مع تواصل محاكمة الطلاب النقابيين في تونس واشتداد التضييق ضدّ نشطاء «الاتحاد العام لطلبة تونس»، يلجأ العشرات من مؤيدي «الاتحاد» إلى شبكة الانترنت للتنديد بالمحاكمات التي يتعرّض لها زملاؤهم وللتعريف بنشاطاتهم وتنسيق الجهود في ما بينهم في وقت شدّد ما بات يعرف ب «الأمن الجامعيّ» قبضته على مؤسسات التعليم العالي. الأحكام التي صدرت في 21 كانون الاول (ديسمبر) 2009 ضدّ 16 طالباً خاضوا تحركاً احتجاجياً في جامعة «منوبة» للمطالبة بحقّ زميلاتهنّ الفتيات في السكن في المبيت الجامعيّ التابع لوزارة التعليم العالي، كانت حادثاً قاد لاحقاً لإطلاق حملات مساندة واسعة احتضنتها المنتديات الاجتماعية والمدونات والمواقع الإخبارية التونسية والعربيّة. واستقطبت حملات المساندة الالكترونيّة طلاباً عرباً من دول الخليج ومصر والمغرب وغيرهم ممّن عبّر عن مساندته لما يقوم به الطلاب التونسيون على الشبكة. ويقول النقابيّ وسام الصغيّر المكلّف بالإعلام في «اللجنة الوطنية للدفاع عن مسجوني ومطرودي الحركة الطالبية» التي تأسست بعد صدور الأحكام ل «الحياة» :»صدرت أحكام قاسية ضدّ رفاقنا الطلبة الذين لم يرتكبوا جرماً عندما خاضوا تحركاً احتجاجياً للمطالبة بحقّ زميلاتنا في السكن». واستناداً إلى الصغيّر فإنّ السلطات التونسيّة «لفقت تهم حقّ عام ضدّ المسجونين منها تعطيل حرية الخدمة والسرقة والإضرار عمداً بأملاك عامة وإحداث الهرج والتشويش». وأوضح: «اعتدنا على هذا الأسلوب الكيديّ ولن ندخر جهداً في سبيل إطلاق سراح زملائنا ولاحظنا تجاوباً كبيراً بين عموم الطلبة فهبوا لمساندة زملائهم سواء عبر الفضاء الافتراضيّ أم داخل الجامعات». وغالباً ما يتعرض الطلبة النقابيون في تونس للمنع من قبل «الأمن الجامعيّ» ما جعل قدرتهم على خوض تحركات كبيرة تتقلص في شكل لافت، فوجد كثيرون منهم في الانترنت محملاً جيداً للتعريف بما يسمونه «مظلمة سُلطت على كوادر الحركة الطالبية». شبكة «فايسبوك» الاجتماعية والتي يكاد عدد المشتركين فيها من التونسيين يبلغ مليون مشترك ومعظمهم من الشباب، استأثرت بنصيب الأسد من تلك التحركات الاحتجاجية الافتراضية أو ما يحلو للبعض تسميته ب «النضال الافتراضيّ». أنشأ الطلبة عدداً كبيراً من المجموعات التي تدعو في معظمها إلى إخلاء سبيل المعتقلين من دون قيد أو شرط ، ومنها «من أجل إطلاق سراح الطلبة المساجين في قضية منوبة» و «الحرية ... للطلبة المساجين» و «من أجل إضراب وطني عن الدراسة تضامناً مع الطلبة المسجونين» وغيرها. وعبر تلك المجموعات تثار قضايا الحركة الطالبية، ويعبّر الطلبة التونسيون والأجانب عن مساندتهم للمعتقلين إما بالكتابة على جدران تلك المجموعات أو بنشر تدوينات تساندهم أو ببثّ صور ومقاطع فيديو تتضمّن أغاني ملتزمة وصور المُعتقلين وسيرة ذاتية لكلّ واحد منهم. سكينة (25 سنة) طالبة سنة ثالثة لغة انكليزية، ترى أنّ الطلبة وقعوا في الفخّ الذي نصبته السلطات لهم، فقد نسجوا على منوال المعارضين والحقوقيين والتحقوا بالنضال الافتراضيّ الذي «لا يمكن أن يعوّض العمل الميداني بأيّ شكل من الإشكال». وتتابع سكينة: «من مصلحة السلطات أن تنكفئ الكوادر النقابيّة على ذاتها عبر النت ولا تحرج الحكومة بتحركات صاخبة في الكليات والشوارع». ولا يتفق الطلبة المشرفون على تلك الحملات مع ما تقوله سكينة إذ يرى بعضهم أنّ «الانترنت وسيلة للإعلام وتنسيق الجهود فحسب، وهي لم تعوّض الاجتماعات العامة والاعتصامات والإضرابات وما تواصل اعتقال الطلبة والاعتداء عليهم بالعنف من قبل الشرطة، إلا دليل على أن النقابيين لم ينساقوا وراء الافتراضيّ وينسوا واقعهم». وتطوّر عدد مستعملي شبكة الانترنت في تونس في شكل سريع ليصل إلى مليونين و 960 ألف مستعمل في نيسان (أبريل) من العام 2009 وهو ما يعادل 28284 مستعملاً لكل 100 ألف مواطن، ويشكّل الشباب الغالبية المطلقة منهم. ويؤكد الصغيّر أنّ «الانترنت سهّلت مهمة الإعلام لكنها لن تعوّض العمل الميداني الذي يكون في الساحات وهو ليس حكراً على قيادات الاتحاد العام لطلبة تونس ومؤيديه فحسب، بل يتجاوزهم إلى عموم الطلبة، وجميعهم مدعوّون إلى المشاركة إما بالمساندة واما باقتراح طرق نضالية جديدة». لكن النشاط الالكتروني لا يعني أنه بمنأى عن المشاكل. فالرقابة الالكترونية واقفة في المرصاد كعادتها، وحجبت معظم تلك المجموعات والمدونات التي أطلقت للتعريف بقضية «طلبة منوبة» المعتقلين، لكنّ ذلك لم يضعف عزيمة الشباب الذين اعتادوا الحجب وابتكروا بدورهم طرقاً للالتفاف عليه.