تحولت الساحة السياسية في تركيا إلى أشبه برقعة شطرنج يقف عند أحد طرفيها الرئيس رجب طيب أردوغان ورئيس الوزراء أحمد داود أوغلو وحزبهما «العدالة والتنمية»، وعند الطرف الآخر أحزاب المعارضة الثلاثة التي كسبت مقاعد في الانتخابات البرلمانية الأحد الماضي. وينتظر كل طرف خطوة الآخر ليحسب خطوته التالية بدقة وحذر. فموازين القوى لم تعد تميل لمصلحة أي طرف مع انتقال الغالبية البرلمانية إلى المعارضة التي باتت تتحكم بمصير أي مشروع على صعيد إقراره أو رفضه أو تعديله إذا اتفقت. ويبدو أن انتخاب رئيس جديد للبرلمان الجديد في الأيام القليلة المقبلة سيكون أول اختبار للنيات وأهمه، ويحمل أول إشارات للتحالفات السياسية المرتقبة. وللمرة الأولى منذ 13 سنة يبدو «العدالة والتنمية» غير قادر على انتخاب رئيس للبرلمان من فريقه، فيما تصر المعارضة على اقتناص المنصب الذي يتولى الرئاسة بالإنابة خلال سفر الرئيس، ويضع الأجندة اليومية للبرلمان ويقرر المواضيع التي ستناقش، وهو ما حرمت منه المعارضة طوال هذه الفترة. ويتقدم البروفيسور أكمل الدين إحسان أوغلو لائحة الأسماء المطروحة لرئاسة البرلمان، بعدما اختارته المعارضة مرشحها للانتخابات الرئاسية العام الماضي، وهو الآن نائب عن حزب الحركة القومية. وتحضيراً للجلسة الافتتاحية للبرلمان الجديد، التقى أردوغان غريمه السابق النائب عن حزب الشعب الجمهوري وزعيمه السابق دنيز بايكال الذي سيترأس الجلسة باعتباره النائب الأكبر سناً وفق النظام الداخلي. وقال بايكال بعد اللقاء أن «الرئيس أردوغان يرغب في رؤية حكومة ائتلافية تنقذ البلاد من خطر عدم الاستقرار». وفي مناورات المفاوضات والوساطات السرية بين أحزاب المعارضة، كل على حدة، وحزب «العدالة والتنمية»، يبدو أن كل طرف يستخدم سلاحه من دون أن يشهره، فالمعارضة تؤكد من تحت الطاولة قدرتها على إقرار قوانين تزعج الحكومة، مثل نقل الرئيس من قصره الحالي وإعادته إلى قصره القديم التزاماً بحكم القضاء، أو إعادة فتح تحقيق في قضايا فساد مع 4 وزراء سابقين وبلال أردوغان، نجل الرئيس، أو فتح ملفات إمداد المعارضة السورية بالسلاح. أما «العدالة والتنمية»، فيهدد بالاحتكام إلى انتخابات مبكرة قد يغيّر الناخب فيها رأيه، بعد إدراكه أن التصويت للمعارضة سيُعيد تركيا إلى مأزق عدم الاستقرار وعدم إمكان تشكيل حكومة. وعموماً، تخشى أحزاب المعارضة المشاركة في حكومة ائتلافية مع الحكومة بلا ضمانات، أو مواجهة انتخابات مبكرة يفرضها «العدالة والتنمية» بعد نحو سنة قد تكفي لخسارة أحزابها صدقيتهم لدى الناخبين. في غضون ذلك، تعمل قيادات في حزب «العدالة والتنمية» لإقناع الرئيس أردوغان بالانسحاب من الساحة السياسية بعض الشيء، والعمل لإبرام اتفاق دقيق حول صلاحياته وعرضه على أحزاب المعارضة للوصول إلى حل وسط لتشكيل حكومة. وبينما يصر كل أحزاب المعارضة على تحديد صلاحيات الرئيس وترفض تدخله في شؤون الحكومة، يشترط داود أوغلو عدم المس بسلطات أردوغان ودوره خلال المفاوضات مع أي حزب على تشكيل الحكومة الجديدة.