يبدو أن مفاوضات تشكيل حكومة ائتلافية تسير في شكل أسرع مما توقعه الجميع في تركيا. فقبل افتتاح البرلمان الجديد غداً وانتخاب رئيس جديد له، بدأ حديث عن التوصل إلى اتفاق مبدئي بين حزب «العدالة والتنمية» بزعامة أحمد داود أوغلو، وحزب «الحركة القومية» بزعامة دولت باهشلي، لتشكيل حكومة ائتلافية، بعد تقديم الطرفين «تنازلات» للتوصل إلى برنامج مشترك. وتفيد تسريبات من تفاصيل الاتفاق بأن القوميين سيحصلون على ثماني وزارات، بينها اثنتان في منصب نائب رئيس الوزراء، ووزارة الخارجية التي رُشِّح لتوليها الأمين العام السابق لمنظمة التعاون الإسلامي أكمل الدين إحسان أوغلو، إضافة إلى وزارتَي الداخلية والاقتصاد. وتشير معلومات إلى أن «العدالة والتنمية» لن يعرقل إعادة فتح ملفات الفساد الخاصة بوزرائه الأربعة السابقين، بما يشي بتراجع القوميين عن شرط فتح ملفات الفساد المتعلقة بأردوغان ونجله بلال. كما سيُترك للأخير تحديد صلاحياته الرئاسية، ويُفهم من ذلك أن الحكومة لن توجه أي انتقاد له. لكن أردوغان سيمتنع عن التدخل في شؤون الحكومة، ما يؤشر إلى تراجع القوميين عن شرط خروج الرئيس من قصره الجديد، وعودته إلى قصره القديم. ويبدو داود أوغلو الرابح الأكبر من هذا السيناريو، في حال حصوله، اذ يكون بذلك حافظ لأردوغان على الحصانة التي وعده بها، وسلّم القوميين ملفَي الاقتصاد والسياسة الخارجية، من أجل ضمان عدم تدخل الرئيس في الاقتصاد وإحداث القوميين تغييرات كبرى في السياسة الخارجية، تؤمن تصحيح مسار العلاقات التركية – العربية. كما أن إعادة فتح ملفات فساد الوزراء، ما عاد أمراً يمكن للحكومة الحالية منعه، بسبب الغالبية العددية للمعارضة في البرلمان. الشرط الوحيد الذي قد يزعج داود أوغلو وحزبه، هو تعديل مسيرة التسوية السلمية للقضية الكردية ووقف الحوار مع زعيم «حزب العمال الكردستاني» عبدالله أوجلان، والعمل في شكل واسع على «توسيع الديموقراطية في تركيا» وفق التعبير الذي اتُفِق عليه مع القوميين في هذا الصدد. لكن هذا الأمر يأتي في إطار رغبة أردوغان الذي يرفع راية «التصدي للتوسّع الكردي في سورية» الآن، ويعتقد مقرّبون من الحزب الحاكم بأن هذه السياسة هي التي دفعت الحكومة إلى التفكير في ائتلاف مع القوميين. وكان باهشلي أول زعيم في المعارضة أعلن عشية ظهور نتائج الانتخابات النيابية، رفضه القاطع التحالف مع داود أوغلو، وعزمه على البقاء في صفوف المعارضة. كما رفض باهشلي اقتراحاً بتشكيل حكومة مع «حزب الشعب الجمهوري» المعارضة، بدعم من الأكراد. لكن العارفين بتاريخ الحزب القومي يؤكدون أن أولويته تتمثّل في الحصول على وزارات يمكنه تعيين كوادره فيها، وأن يبلغ ناخبيه أنه وصل إلى الحكم، على رغم حلوله ثالثاً في السباق الانتخابي. لكن كثيرين يتوقعون ألا يستمر الائتلاف الحكومي طويلاً، وأن يدبّ خلاف بين الطرفين بعد ستة أشهر، في أسلوب التعامل مع الملف الكردي، لتحتكم تركيا إلى انتخابات مبكرة.