفجرة قتلت على إثرها الأسرة كاملة والمكونة من 10 أشخاص بينهم 7 أطفال». وكان عدد من فصائل «الجيش الحر» في «الجبهة الجنوبية» اعلنوا بدء معركة «عاصفة الجنوب» لطرد القوات الحكومية من مدينة درعا بين آخر المعاقل الخاضعة لسيطرة النظام جنوب البلاد. وقابلت القوات النظامية ذلك بحملة غير مسبوقة من القصف لوقف تقدم مقاتلي المعارضة. وأفاد موقع «كلنا شركاء» المعارض امس بوجود «غضب شعبي» في مناطق المعارضة «ضد الفصائل الثورية منذ إعلان عملية عاصفة الجنوب وتأسيس جيش الفتح وعدم حصول أي تقدم حقيقي ملموس على الأرض، في مقابل ازدياد همجية النظام وارتفاع معدل القصف اليومي بالبراميل والحاويات المتفجرة». وأشار الى تظاهرات في مناطق درعا «طالبت فصائل الجيش الحر بالتحرك ضد أهداف النظام وبالأخص المطارات لوقف حملة النظام، أو انسحاب عناصر جميع الفصائل من المدن وتركها للمدنيين». ووفق نشطاء ومراقبين، شكلت الأسواق والمستشفيات الميدانية وتجمعات النازحين هدفاً مهماً لمقاتلات النظام. وقال محاميد: «استهدفت المستشفى الميداني في بلدة الطيبة بريف درعا الشرقي بصاروخ فراغي قتل على إثره 6 أشخاص من أسرة واحدة كانت نزحت من أحياء مدينة درعا، كذلك استهدف السوق الرئيسية في بلدتي صيدا ونصيب بالبراميل المتفجرة والصواريخ الفراغية قتل نتيجتها 20 شخصاً جلهم من الأطفال والنساء»، لافتاً إلى أن «العيادات الخاصة تم استهدافها بالبراميل المتفجرة ليلاً أيضاً، كما حدث في مدينة طفس غرب مدينة درعا حيث قتل 5 أشخاص وجرح أكثر من 50 شخصاً». وكثرت في الآونة الأخيرة استخدام «الحاويات المتفجرة» من مروحيات النظام، حيث «شهدت الأيام الماضية استهداف المدن والبلدات في درعا بحاويات متفجرة يصل وزنها الى نصف طن أحدثت دماراً هائلاً في المنازل والبنية التحتية اضافة إلى قتل وجرح العشرات من الأهالي»، وفق ممثل «الدفاع المدني». وأضاف أن المروحيات «المحملة بالحاويات والبراميل المتفجرة، تنطلق من مطارات النظام السوري في محافظة السويداء في شكل مكثف، وأحياناً يتم رصد 4 طائرات مروحية في آن واحد، حيث تحلق على علو مرتفع يصعب على المعارضة المسلحة التعامل معها بالسلاح المتوافر لديها». ووفق عمر الحريري الناطق باسم «مكتب توثيق شهداء درعا»، فإن «البراميل» هي سلاح عشوائي، اذ تبين ان «الهدف من البراميل القتل العشوائي والتدمير المنظم للمناطق المدنية، بالمقابل يعد الطيران الحربي سلاحاً دقيقاً قد يكون الهدف عشوائي لكنه مقصود بنفسه، عكس البراميل المتفجرة غير المعروفة الهدف»، موضحاً انه خلال شهر رمضان تم «توثيق مقتل 66 شخصاً بالبراميل المتفجرة بينهم 24 طفلاً و 16 امرأة، في حين تم توثيق 28 قتيلاً بغارات الطيران الحربي بينهم 8 أطال و 3 نساء». وتعد الأحياء الخاضعة لسيطرة قوات المعارضة في مدينة درعا مثل درعا البلد وحي طريق السد ومخيم درعا من أكثر المناطق استهدافاً بالمقاتلات الحربية والمروحية وفي شكل شبه يومي، إضافة للقصف الصاروخي والمدفعي من الأحياء الخاضعة لقوات النظام في درعا المحطة وسجنة والمنشية، ما أسفر عن دمار هائل في المنازل ونزوح معظم سكانها إلى الحقول المجاورة أو إلى مدن وبلدات محافظة درعا. ليلة مرعبة «أبو علي» هرب برفقة أسرته إلى مزرعة مجاورة يروي «ليلة مرعبة» عاشها بسبب استهداف حارته في درعا البلد. وقال: «ليست هناك كلمات قادرة على وصف المشهد إلا بأنه قيامة مصغرة، كانت الطائرة تحلق ليلاً على علو مرتفع لتنطلق صافرة الإنذار منذرة بقدوم الموت معها، وقمنا بحمل أطفالنا النيام وتوجهنا إلى قبو قريب تحول إلى ملجأ؛ نتيجة ظروف الحرب التي نعيشها، لم تمض إلا دقائق قليلة حتى سمعنا صوتاً غريباً يختلف عن سقوط البراميل المتفجرة التي اعتدناها سابقاً، بدأت التساؤلات ونظرات الدهشة والممزوجة بالرعب من المجهول تحتل وجوه الحاضرين». ويضيف: «لحظات قليلة لتفجر الأرض بنا وكأن زلزال قد ضربنا، تفرق جمعنا وارتطمنا بالجدران، فيما دخلت غيمة كبيرة من الغبار الممزوج بالبارود إلى القبو. بعد لحظات استوعبنا الحادثة وبدأنا بتفقد الأطفال والنساء الذين تناثروا في كل مكان، وعندما خرجنا من القبو كان المنظر مرعباً، فقد اختفت منازل كانت قبل لحظات تغص بأصحابها وباتت أثراً بعد عين، لا شيء أمامنا إلا الجدران المهدمة والحجارة المتناثرة، إضافة إلى حفرة هائلة يزيد عمقها عن عشرة أمتار فيما اتسعت أبعادها لأكثر من 14 متراً، كانت المعجزة الوحيدة بعدم مقتل احد من الأهالي على رغم الأعداد الكبيرة للجرحى، ومنذ ذلك اليوم وأنا أسكن في خيمة بصحبة أسرتي». وقالت «الشبكة السورية لحقوق الإنسان» في تقرير إن «القوات الحكومية اعتمدت على سلاح الطيران في شكل رئيسي، حيث ألقت ما لايقل عن 127 قنبلة برميلية، أُلقي نصفها تقريباً على مدينة درعا وحدها اضافة الى 38 صاروخاً وعشرات القذائف المدفعية والهاون»، مشيرة الى «اعتماد فصائل المعارضة المسلحة على الصواريخ المحلية الصنع وقذائف الهاون والقصف المدفعي». وقدرت الشبكة عدد القتلى ب 54 مدنياً بينهم 19 طفلاً و12 امراة «بسبب القصف الجوي والمدفعي على أحياء مدينة درعا وقرية نصيب والنعيمة وعتمان، كما أُصيب قرابة 481 آخرين، بينما تسبب قصف فصائل المعارضة المسلحة بمقتل 10 مدنيين بينهم طفلان وسيدتان، قتلوا نتيجة القصف العشوائي خلال استهداف المقرات الحكومية المتمركزة داخل الأحياء السكنية». وأشارت «الشبكة السورية» ايضاً الى أن مناطق المعارضة «تُعاني أوضاعاً إنسانية صعبة في ظل القصف العشوائي المكثف وانقطاع الكهرباء والماء معظم ساعات اليوم، ونقصاً في المواد الأساسية كالخبز والأدوية». ورصد التقرير توقف ستة مستشفيات ميدانية عن العمل وخروجها من الخدمة «نتيجة القصف الجوي الحكومي الذي تعرضت له، ما يدل على أنها كانت أهدافاً معدة للقصف، حيث تقع هذه المستشفيات في بلدات قريبة من مدينة درعا، وتقدم خدماتها الطبية لكل أبناء المحافظة تقريباً»، لافتاً الى اغلاق الأردن معبراً حدودياً في بداية الشهر من دون ذكر الأسباب «لكن يبدو أن ذلك بسبب تدفق أعداد كبيرة من الجرحى، حيث توفي إثر ذلك اثنان من المصابين على الساتر الحدودي بسبب منع السلطات الأردنية إدخالهم، ما أدى لتفاقم الإصابة ومن ثم وفاتهم، وعاودت السلطات الأردنية في اليوم التالي فتح المعبر للجرحى مُشترطةً اصطحاب الأوراق الثبوتية لكل جريح قبل دخوله الأردن».