أكد خبير إعلامي دولي أن الواقع الإعلامي السعودي يشهد ازدهاراً على مستوى الصناعة والمنافسة الخارجية، لكنه اعتبر أن الكادر الصحافي في البلاد لم يحقق الفوائد المرجوة من هذا الازدهار، وحذر من تحديات كبيرة تواجه الصحافيين السعوديين في السنوات المقبلة. وأضاف الخبير الإعلامي ياسر عبدالعزيز، في حلقة نقاشية نظّمها المجلس الثقافي البريطاني في الخبر يوم الخميس الماضي، أن وسائل الإعلام التابعة، تمويلاً وتنظيماً، للمملكة تهيمن على قدر كبير من الصناعة المتفوقة في المنطقة، وأن عدداً لا يستهان به من هذه الوسائل يشكّل نمط الاعتماد السائد بين الجمهور السعودي والخليجي والعربي بشكل عام، لكن هذا لم ينعكس على الكادر الإعلامي المحلي بالشكل المتوقع. وقال عبدالعزيز في الحلقة النقاشية التي حضرها عدد من الإعلاميين السعوديين: «ستجد أن أفضل صحيفتين إقليميتين صادرتين بالعربية، وكذلك أفضل مجموعة ترفيه فضائية، وأكثر مجموعة رياضية مشاهدة، واثنين من أوسع المواقع الإلكترونية الخبرية انتشاراً، وواحدة من أهم قناتين إخباريتين عربيتين، والقناة العامة العربية الأولى على الإطلاق، كلها وسائل إعلام سعودية تمويلاً وتنظيماً، وأن جانباً من الكادر الفني الرئيسي بها سعودي أيضاً». وأوضح أن الصناعة الإعلامية السعودية «بلغت حداً كبيراً في النمو والتوسع وتحقيق الأرباح، واستكمال أغراض المأسسة والتنظيم، وهو نمو لم تحد منه الأزمة المالية العالمية، على رغم حدتها وانعكاساتها السلبية على معظم القطاعات الفاعلة في الاقتصادين العالمي والوطني»، مشيراً في هذا الصدد إلى محافظة الصحف المحلية على تحقيق أرباح مطردة منذ مطلع العقد الراهن. وأشار عبدالعزيز إلى أن المملكة تحتل أيضاً المرتبة الأولى بين الدول المالكة للفضائيات معلومة الهوية في المنطقة العربية، إذ تستأثر وحدها بنسبة 22.7 في المئة من تلك الفضائيات، بإجمالي 78 فضائية. لكنه حذر من أن هذا التطور والنمو الكبير، والذي تعزز بانفتاح محسوب في الداخل، وبتوسع واضح في الصناعة الإعلامية العربية عموماً، وبطلب متزايد على إطلاق وسائل الإعلام، بعد دخول أنماط ملكية وتمويل جديدة وسخية في الصناعة، لم يقابله نمو مواز في قدرة الصحافي السعودي ومهارته من جهة، ورضاه الوظيفي من جهة أخرى. وأشار إلى أن عدداً غير قليل بين الصحافيين السعوديين لم يحصل على التأهيل العلمي المناسب للعمل في هذه الصناعة، إذ تُقدر نسبة العاملين في الوظائف الصحافية من حملة الثانوية العامة أو ما دونها أو ما يوازيها، فضلاً عن المنخرطين في الدراسة الجامعية، بما لا يقل عن ربع إجمالي العاملين. وأشار إلى أن نسبة معتبرة من الكادر الصحافي في عدد من المنظمات الإعلامية السعودية من «المتعاونين»، الذين يعملون بالقطعة أو المكافأة الثابتة، ويشغل بعضهم وظائف أخرى معظمها في التعليم. ونبه إلى أن العامل الخاص بعدم التفرغ يسبب الكثير من الإشكالات، بعضها يتعلق بقدرة الصحافي على إنجاز عمله على الوجه الأكمل في وقت ينشغل فيه بوظيفة أخرى، إضافة إلى ما يظهر في أدائه من أنماط انحياز، بسبب انتمائه لجماعة مهنية أخرى، أو لأسباب تتعلق بوضعه البيروقراطي وعلاقاته بجهة عمله ورؤسائه. وأوضح أن الطبيعة الجغرافية للمملكة بدورها تخلق أكثر من تحدٍ أمام الصحافي السعودي، فذلك الاتساع يخلق أنماطاً صحافية مناطقية، ويؤدي هذا بالطبع إلى كثرة توظيف المتعاونين، وبعضهم غير مؤهل تأهيلاً كافياً، كما يؤدي إلى افتقاد العاملين روح العمل الجماعي والاندماج المؤسسي. ولفت إلى مشكلة «القسم النسائي» التي تبرز في الصعوبات الاجتماعية التي تواجهها الصحافيات السعوديات، وقلة الرواتب، وضرورة توظيف سائق، وعدم القدرة على التعلم عبر العمل من زملاء أقدم في المهنة، وانحسار فرص الكادر النسائي في الترقي في مراتب الإدارة، لأنهن لا يقتربن من مطابخ الصحف واجتماعات التحرير وورش الإنتاج بالشكل الكافي. وقال عبدالعزيز إن رواتب العاملين في الصناعة الإعلامية ودرجة الوجاهة الاجتماعية التي يتمتعون بها، أقل من تلك الموجودة في مهن أخرى مشابهة داخل المملكة، وأقل من تلك التي يجنيها نظراؤهم في الدول الخليجية المحيطة. واختتم بقوله إن تلك التحديات لم تكن عائقاً أمام عدد كبير من الإعلاميين السعوديين الذين أثبتوا تميزاً كبيراً، وبرهنوا على امتلاك قدرات مهنية عالية جعلتهم محل اعتماد وطلب متزايد من منظمات إعلامية داخل المملكة وخارجها.