كان توجه البرتغال إلى المحيط الأطلسي، ومحاولتهم الالتفاف حول العالم الإسلامي في وقت بدأت أوروبا عصر الاكتشافات الجغرافية، وكانت البرتغال في مطلعها بفضل الأمير هنري الملاح الذي اهتم كثيراً بتطوير قدرات بلاده البحرية، والسعي لاكتشاف الطرق البحرية الجديدة والعالم الجديد، فبدأت الاستكشافات تتوالى، حتى إن ملك البرتغال عمانويل الأول أعلن أهداف الحملات البرتغالية قائلًا: «الغرض من اكتشاف الطريق البحري إلى الهند هو نشر النصرانية والحصول على ثروات الشرق». وهكذا يظهر للباحث المنصف أن الدافع الديني للكشوف البرتغالية كان من أهم العوامل التي دفعت البرتغال لارتياد البحار والالتفاف حول العالم الإسلامي، كما كان الدافع الاقتصادي في الدرجة الثانية عاملًا مؤثراً في سير الكشوف الجغرافية البرتغالية، فقد سهل اكتشاف طريق رأس الرجاء الصالح في عام (904ه/ 1497م) بواسطة فاسكو دي غاما مهمة وصول منتجات الشرق الأقصى للأسواق الأوروبية من دون الحاجة إلى مرورها من طريق مصر. وبدأت البرتغال تتوسع تدريجياً من غرب أفريقيا إلى شرق أفريقيا، وتقيم موانئها في الجزيرة العربية، وأنشأوا سلسلة من المراكز التجارية على الساحل الهندي بين سنتي (1500 و1505)، كما استولوا على مضيق هرمز على مدخل الخليج العربي عام 1507، ومنه اتجهت البرتغال إلى غرب الهند لتقيم رؤوساً تجارية لها، وتبدأ في تغيير الخريطة التجارية الدولية بشكل مفاجئ. تلاقت مصالح هذه الدولة مع الدولة المملوكية في مطلع القرن ال16 ومعهما الجمهوريات التجارية الأوروبية، فضلاً عن جمهورية كجرات في شمال شرقي الهند، التي بدأت تعاني من التهميش البرتغالي بعد أن كانت تجارتها مزدهرة، وبدا من الضروري إيجاد تسوية لهذه المشكلة الحقيقية التي باتت تهددهم جميعاً. شعر المماليك بالمسؤولية على رغم المشكلات التي كانت تعيشها دولتهم، وبذلوا ما في استطاعتهم للحد من وصول البرتغاليين إلى الأماكن المقدسة، وكان الحل الوحيد أمام تلك القوى الإسلامية هو الاتحاد، خصوصاً بعدما أوفدت البندقية مراسليها لبناء هذا التحالف، وأبدت استعداداً كبيراً للمساهمة في النشاط العسكري للتخلص من الخطر البرتغالي الجديد، وتم إرسال السفن الحربية إلى مصر بمساعدة البندقية والدولة العثمانية، وبالفعل وصلت السفن إلى موانئ البحر المتوسط وتم تفكيكها، ومنها إلى البحر الأحمر. قام السلطان قانصوه الغوري سلطان المماليك بإعداد حملة بحرية كبيرة ضد البرتغاليين، وأسند القيادة إلى حسين الكردي، نائب السلطان في جدة، وأبحر حسين الكردي على رأس قوته في عام 1505 للبدء في مراقبة البرتغاليين، وفي عام 1508 أقام السلطان قانصوه الغوري حلفاً مع محمود بغارها سلطان غواجرت (جمهورية كجرات)؛ للقضاء على التدخل البرتغالي في التجارة بين الهندوالبحر الأحمر. كانت الحملة البحرية التي أرسلها السلطان قانصوه الغوري بقيادة حسين الكردي مكونة من 13 سفينة، عليه 1500 رجل، وجاءت المبشرات الأولية إيجابية للأسطول المملوكي، فتوجه الكردي إلى مالابار Malabar بساحل الهند وأرسى سفنه في مرفأ ديو، ثم قام حسين الكردي بالبحث عن السفن البرتغالية فالتقى بها على مدينة غوا على ساحل مالابار. دخل الأسطول المملوكي في معركة هامة مع البرتغاليين عرفت تاريخياً باسم معركة شاول CHAUL، أو موقعة غوا Goa غرب الهند، وتطل على بحر العرب في الغرب، وذلك في عام (914ه/1508) وكانت النتيجة هزيمة القوة البحرية البرتغالية التي كان يقودها لورنزو ابن الوالي البرتغالي فرانسيسكو دي ألميدا الذي قتل في المعركة، وهو ما جعل والده مصمماً على الثأر له بكل ثمن، إلى الحد الذي دفعه لرفض قرار ملك البرتغال بتغييره، ووضع حاكماً برتغالياً جديداً بدلاً منه، وذلك لحين الثأر لابنه. البرتغاليون بقيادة فرانسيسكو دي ألميدا أقدموا على احتلال عدد من المواقع الإسلامية على الساحل الهندي في أول عام 1509، ومنها غوا ودابول. وفي (915ه/1509) اكتشف فرانسيسكو وجود أسطول المماليك والتحالف الإسلامي قرب ديو، فشن هجوماً فورياً أدى إلى تدمير الأسطول الإسلامي، فاضطر الأمير حسن الكردي إلى العودة إلى جدة بمن بقي معه، وكان هذا الانتصار البرتغالي له أكبر الأثر في رسو قدمهم على سواحل الهند، واستيلائهم على مدينة ظفار. وهكذا حسمت المعركة لصالح البرتغاليين على رغم التفوق النسبي في عدد السفن والمقاتلين لصالح المماليك، وذلك لأن البرتغاليين كانوا أكثر تقدماً في بناء السفن والتكتيكات البحرية من نظرائهم المصريين أو حلفائهم من الهنود والعثمانيين، كما أن البحرية المملوكية لم تكن لديها القدرة على التفوق التكتيكي بسبب غياب المدفعية الثقيلة لأسباب مرتبطة بحجم السفن وهيكلها، وهو ما أعطى البرتغاليين التفوق الكامل، خصوصاً بعدما لجأ المماليك لمحاولة البقاء بالقرب من الشاطئ اعتماداً على غطاء المدفعية التي توفرها القاعدة العسكرية لميناء ديو في مواجهة التفوق البرتغالي. أدت الهزيمة الثقيلة في معركة ديو البحرية إلى نتائج دولية كبيرة، فلقد انفرد البرتغاليون بطريق التجارة الجديد، مما سمح لهم بأن يمدوا نفوذهم من اليابان شرقاً إلى البرازيل غرباً، وسيطروا على طريق التجارة الآسيوية بعدما انخفضت أسعار التوابل والمنسوجات الحريرية الآسيوية الموردة إلى أوروبا.