ورقة صغيرة ترفعها في وجهك فتاتان قبل دخولك القاعة. الورقة كتِب عليها باللغة الإنكليزية «تنفس». وهو ما تأمرانك بفعله وبلهجة صارمة كشرط للدخول. بعد أن يكتمل العدد داخل القاعة المظلمة يلتف الحاضرون في حلقة شبه كاملة ليبدأ العرض. حركات أشبه بتدريبات اليوغا تقوم بها شابة ممشوقة القوام. ويشارك الحاضرون بدورهم في ما يحدث بناءً على توجيهاتها. لحظات من الهدوء تفرضها تمارين التنفس تتخللها صيحات لإضفاء نوع من التوتر، في حالة أقرب ما تكون إلى جلسات الاستشفاء. يستمر الأمر على هذه الحال حتى تتوقف السيدة أمام مشهد لغابة كثيفة تستحضره أمام عيون الحاضرين ذهنياً في البداية. ثم من خلال شاشة كومبيوتر. إنه العرض الذي تقدمه الفنانة جانيت بيلوتو، ضمن ورشة فن «البيرفورمانس» التي تقام حالياً في القاهرة حتى نهاية هذا الشهر. جانيت بيلوتو فنانة كندية تعيش وتعمل في دبي، حيث تدرس الفن في جامعة الشيخ زايد، وهي تعتمد في أعمالها على الأداء الحي. وعرضت أعمالها الفنية في عدد من العواصم والمهرجانات الدولية حول العالم. العرض هو جزء من ورشة عمل يتبناها «مركز مختار الثقافي» ويشرف عليها الفنان المصري شادي أديب سلامة. وهي ورشة مخصصة لفن «البيرفورمانس». وهو أحد الفنون الأدائية التي تنتمي إلى مجال التشكيل. وتعد أحد فنون التعبير التي فرضت نفسها أخيراً على الساحة الفنية باعتبارها إحدى أدوات التشكيل. تضم الورشة مجموعة من طلاب الفنون يتدربون على مدار شهر على مبادئ فن البيرفورمانس وأساليبه المختلفة من خلال مجموعة من الفنانين المصريين والأجانب ممن يعتمدون في أعمالهم على هذا الفن ومن بينهم جانيت بيلوتو، ميريت ميشيل وكمال ربيع. يتم التدريب من خلال الرؤية العملية للعروض الحية، إضافة إلى مشاهدة عدد من الأعمال الأخرى بواسطة الفيديو لفنانين مختلفين حول العالم. بحيث يتمكن المشاركون في نهاية الورشة من الإلمام بالكثير من جوانب الفن. وثمة عرض جماعي سيقدم في نهاية الورشة يشارك فيه أعضاؤها بعنوان “مشاهد من شوارع القاهرة”، وهو بمثابة التجربة العملية الأولى لجميع المشاركين في الورشة، واختباراً حقيقياً للمهارات التي اكتسبوها. وفن «البيرفورمانس» هو أحد الفنون المعاصرة التي لم يتم تسليط الضوء عليها، وهو فن بصري في الأساس، لكن معظم ممارسيه يستندون عادة إلى خلفية مسرحية، على رغم وقوفه على المسافة نفسها بين التشكيل والمسرح. فهو يُنظر إليه في الخارج من وجهة نظر تشكيلية تعتمد على الشكل واللون والضوء والعناصر الأخرى الموجودة في التشكيل. وهو عرض أدائي لا يعتمد على نص مكتوب ولا توجد فيه بداية ونهاية معروفتان سلفاً. فهو أشبه بالكائن الحي الذي يتكيف وفقاً للموقف والتفاعل الآني مع المشاهد أو الجمهور. وهو فن بصري يعتمد على الفكرة في الأساس، وتستخدم فيه الحركة والإضاءة والأداء الجسدي للفنان بدلاً من استخدام اللون إضافة إلى التفاعل مع الجمهور المشاهد. الفنان شادي أديب سلامة، هو أستاذ مساعد في قسم التصميمات في كلية التربية الفنية في القاهرة، وله العديد من الأعمال التي تعتمد على الأداء الحي أو فن البيرفورمانس، وهو أول فنان تشكيلي يتولى الإشراف على هذه الورشة خلال دوراتها الأربع التي أقيمت خلال السنوات الماضية، إذ كانت توكل مهمة الإشراف عليها عادة إلى أحد المسرحيين. وهو يرى أن فن البيرفورمانس هو فن بصري في الأساس ويخضع لمعايير الرؤية البصرية الجمالية على رغم وجوده في منتصف المسافة ما بين التشكيل والمسرح. يقول سلامة: «فن البيرفورمانس هو فن من دون قواعد، يعتمد على الأداء الحي، لكنه في الوقت ذاته يستعين بأدوات أخرى مساعدة من أجل التعبير. ويقدم لك مشهداً من الصعب نسيانه من خلال الصدمة أو التسلية. ونحن في هذه الورشة نحاول قدر المستطاع أن نقترب من هذا المفهوم من دون إفتعال أو تصنع». ويضيف: «هذه هي المرة الأولى التي أدير فيها ورشة لهذا الفن، نزولاً عند رغبة مدير القاعة الفنان تامر عاصم. فالورشة كانت تدار من قبل بواسطة فنانين لهم خلفية مسرحية. وهذه هي المرة الأولى التي يديرها فنان تشكيلي. وأنا عادة أميل لمثل هذا النوع من النشاط الحر لأنه يدعو إلى التفكير بشكل مختلف عن المنهج الأكاديمي الذي يقدم داخل الكليات». والبيرفورمانس هو أحد الأشكال الفنية المعروفة، فقد عرف طريقه إلى الوجود منذ خمسينات القرن الماضي. وبدأ في الانتشار منذ بداية السبعينات، وتعرف عليه الجمهور في مصر للمرة الأولى مطلع التسعينات من خلال الدورات الأولى لصالون الشباب. لكنه على رغم كل ما تقدّم، لا يدرس داخل الكليات الفنية رغم الإقبال على دراسته من قبل الأجيال الجديدة من الشباب.