لأنها صادفت السبت، وهو يوم عطلة عادية، تحولت إجازة الإحتفال بالرابع من تموز (يوليو)، (عيد الاستقلال الأميركي) الى الجمعة، وهي مناسبة لسياحات واستعراضات شتى، لا سيما وسط «المول الوطني» الذي يضم المباني الحكومية الأبرز في العاصمة واشنطن، ومنها البيت الأبيض. لم تمنع الحرارة المرتفعة والرطوبة الخانقة، تحول المنطقة الى احتفال مفتوح للثقافات التي يتشكل منها المجتمع الأميركي. وحضرت الازياء الوطنية الهندية والآسيوية واللاتينية على أجساد الآلاف ممن قصدوا «المجمع الوطني» في العاصمة التي شهدت المزيد من الإجراءات الأمنية، بعد نحو 24 ساعة من «شبهات» اعتداء استدعت قطع الطرق الى منطقة عسكرية مطلة على نهر بوتاماك، فضلاً عن الأحاديث والمواقف الرسمية والإعلامية التي تكشف عن تزايد خطر «التهديدات الإرهابية» من داخل الولاياتالمتحدة. الساحة أمام البيت الابيض، تشكل عادة تجمعاً لمن يهوى توثيق وجوده أمام بيت رئيس «القوة الاكبر» في العالم. فهي أيضاً، مكان للاستعراضات السياسية والمواقف الغاضبة، الا انها تنفتح للدعوات الفكرية والدينية. وفي ظهيرة أول من أمس، وجد مؤمنون من ديانات عدة في تجمع الناس أمام البيت الأبيض احتفالاً بالرابع من تموز، فرصة للترويج والدعوة السلمية. فثمة من رفع شعاراً يؤكد ان «المسيحيين هم مؤيدون لإسرائيل»، فيما رفع آخر شعار «يهود من أجل يسوع»... لكن المشهد الأكثر تأثيراً وجذباً للاهتمام، كان لشخص مسلم رفع الآذان، ثم قام بأداء صلاة الظهر، وسط حركة المئات ممن لم يتقاطعوا مع الرجل وأفسحوا المجال له ليؤدي فريضته بحرية. رمضان الواشنطني نهار الصيف الواشنطني طويل، ويمتد حوالى 15 ساعة، ومع اشتداد الرطوبة وارتفاع درجة الحرارة، يكون الصوم طويلاً وشاقاً. لكن هذا لم يمنع مسلمين كثراً من التزام فريضة الشهر الحالي الذي بدأ مع إفطار في البيت الابيض شاركت فيه شخصيات مؤثرة في المجتمع المسلم الاميركي، في حضور الرئيس باراك أوباما. وهو تقليد أطلقه قبل 19 سنة الرئيس بيل كلينتون، حين أقام إفطاراً حرص أسلافه على الالتزام به ل«تكون فرصة يلتقي خلالها الرئيس أبرز الشخصيات المسلمة من مواطني الولاياتالمتحدة». وفي حين تكون المحال التجارية الإسلامية التي يطلق عليها تسمية «حلالكو»، تهيأت لشهر الصيام، فإن حركة التسوق فيها تشهد مرحلة الذروة، في الفترة ما بعد نهاية العمل (5 عصراً حتى الغروب) في استعادة لأجواء المدن الاسلامية، فضلاً عن استعدادات لمآدب إفطار وصلوات في الجوامع والمراكز الاسلامية، صارت طقساً اجتماعيا وثقافياً، يعزز فكرة الهوية خارج «الصورة النمطية» التي تربط المسلم بالعنف والتشدد. وهذا الجانب «الثقافي – الاجتماعي» في الشهر الفضيل، لم يعد حكراً على المراكز الدينية الاسلامية، بل ان مقهى «باص بويز أند بويتس» احد أمكنة تجمع الليبراليين الأكثر شهرة في واشنطن، والذي يديره المرشح السابق لمنصب عمدة العاصمة الاميركية، العراقي الاصل، آندي (أنس) شلال، انفتح على هذا المعطى الثقافي والاجتماعي في رمضان، ولم يرَ صاحبه في حديث الى «الحياة»، في الاحتفاء بشهر الصوم، عبر «افطار رمضاني» تعارضاً مع سياق المكان الذي اصبح ملازماً للنشاطات الثقافية الليبرالية - العلمانية المناهضة للوحشية الرأسمالية، وقيم الحروب والعدوان.