أبرمت إيران والدول الست المعنية بملفها النووي، في فيينا امس، اتفاقاً يطوي الملف. واعتبرت طهران ان ذلك سيتيح فتح «آفاق جديدة» مع المجتمع الدولي، فيما أبرزت واشنطن أن الصفقة ستمنع ايران من امتلاك سلاح ذري. اما موسكو فرأت في توقيع الاتفاق انتصاراً لديبلوماسيتها، سيتيح توسيع تعاونها العسكري مع طهران. ويأتي الاتفاق بعد مفاوضات ماراثونية دامت 17 يوماً في فندق «كوبورغ» في فيينا، مُدِّدت مراراً بسبب خلافات جوهرية. وشكّلت محادثات فيينا إحدى أطول جولات المفاوضات الدولية على المستوى الوزاري في مكان واحد، منذ تلك التي أفضت الى اتفاقات دايتون (الولاياتالمتحدة) وأنهت عام 1995 حرب البوسنة. وبعد مفاوضات غير مثمرة في السنوات الماضية، وعقوبات دولية فرضها مجلس الأمن، وأخرى فرضتها الولاياتالمتحدة والاتحاد الأوروبي، عاودت إيران والدول الست (الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن وألمانيا) المفاوضات عام 2013، بعد انتخاب حسن روحاني رئيساً لإيران. وفي تشرين الثاني (نوفمبر) 2013، توصل الطرفان الى اتفاق موقت في جنيف، ثم الى «إطار لاتفاق» في لوزان في نيسان (أبريل) الماضي، حدد المبادئ الأساسية لاتفاق نهائي تطلب إنجازه جولات تفاوض ومحادثات دامت 23 شهراً. وأعلنت وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي فيديريكا موغيريني رسمياً الاتفاق، اذ قالت في مؤتمر صحافي: «يشرفنا أن نعلن أننا توصلنا الى اتفاق في شأن الملف النووي الإيراني. هذا يوم تاريخي لأننا أوجدنا الظروف لبناء الثقة وفتح فصل جديد في علاقتنا». وكانت ذكرت أثناء اجتماع وقّع خلاله وزراء الخارجية الاتفاق رسمياً: «إنه قرار يمكن ان يمهد لمرحلة جديدة في العلاقات الدولية، ويثبت ان الديبلوماسية والتنسيق والتعاون يمكنها ان تتخطى عقوداً من التوتر والمواجهات. أعتقد بأنها بارقة أمل للعالم بأسره، نحن في أمسّ الحاجة إليها». واعتبر وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف ان الاتفاق يشكل «لحظة تاريخية»، وقال في المؤتمر الصحافي مع موغيريني: «توصلنا الى اتفاق ليس مثالياً بالنسبة الى الجميع، لكن هذا ما امكننا التوصل اليه، وهو انجاز مهم لنا جميعاً». وأضاف ان الاتفاق يفتح «فصلاً جديداً في العلاقات الدولية»، وتابع: «كان ممكناً اليوم (امس) ان يُقضى على الأمل في هذا الملف. لكننا نبدأ صفحة أمل جديدة. دعونا نبنِ على ذلك». ورجّح وزير الخارجية الأميركي جون كيري ألا يرفض الكونغرس الاتفاق بغالبية تضمن الا يستخدم الرئيس باراك اوباما حق النقض ضده، اذ قال: «لا اعتقد بأن يدير الناس ظهورهم الى اتفاق يتضمن مثل هذه الخطوات الاستثنائية في ما يتعلق ببرنامج ايران (النووي)، وأيضاً دخول (منشآتها) للتحقق». وأعلن وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس ان مجلس الأمن سيصادق على الاتفاق خلال «أيام»، فيما ابرز نظيره البريطاني ديفيد هاموند اهمية «التركيز الآن على التنفيذ السريع الكامل للاتفاق، لنضمن ان تبقى الأسلحة النووية بعيدة من يد ايران». وأبدى «ثقة بأن امكانات البحوث والتطوير المحدودة التي أُتيحت لإيران في الاتفاق، ستحافظ على القيد الزمني الذي يمنعها من إنتاج يورانيوم يكفي لصنع سلاح نووي، وهذا كان دوماً في صدارة أولوياتنا». وأشار الى ان لندن تتوقع ان يكون الاتفاق بمثابة خطوة تغيير في علاقة طهران بجيرانها والمجتمع الدولي. واعتبر المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية يوكيا امانو الاتفاق «خطوة كبرى إلى أمام، في اتجاه توضيح القضايا الرئيسة في ما يتعلق بالبرنامج النووي الإيراني». وأضاف ان الوكالة التي ستراقب التزام طهران بالاتفاق، وقعت معها امس «خريطة الطريق حددت عملية بموجب إطار عمل اتفاق 2013، لتمكين الوكالة، بالتعاون مع إيران، من تقويم القضايا المتعلقة بأبعاد عسكرية محتملة للبرنامج، بحلول نهاية عام 2015». وتابع أمانو أن إمكان دخول مجمّع بارشين العسكري الإيراني، هو جزء من «ترتيب» منفصل، علماً أن مصدراً ديبلوماسياً أبلغ وكالة «رويترز» أن «خريطة الطريق» التي وقعتها طهران والوكالة الذرية تشمل زيارة واحدة لبارشين، ومقابلات محتملة مع علماء نوويين إيرانيين. وأكد امانو انه «واثق» من قدرة الوكالة على التحقق من تطبيق ايران التزاماتها بموجب الاتفاق. روحاني وأوباما وبوتين واعتبر الرئيس الإيراني حسن روحاني ان الاتفاق يشكل «نقطة انطلاق» لبناء الثقة، مضيفاً: «اذا طُبِّق في شكل سليم، يمكننا ان نزيل انعدام الثقة في شكل تدريجي» مع الغرب. وتابع في كلمة بثها التلفزيون أن إيران ستفي بالتزاماتها في الاتفاق، طالما التزمت الدول الست بذلك. وحض دول الجوار على تجاهل «دعاية» إسرائيل، مشدداً على أن لدى إيران مصلحة مشتركة في استقرار المنطقة. وكتب روحاني على موقع «تويتر» ان الاتفاق يفتح «آفاقاً جديدة» بعد تسوية «أزمة غير ضرورية». ورأى ان نجاح المفاوضات دليل على ان «الالتزام البنّاء يأتي ثماراً»، معتبراً انه بات ممكناً الآن «التركيز على التحديات المشتركة»، في اشارة الى مواجهة تنظيم «داعش». الرئيس الأميركي باراك أوباما رأى ان «الاتفاق يؤمن فرصة للتحرك في اتجاه جديد، يجب أن نستغلها»، مضيفاً: «يظهر التاريخ أن على أميركا أن تقود، لا فقط بقوتها، ولكن بمبادئها. إعلان اليوم (امس) يمثّل فصلاً آخر في مساعينا نحو عالم أكثر أمناً وتعاوناً وتفاؤلاً». وأشار الى أن الاتفاق ينص على تخلّص ايران من 98 في المئة من مخزونها من اليورانيوم المخصب، مشدداً على انه قطع كل الطرق امام امتلاكها سلاحاً نووياً. وتعهد «مواصلة جهودنا التي تُعتبر سابقة في تعزيز أمن اسرائيل، جهود تذهب ابعد مما فعلته أي ادارة في السابق». ونبّه الى انه اذا لم تحترم ايران التزاماتها، سيتم فرض «كل العقوبات» مجدداً، وتابع: «هذا الاتفاق ليس قائماً على الثقة، بل على التحقق. المفتشون سيكونون قادرين على الوصول الى المنشآت النووية الإيرانية الرئيسة، 24 ساعة على 24 ساعة». وتطرّق الى العلاقات بين الولاياتالمتحدةوإيران، قائلاً: «خلافاتنا حقيقية. لا يمكن تجاهل تاريخ من العلاقات الصعبة بين الأمتين. هناك امكان للتغيير». ويواجه أوباما تحدياً لتمرير الاتفاق في الكونغرس الذي امامه 60 يوماً لمراجعته. وإذا استخدم الرئيس الأميركي حق النقض (الفيتو) لتخطي رفض الكونغرس الاتفاق، فسيتطلب الأمر موافقة الأعضاء بغالبية الثلثين، لتجاوز ذلك. ووصف رئيس مجلس النواب جون باينر الاتفاق بأنه «سيء»، معتبراً انه سيتيح لها في نهاية المطاف امتلاك سلاح نووي. وأضاف: «سنبذل كل ما في وسعنا لوقفه». ورأى إد رويس، الرئيس الجمهوري للجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب، ان «الاتفاق سلعة يصعب ترويجها»، فيما ابدى السيناتور بوب كروكر، رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ، «شكوكاً عميقة» في شأنه. ووصف السيناتور الجمهوري ليندساي غراهام الاتفاق بأنه «مريع»، معتبراً بأنه «حكم محتمل بالإعدام على إسرائيل» و»سيجعل كل شيء أسوأ». ونعت أوباما وكيري ب «السذاجة في ما يتعلق بالشرق الأوسط». لكن نانسي بيلوسي، زعيمة الديموقراطيين في مجلس النواب، نبّهت الى ان الكونغرس سيراجع «تفاصيل الاتفاق» بدقة. وزيرة الخارجية السابقة هيلاري كلينتون اعتبرت ان الاتفاق «خطوة مهمة تحد من البرامج النووية لإيران». في موسكو، اعرب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن امله بأن يلتزم كل الأطراف بتطبيق كامل للبنود المتفق عليها، مضيفاً ان موسكو «ستفعل كل ما في وسعها لتحقيق ذلك». واعتبر وزير الخارجية سيرغي لافروف ان الاتفاق «يتناسب تماماً مع الأهداف التي وضعتها روسيا»، مبدياً ثقة بأنه سيساهم في تحسين الأوضاع في الشرق الأوسط ويتيح تنفيذ «اقتراح تأسيس فضاء امني مشترك في الخليج، يضمن السلام والاستقرار». ورأى ان الاتفاق ينزع المبررات التي ساقتها واشنطن، لنشر درع صاروخية في اوروبا، لافتاً الى ان موسكو «ستراقب كل مراحل تنفيذه». وقال ان لدى موسكووطهران «خططاً واسعة جداً لتطوير قطاع الطاقة النووية الإيراني». وكشف لافروف ان روسيا والصين عارضتا خلال المفاوضات تأجيل رفع الحظر على تسليح ايران، لخمس سنوات، ودعتا الى رفع فوري، مشيراً الى ان طهران قبلت بحل وسط في هذا الشأن، «لأن الغرب أصر في البداية على الإبقاء على حظر الأسلحة لثماني أو عشر سنين». واستدرك: «لكن خلال فترة السنوات الخمس، سيكون ممكناً تسليم إيران أسلحة، من خلال الالتزام بإجراء الإبلاغ والتحقق من خلال مجلس الأمن».