ولّدت كارثة جدة سلسلة تبعات سلبية طالت «المغلوبين على أمرهم» من سكانها، الذين سحبوا «قسراً» إلى دوامة من الانعكاسات المتتالية لتلك الفاجعة المأساوية، التي غيرت «معالم» حياتهم منذ مغيب شمس «الأربعاء الأسود». حين خيمت حالة من الفزع على «الجداويين» الذين ظللتهم غيمة «القلق» من تكرار سيول «الألم»، أجبرت ألسنتهم على «لوك» عبارات «الرعب» وجمل «الهلع» عبر مصطلحات «مأساوية» استحدثوها بعد الفاجعة، شكّلت «عناوين عريضة» ل«معاناتهم». ومنذ زهاء الشهرين، لا يكاد سامر ندماء وجلاّس أي من التجمعات الاجتماعية في جدة من دون أن تتداول مفردات «المطر»، و«التصريف»، و«بحيرة المسك»، و«حمى الضنك»، و«مستنقع»، و«تلوّث»، و«غيم»، و«السيل» لتدل على موجة «القلق» التي تفشت أخيراً، بعد الكارثة. ويرى البعض أن «سيول الفضيحة» وعلى رغم الأضرار التي خلفتها والأوضاع الإنسانية المأساوية التي نتجت منها، إلا أنها أسهمت في تسليط الضوء على جوانب مظلمة «لم يلتفت إليها سابقاً»، تتعلق بحجم الخلل والمعاناة داخل الأحياء الشعبية. فضلاً عن ترسيخها ل «ثقافة الكارثة» ونشر مصطلحاتها التي ترتبط عادة ب «الخوف»، وتذكّر بها. إذ إن المطر لم يكن يوماً مدعاة ل «القلق»، أو سبباً ل«حبس» السكان في منازلهم، إلا أن ذلك الانطباع القديم عن المطر قد تغير، ليصبح مرادفاً ل«الخوف» و«الحذر» معاً. ولتشير مفردتي «سيل» و«بحيرة» بحسب هذه «الثقافة المستحدثة» إلى مصدر الخطر «رقم 1»، بعد أن كانت صوراً طبيعية تستهوي أهل جدة، سابقاً!. وفيما تشير مفردات «مسك»، و«بحيرة»، و«سد» إلى هاجس خطر «بحيرة الصرف الصحي» الذي حظي بنصيب وافر من حديث «الشارع الجداويّ»، سجلت التبعات البيئية ل «المأساة» حضورها هي الأخرى في «ثقافة الكارثة»، إذ مفردات «بعوض»، و«حمى»، و«ض. ن. ك» تلمح أيضاً إلى جو الرعب الذي يطوّق سكان «العروس» من احتمال تفجّر أزمة «بيئية»، مستقبلاً. إلى ذلك، عزا اختصاصي المجتمع والأسرة جميل نعماني على ظاهرة تفشي «ثقافة الكارثة» في جدة، إثر ظهور مصطلحات «مأساوية» يتداولها سكان جدة وبعض المناطق القريبة منها، إلى أسباب عدة، في مقدمها «التحذير ونقل المعلومة التي قد تغيب»، وقال ل «الحياة»: «لا شك أن الحدث كان كبيراً وتبعاته مستمرة سواء على المستوى الرسمي أو الاجتماعي، وكان من الطبيعي أن نسمع ونتكلم بلسان الواقع الذي كان وما زال مخيفاً في بعض أحياء جدة». مؤكداً أن العامل النفسي لعب دوراً كبيراً في صياغة أحاديث الناس والرسائل التي تناقلوها عبر هواتفهم المحمولة. واعتبر حالات التعبير والنقاش التي تدور في الأماكن العامة واستخدام «الجداويين» للمصطلحات «الكارثية» نوعاً من «وسائل التفريغ عن الذات، والتنفيس عن النفس».