توقفت الأوساط السياسية أمام قول الأمين العام ل «حزب الله» السيد حسن نصرالله أول من أمس، إن زعيم «التيار الوطني الحر» العماد ميشال عون «لم يطلب منا النزول إلى الشارع»، وإشارته الى أن «ليس من مصلحة الحراك الشعبي ومطالب العماد عون أن يشارك حزب الله في تظاهرات شعبية». واعتبرت هذه الأوساط أن السيد نصرالله استخدم مخرجاً لبقاً للتعبير عن عدم حماسة حزبه للتحرك الذي قام به التيار العوني في الشارع والذي ظهر وفق التقارير الأمنية والإعلامية أقل مما كانت قيادة التيار تتوقعه، حتى لو كان مقتصراً على قطاع الشباب فيه. فحتى سفارات دول عدة غربية سجلت قصوراً عند التيار في تأمين أعداد مقبولة من المتظاهرين على رغم التعبئة التنظيمية والإعلامية التي قام بها في سائر المحافظات والأقضي. فالتظاهرة السيارة التي انطلقت صباح الخميس الماضي من مركز رئيسي للتيار كانت تضم المئات، لكنها تقلصت إلى العشرات عند محاولة المتظاهرين اقتحام حواجز الجيش لمنع اقترابهم من السراي الكبيرة أثناء الاجتماع الساخن لمجلس الوزراء والمواجهة التي تخللته بين وزير الخارجية جبران باسيل ورئيس الحكومة تمام سلام، الذي اضطر لرفع صوته رداً على اتهام الأول له بمصادرة صلاحيات رئاسة الجمهورية وبممارسة «الداعشية السياسية». إلا أن الأوساط التي توقفت عند كلام نصرالله، اعتبرت أن «حزب الله» اضطر، على رغم تأكيده تضامنه مع مطالب العماد عون بالإصرارعلى إدراج بند التعيينات الأمنية ورفض إقرار أي بند من دون بتِّها، إلى توجيه رسائل عدة الى حليفه، متمايزاً عنه، لأن أولويته الحفاظ على الحكومة تجنباً للفراغ الدستوري الكامل في السلطة. وتشير مصادر وزارية الى أن «حزب الله» استشعر أخطار تسبب تصعيد وزيري عون، باسيل وإلياس بوصعب، الموقف ضد الرئيس سلام، لأن الأخير سبق أن أبلغ وزير الحزب في الحكومة محمد فنيش خلال لقائه معه الثلثاء الماضي، قبل جلسة مجلس الوزراء بيومين، أنه لا يحتمل التصعيد العوني ضده، ومحاولة فرض نقطة على جدول الأعمال لا تحظى بالتوافق، وضرب صلاحياته. وعلمت «الحياة» أن فنيش دعا سلام الى تجنب التصادم في الجلسة فرد سلام بعد أن كان سمع اتهاماً من عون بأنه يمارس «الاحتيال» في مجلس الوزراء ومن باسيل «بالسرقة الموصوفة لحقوق المسيحيين وممارسة الداعشية»، قائلاً لفنيش: «لا تطلبوا مني شيئاً. أنا أكثر من تحمّل. هذه الأمانة التي أتولاها خذوها مني. إما أن أبقى كما أنا أمارس صلاحياتي وأتبع سياسة توفيقية أو تفضلوا أنتم وتحملوا المسؤولية. فأنتم تسايرون العماد عون. وأنا لا أمزح في ما أقول ولتحملي حدود بعد الذي سمعته...». وأبلغ سلام فنيش أنه لن يقبل بالتطاول عليه في جلسة الحكومة «وسأرد على أي كلام من هذا القبيل يقال عني وليكن ما يكون». وذكرت المصادر الوزارية، أنه على رغم أن وزيري «حزب الله» ووزير «المردة» روني عريجي ووزير الطاشناق أرتور نزاريان كانوا اتفقوا مع باسيل وبوصعب في اجتماع تنسيقي حصل عشية الجلسة على أنهم سيقفون مع بت التعيينات الأمنية قبل بحث أي بند آخر ومع مطالبتهما باستشارة الوزراء بوضع جدول الأعمال، فإن مداخلتي فنيش وزميله حسين الحاج حسن في الجلسة بعد الصدام الذي حصل بين باسيل وسلام الذي رفض اتهامه بمصادرة صلاحيات الرئاسة، بقيت في حدود الدعوة لتفهم مطالب عون من دون الموافقة على تهجم باسيل على رئيس الحكومة، بل إن فنيش التقط دعوة وزير الداخلية نهاد المشنوق الى مخرج يقضي بعدم كسر كلمة سلام بالقبول بإقرار بند سابق أقر في الحكومة، وبإقرار بند جديد يتعلق باعتمادات للمستشفيات، والبحث في مقاربة طريقة اتخاذ قرارات الحكومة في جلسة تعقد بعد الأعياد. وشارك فنيش المشنوق في صوغ المخرج، لعلمه أن سلام قد يذهب نحو الاستقالة بعد الذي حصل. واستخدم فنيش «دالّته» على باسيل ليقبل بالتسوية في مكتب سلام تفادياً لما يمكن أن يتسبب بتطيير الحكومة، التي يشكل بقاؤها عنصراً أساسياً من سياسة الحزب في ظل انشغاله بالمعارك في سورية. بري وجنبلاط واستدراك «حزب الله» وترى المصادر أن لموقف «حزب الله» المتمايز، تأثيراً في المواقف التي صدرت لاحقاً من بعض قوى 8 آذار، لا سيما رئيس تيار «المردة» سليمان فرنجية غير المقتنع أساساً، بغض النظر عن موقف «حزب الله»، بحملة عون وتحركه في الشارع. لكن تناغم فرنجية مع «حزب الله» برفض الفيديرالية كل على طريقته، والحرص على بقاء الحكومة... وتأييدهما توقيع مرسوم فتح دورة استثنائية للبرلمان خلافاً لعدم حماسة عون، شكلت دليلاً على أن الحزب يبعث برسائل التمايز عنه، سواء مباشرة أو بالتعاون مع حلفاء آخرين أبرزهم فرنجية، الذي ساءه اتخاذ عون القرارات ودعوته الآخرين للالتحاق به وتعرض فريقه لسلام وخروجه عن النقاط التي اتفق على أن يتضامن الحلفاء معه فيها. وكان سبق تفاقم الأمور الى هذه الدرجة، مداخلات وملاحظات على أداء «حزب الله» في العلاقة مع عون، من كل من رئيس البرلمان نبيه بري وفريق رئيس «اللقاء النيابي الديموقراطي» وليد جنبلاط، بوجوب استدراك سياسة المسايرة التي يمارسها حزب الله للعماد عون، وتؤدي الى مزيد من التعطيل للعمل الحكومي ومجلس النواب. وأوضحت مصادر نيابية وسياسية أن بري أبلغ، على طريقته، قيادة «الحزب» أنه لا يرى مصلحة في مهادنة التصعيد الذي يهز الحكومة وأنه مع معاودتها اجتماعاتها بعد تعليقها 3 أسابيع، خلافاً لرأي الحزب، الذي كان يدعو الى مزيد من التأجيل تحت عنوان السعي الى تسوية مع مطلب عون في شأن تقديم التعيينات الأمنية على أي بند. وبلغ استياء بري ذروته حين لزم الحزب الصمت على تكرار عون الحديث عن الفيديرالية في الأسابيع الماضية وأبلغ حليفه بهذا الاستياء، مؤكداً أنه لم يعد يحتمل هذه الدرجة من المسايرة للجنرال، فضلاً عن غضبه من عدم بذل الجهود لأجل فتح دورة استثنائية للبرلمان من أجل تشريع الضرورة بجدية وتأخر وزيري الحزب في توقيع مرسوم فتح هذه الدورة. ونقل عنه قوله: «إذا حاز المرسوم على توقيع نصف عدد الوزراء زائد واحداً سأمشي به وأدعو الى جلسة. سواء وقّع الحزب أم لا. وإذا لم يوقعوا المرسوم وتعذر تأمين الأكثرية لإنفاذه فليتحمل الذين لن يوقعوا المسؤولية، لأن التشريع ليس من أجلي بل لمصلحة البلد». أما فريق جنبلاط، فأبلغ «حزب الله» أن الموقف الذي سمعه الوزير فنيش من سلام يجب أن يؤخذ بجدية، وأن مسايرة قيادته تصعيد العماد عون قد تفضي الى موقف من رئيس الحكومة يطيحها، وليس جائزاً مماشاة التصعيد الذي يتعرض له. وإذ تعتقد المصادر النيابية والسياسية أن «حزب الله» سعى الى استدراك الوضع و «عسى ألا يكون تأخر»، فإنها تسأل عن كيفية الإفادة من الأسبوعين المقبلين لابتداع مخارج حين يلتئم مجلس الوزراء بعد عيد الفطر لمناقشة ما يسميه سلام «المقاربة المطلوبة لكيفية اتخاذ القرارات في مجلس الوزراء». ويرفض سلام تعبير «آلية القرارات» في الحكومة، لاعتقاده أنه يوحي بترسيخ قواعد للعمل في ظل الشغور الرئاسي «يسمح بالركون الى أن البلد يمكن أن يستمر بلا رئيس للجمهورية، وهذا منزلق خطير وسابقة غير سليمة تكرس الشواذ». وبينما يعتبر الوزير باسيل أن إقرار سلام ببحث طريقة اتخاذ القرارات الحكومية نقطة لمصلحة «التيار الحر»، فإن مصدراً في «التيار» يرى أن المشكلة لم تكن في الآلية بل في موضوع التعيينات الأمنية وتحديداً تعيين قائد للجيش. ويرى مصدر وزاري أنه فضلاً عن أن وزيري عون طلبا البحث في طريقة اتخاذ القرارات بسبب الخلاف على إدراج بند تعيين قائد الجيش على جدول الأعمال، وأصرا على الإجماع في اتخاذ القرارات مقابل تأييد سلام التوافق من دون تعطيل أي بند، فإن هذا البحث يعيد الحكومة الى الحلقة المفرغة. ويضيف: «حتى لو اتبع الإجماع، وطرح بند تعيين قائد للجيش، واعترض فريق على الاسم الذي يريده العماد عون، فإنه لن يمر، وإذا اتفق على اعتماد مبدأ التوافق، فإنه لن يمر أيضاً، وسيعود الخيار الى التمديد للقادة الأمنيين والعسكريين». السنيورة - فرنجية ومرشح عون ويقول مصدر أن اتصالات الأسبوعين المقبلين يفترض أن تتم لضمان التهدئة واستيعاب التأزم، على قاعدة أنه إذا كان إمكان تعيين من يرشحه العماد عون لقيادة الجيش العميد شامل روكز ضئيلاً، فإنه بات مستبعداً بعد التصعيد الذي حصل، حتى عند فرقاء كانوا يعتقدون بإمكان مسايرته لفض الاشتباك في البلد. ولا يملك أي من الباحثين عن مخرج للأزمة قبل اجتماع مجلس الوزراء المقبل، تصوراً واضحاً حتى الآن، لكن ما أفرزه التصعيد الأخير، أطلق اتصالات بعيدة من الأضواء على قاعدة فرز المواقف من الذي حصل. وفي هذا السياق، أجرى رئيس كتلة «المستقبل» النيابية فؤاد السنيورة اتصالاً هو الأول من نوعه بالنائب فرنجية، مقدراً له موقفه حيال الفيديرالية وإزاء التصعيد الذي حصل. وقالت مصادر «الكتلة» إن السنيورة أجرى مروحة واسعة من الاتصالات للتشاور حول المرحلة المقبلة مع العديد من القيادات الوسطية وفي 14 آذار و8 آذار، على قاعدة أن دقة الوضع لم تعد تحصر المواقف بين 8 و14 آذار، بل إن المواقف تداخلت وتشعبت بشكل يوجب تخطي حواجز الخلافات السابقة. وركزت على أن خطاب زعيم تيار «المستقبل» اليوم سيتناول التأزم في البلاد بهذه الروحية، ويدعو إلى الحوار مع كل الأطراف من دون استثناء. وهناك قناعة في «المستقبل» بأن هذا الحوار يجب أن يشمل الجميع بمن فيهم العماد عون. وفي هذا الوقت، تعتقد المصادر أن ما حصل يفرض مراجعة داخل «التيار الحر» حول أسلوب التعاطي مع الوضع في البلاد، خصوصاً أنه مقبل على مؤتمر وانتخابات قيادته الجديدة التي ستحدد التوجهات المستقبلية للتيار العوني، إن في ما يخص الرئاسة أو غيرها، على ضوء نتائج التصعيد الأخير، الذي قد يكون تسبب بزيادة الصعوبات أمام ترشح العماد عون إليها. وترى مصادر نيابية أن المواجهة الأخيرة بررت لرافضي دعم عون للرئاسة أسباب رفضهم له.