كان مفاجئاً أن ملحن بعض أغاني فارس كرم الفولكلورية الطابع والراقصة، والأقرب إلى الأهزوجة الشعبية، هو نفسه ملحن بعض الأغاني الرومانسية العاطفية، وآخرها «عَ بالي حبيبي» لإليسا، ذات المعاني النديّة موسيقياً وشعرياً وهي من تأليف فارس اسكندر. إنه الملحن سليم سلامة الذي إذا لحن غناءً شعبياً أجاده إلى درجة الخصوصية التعبيرية الإيقاعية، وإذا لحن غناءً كلاسيكياً أجاده حتى ليبدو متخصصاً فيه. والواقع أن سلامة متخصص في فهم النص الغنائي وإعطائه ما يناسبه، مع قدرة كبيرة على التحكّم بالجملة اللحنية التي يقودها بدلاً من أن تقوده ... والقيادة صعبة في عملية تلحين أي أغنية، بل هي المؤشر إلى مستوى الملحن نفسه، وهي التي تميّزه بين أن يكون محترفاً أو هاوياً ... ذلك أن الإحتراف يمنح سليم سلامة، إذا ما خطرت له جملة لحنية لنصّ بين يديه، أن يتبيّن أولاً هل هي جملة حقيقية يُعتمد عليها ويُعْتَدّ بها فيعالجها ويتصرّف بها، أم أنها جملة عابرة لا تستحق الوقوف عندها. تماماً كالشاعر الذي يعرف فوراً ما إذا كانت الجملة التي مرت في رأسه، أو دوّنها على ورق، تستحق أن تكون بدايةً لقصيدة أو لا. والاحتراف هو الميزان في الحالين. الاحتراف بمعنى إدراك الجِدَّة أو العادية في كل جملة تحضر سواءً لحناً أم شعراً ... في أغنية اليسا الجديدة «عَ بالي حبيبي» مناجاة صافية، ورسم لحلم جميل يمرّ في خيال عاشقة تريد أن تكون لحبيبها حبيبة وعروساً وزوجة ثم أمّاً لأولاده. هي فكرة تطرق أبواب كل عاشق، لكن فارس اسكندر رتّبها ترتيباً منطقياً ومتسلسلاً، ثم جاء دور سليم سلامة الذي لم يكن يلحن، وهو يلحن، بل كان غارقاً في ذلك الحلم، مشاركاً فيه، متنقّلاً في عناصره وأدواته. ولعل صوت اليسا الذي اتخذ في نتاج السنتين الأخيرتين شكل اليد اللطيفة التي تمسح على الجبين الحزين، والابتسامة التي تكشف عن العين المضيئة، غاص في المعاني والنوتات، وذاب. هي حالة أقرب إلى الذوبان مارسها صوت اليسا في أغنية «عَ بالي حبيبي» التي من الممكن أن تحتل على مستوى الجمهور موقعاً في «مناسبات الزواج» مثلاً كأنْ تتحوّل رقصة رومانسية فيها، لا سيما أن موضوعها من هذا النبع العاطفي. كأن أليسا، في حفلات الأعراس التي تدعى إلى إحيائها، كانت تشعر بنقص في هذا المجال، فابتدعت أو طلبت أغنية مناسبة جاءتها كما أرادت، أو ربما أكثر حميمية مما أرادت، وهي أغنية تعتبر من أبرز أغاني الألبوم ... وسنة بعد سنة يكتسب صوت اليسا جاهزية إدائية عالية جداً، تحديداً في الغناء الرومانسي. لقد أدركت اليسا بحكم التجربة، وبحكم ردود الأفعال الإعلامية والشعبية على نوعية أغانيها، أن ساحة الغناء العربي، لا اللبناني فحسب، في حاجة إلى أصوات لا تتّخذ «الإيقاع» طريقاً، وأغلبهم يستخدمونه سطحياً، ولا تتخذ المنحى الإيقاعي الثقيل الذي يسمّونه «طربياً»، بل اختيار الغناء العاطفي الرومانسي، الجديد نسبياً في «طربيّته»، وقد نجحت في تكريسه إنتاجياً وشعبياً وحتى بين بعض زميلاتها اللواتي بدأنَ يقلّدنها ... سليم سلامة في «عَ بالي حبيبي» لا يلحن للمرة الأولى لاليسا. قبل ذلك كانت له أغان ناجحة، لكن هذه الأغنية بالذات قد تتجاوز حتى الإطار المألوف للانتشار والنجاح. هناك شحنات أنثوية راقية في صوت اليسا، أطلقها سليم سلامة، أكثر من السابق وأعمق من السابق. وعلى الأرجح تلاقت خبرة الملحن مع خبرة الصوت في الأغنية المناسبة ولو بعد حين. «عَ بالي حبيبي» هي على بال كل من فكّر يوماً في بناء حياة مع شريك جميل ...