تستمر حتى نهاية حزيران (يونيو) الجاري، فاعليات الدورة ال 32 ل «المعرض العام» الذي يقام سنوياً منذ 1983 في القاهرة، ويعد أحد أبرز الفاعليات الفنية على مستوى التشكيل المصري. شارك في الدورة 235 فناناً يعرضون 321 عملاً فنياً في مجالات الفن التشكيلي كافة، من رسم وتصوير ونحت وتجهيز في الفراغ وأعمال فوتوغرافيا وفيديو وغيرها. وتتميز هذه الفاعلية السنوية بتمثيلها أجيالاً واتجاهات وأساليب وأفكاراً مختلفة تموج بها ساحة التشكيل المصري، من اللوحة التقليدية بتشعباتها المختلفة، إلى الممارسات الفنية المعاصرة بألوانها وأطيافها، وهو ما يميز هذا الحدث الذي يعد انعكاساً لحال الفن المصري الراهن، بتناقضاته وأساليبه ومستويات الخبرة المتباينة في عروضه. يطالعنا المعرض في كل دورة بتشكيلة تتراوح عادة ما بين الغث والسمين. فثمة أعمال تميزها المعالجات البصرية الرصينة للشكل، بينما يطغى المحتوى في غيرها على الشكل وينحّيه جانباً. وثمة أعمال أخرى توائم ما بين الشكل والمحتوى من دون إفراط. ونورد هنا بعض النماذج، من قبيل الانتقاء العددي فقط. ففي مجال التصوير، يعرض الفنان سمير فؤاد عملاً من خمسة أجزاء، لوحة بثلاث لوحات إحداها ذات حجم كبير. أما الجزءان المتبقيان فقد أفردهما للكلمة المصاحبة التي تعد جزءاً من العمل، يعتمد العمل في محتواه على أحداث أسطورة طروادة الشهيرة، مع إيحاءات بصرية تلامس على نحو ما مجريات الأحداث على الساحة المصرية. على مستوى التجهيز في الفراغ، يبرز عمل الفوتوغرافي أيمن لطفي «التطهّر»، إذ تحمل أعماله طابعاً درامياً وتركيبياً. علّق لطفي على مدخل المساحة المعدّة للعرض، صورة كبيرة لوجه أنثوي، وفي الداخل أعد حوض استحمام في وسط القاعة يمكنك أن تلمح فيه (من طريق عارض الصور بروجكتور) شبحاً غائماً لفتاة تزيل ما علق ببدنها من أوساخ. ويحيط بها على الجانبين مشهدان معلقان على جانبي القاعة، أحدهما لامرأة في ثياب سوداء بملامح شيطانية، وأخرى في ثياب بيضاء ملائكية. يحمل العمل إسقاطاً على ما مرّت به مصر من أحداث، وما شاب هذه الأحداث من صراع للأفكار والأيديولوجيات. هذان نموذجان لشريحة من الممارسات المشاركة في المعرض العام، يوازن كلاهما بين المستوى البصري والمضمون كذلك. تتعدد مستويات بقية الأعمال المعروضة وتتفاوت قدرتها على ابتكار محتوى واضح المعالم. فمنها من طرح في شكل صريح العديد من الإشكاليات، ومنها ما تمتع بفقر في المحتوى والشكل معاً، وهو أمر لا يعيب «المعرض العام» والذي من المفترض أن يستوعب شرائح المشهد الفني كافة أياً كان توجهها، من دون حصاره في أساليب أو رؤى بعينها، وهي سمة تميزه عن بقية المعارض الأخرى التي تقام على مدار العام. حظيت هذه الدورة بأجواء تنظيمية جيدة، لعل سببها اختيار محمد طلعت الذي يتمتع بقدرة على التنظيم وخبرة في إدارة الفاعليات الفنية اكتسبهما من عمله كمدير لقصر الفنون بالقاهرة لسنوات، إضافة إلى إدارته باقتدار لإحدى القاعات الخاصة في حي الزمالك العريق، ما أكسبه خبرة المواءمة بين آليات السوق وأدوات الإبداع المعاصرة وفهماً لطبيعة الحركة الفنية المصرية وما يموج بها من أفكار واتجاهات.