يستأنف مؤتمر المعارضة السورية والذي ينظمه المجلس المصري للشؤون الخارجية أعماله في القاهرة اليوم، ومن المنتظر صدور بيان ختامي يتضمن «مشروعاً» لخريطة الطريق و «وثيقة للحل السياسي» تمهيداً لتنفيذ بنود «جنيف 1» (هيئة الحكم الانتقالي بصلاحيات تنفيذية كاملة). ويسعى المشاركون في مؤتمر «من أجل الحل السياسي في سورية» إلى إقرار ميثاق وطني سوري وإعلان خطة تحرك لتنفيذ التوصيات التي سيتم الاتفاق عليها، وذلك من خلال لجنة المتابعة التي تشكلت إثر الاجتماع الأول في القاهرة في كانون الثاني (يناير) الماضي والذي أسفر عن التوافق على عشر نقاط في خطة تحرك المعارضة. وقال وزير الخارجية المصري سامح شكري في الجلسة الافتتاحية أمس إن المؤتمر الحالي يستهدف صوغ تصور يتأسس على نقاط توافقية، ويتضمن رؤية واضحة لمستقبل سورية، وصيغة تنفيذية لوثيقة جنيف، بحيث يتم طرح هذا التصور على الشعب السوري والمجتمع الدولي من أجل الوصول إلى حل سياسي. وأوضح أن العمل على هذا الملف لن ينتهي بانعقاد هذا المؤتمر «فخروجكم اليوم وغداً بمقترح لإنفاذ الحل السياسي هو البداية، وسنعمل سوياً من أجل حمل رسالتكم ورؤيتكم لسورية والعالم». وأكد أن «التصور» الذي سيخرج عن هذا المؤتمر «سيكون مفتوحاً لجميع الأطراف والفصائل والتجمعات السورية لتبنيه»، ف «قوة ونجاح جهودكم منذ البداية ارتكنت على تطلعات مجمل الشعب السوري، ولم تقتصر يوماً على أطراف دون أخرى». وشارك في الجلسة الافتتاحية للمؤتمر الأمين العام لجامعة الدول العربية نبيل العربي ورئيس البرلمان العربي أحمد الجروان، وممثل المجلس المصري للشؤون الخارجية الراعي للمؤتمر السفير وهيب المنياوي، ونحو 170 من ممثلي قوى المعارضة الوطنية السورية وأعضاء لجنة متابعة اجتماع القاهرة، ويشارك في المؤتمر أيضاً الرئيس السابق ل «الائتلاف الوطني السوري» أحمد الجربا، ورئيس «هيئة التنسيق» السورية حسن عبد العظيم، والفنان جمال سليمان، والمعارض هيثم مناع، والناطق السابق باسم النظام السوري المنشق عنه جهاد مقدسي. وقال شكري في كلمته الافتتاحية إن «التجربة أثبتت أن مواجهة خطر التنظيمات الإرهابية وإعادة توحيد الأراضي السورية، لن تتحقق من دون التوصل إلى تسوية سياسية مبنية على وثيقة جنيف»، و «تبدأ بإنشاء هيئة حكم انتقالية تتمتع بكافة الصلاحيات التنفيذية، وتكتسب شرعيتها من الشعب السوري ومن الاعتراف الدولي بها باعتبارها صيغة توافقية مدعومة من قبل المجتمع الدولي (...) بحيث تتمكن تلك الهيئة بمؤسساتها المختلفة من إدارة عملية عودة المهجرين وإعادة الاستقرار وإنفاذ القانون» و «تتمكن من جذب الدعم الداخلي والخارجي لمواجهة القوى المسلحة الرافضة للتسوية ولكي تتمكن هيئة الحكم من ممارسة السيادة على كافة الأراضي السورية». وأوضح شكري أن حديثه أمام المؤتمر «غير مبني على مواقف مسبقة»، و «لا يجول بذهننا كمصريين، شعباً ودولة، رؤية تتأسس على شخصيات أو قوى بعينها أياً كانت توجهاتها». وشدد على أن «الوجود المصري» في الحالة السورية «يتأسس على دعم شعب شقيق ورعاية خياراته وتطلعاته وطموحاته المشروعة للتغيير وبناء دولة ديموقراطية تعددية تساوي في الحقوق والواجبات بين كل السوريين أياً كانت انتماءاتهم، دولة مؤسسات، موحدة، وذات سيادة على جميع الأراضي السورية»، نافياً بذلك ما ردده البعض من أن القاهرة تبحث عن «كيان معارض بديل» ل «الائتلاف الوطني لقوى المعارضة والثورة السورية». وكان «الائتلاف» قد قاطع رسمياً مؤتمر القاهرة على أساس رفض الحكومة المصرية مشاركة كوادر منه بسبب انتمائهم إلى جماعة «الإخوان المسلمين». وأشار شكري إلى تحول الحراك الشعبي السوري الذي انطلق في آذار (مارس) 2011 إلى «صراع مسلح بالوكالة»، و «تحولت الأراضي السورية ملاذاً آمناً ومرتعاً للإرهابيين من كل حدب» و «باتت رهينة لطائفية بغيضة تعمق أزمتها وتباعد بينها وبين الحل السياسي»، معرباً عن أسفه من أن «فاتورة مأساة سورية لم يتحملها سوى أبناء الشعب السوري... ولم يزل الشعب السوري يعاني، ولم تزل المصالح الضيقة والطائفية تتحكم في حاضر سورية وتهدد بتدمير مستقبلها». واعتبر أن المجتمع الدولي «لم ينجح حتى الآن في الخروج بتوافق حول صيغة تنفيذية للتسوية السياسية في سورية بناءً على الوثيقة الوحيدة المتفق عليها وهي وثيقة جنيف»، داعياً إلى الوقوف على واقع الأمور على الأرض، «فالعملية السياسية جمدت لفترة طويلة، والعمليات العسكرية المتصاعدة أصبحت أكثر جذباً للجهود والإمكانات الدولية والإقليمية على حساب التسوية السياسية». وأكد مجدداً أن «بعض القوى والشخصيات الوطنية السورية» عملت «على تشجيع دور مصر وطلب دعمها ورعايتها لجهد سوري وطني خالص»، وأن «استجابة مصر لهذه الجهود تأسيساً على حرصنا الطبيعي على الحفاظ على سورية»، و «استجابةً لمتطلبات الأمن القومي العربي، ومن خلال البناء على صدقية سياسة مصر تجاه الأزمة منذ بدايتها». وقال شكري: «إن مصر لم تتدخل ولن تتدخل يوماً في شأن شعب عربي شقيق، لم تسع إلى تطويع الثورة السورية أو توظيفها تحقيقاً لمصالحها وأهدافها، وستظل دوماً على استعداد لتقديم يد العون والرعاية لأشقائها العرب». وتعهد بأن «مصر شعباً ودولة ستقف وراءكم لدعم جهودكم للتوصل للحل السياسي، ولتمكينكم من الالتزام بواجبكم تجاه شعب محمل بالمآسي». وشرح عضو اللجنة التحضيرية لمؤتمر القاهرة عضو المكتب التنفيذي لهيئة التنسيق السورية صالح النبواني، في كلمته، الوثائق المعروضة أمام المؤتمر والتي تتضمن مشروعاً ل «خريطة الطريق» لوضع آليات لتطبيق بيان جنيف 1. وقال إن ذلك يأتي سعياً للوصول إلى «نظام برلماني تعددي تداولي لا مركزي ديموقراطي، ووضع برنامج لتهيئة المناخ للتسوية السياسية التاريخية قبل وأثناء التفاوض، ووقف الصراع المسلح على كافة الأراضي السورية، التزام كافة الأطراف الدولية والإقليمية بإدانة وجود المقاتلين غير السوريين وإخراجهم من سورية وتجفيف منابع التمويل والدعم لهم». وأشار إلى بند عودة المهجرين وجميع السوريين المعارضين إلى سورية دون أي مساءلة أمنية أو قانونية أو سياسية، والعمل على إطلاق سراح جميع المعتقلين والمخطوفين لدى كافة الأطراف، وكذلك إلغاء جميع الأحكام الكيدية لا سيما محاكم الإرهاب والأحكام الاستثنائية والمحاكم الشرعية الصادرة على خلفية الأحداث منذ 2011، ومتابعة ملفات جبر الضرر ورد المظالم. وحول إنشاء هيئة الحكم الانتقالي ومؤسساتها، قال النبواني إنها تشمل «المجلس الوطني الانتقالي الذي يتولى التشريع والرقابة على الحكومة في المرحلة الانتقالية، مجلس القضاء الأعلى، حكومة المرحلة الانتقالية التي تتمتع بكافة الصلاحيات التنفيذية المدنية والعسكرية الممنوحة لرئاسة الجمهورية ومجلس الوزراء في الدستور القائم حالياً، المجلس الوطني العسكري والانتقالي الذي يعمل على إعادة هيكلة مؤسسة الجيش والأمن للوصول إلى جيش وطني والبدء في بسط السيادة الوطنية على كافة الأراضي السورية». وأشار النبواني إلى أن المؤتمر يبحث «إقرار مشروع الميثاق الوطني السوري، اعتماداً على ميثاق القاهرة 2012، والذي سيكون بحال إقراره مرجعاً للمبادئ الدستورية للمرحلة الانتقالية وكتابة دستور جديد يعتمد قيم الحرية والعدالة والسلام ويقوم على الشراكة المتساوية والمؤسسة المدنية المستقلة على كافة مكونات المجتمع وأيديولوجياته». من جهته حمّل العربي النظام السوري المسؤولية الكاملة عمّا آلت إليه الأمور، نتيجةً لممارساته و «إصراره على المُضيّ في خيار التصعيد والحسم العسكري، وعدم استجابته لمختلف المبادرات السياسية التي طُرحت من أجل حل هذه الأزمة، الأمر الذي فاقم من أعمال القتل والتدمير والعنف والجرائم البشعة التي تُرتكب بحق المدنيين السوريين الأبرياء، وأتاح كل ذلك إلى تزايد نفوذ المنظمات الإرهابية وتمدّد أنشطتها لتشمل أنحاء واسعة من الأراضي السورية، مُهدّدةً كيان الدولة السورية الشقيقة ومؤسساتها ووحدة أراضيها وشعبها». وأكد العربي أن الحل في سورية يجب أن يكون حلاً سورياً سلمياً وبإرادة وطنية حرة، مشيراً إلى جهود الجامعة منذ بداية الأزمة، من أجل توحيد صفوف المعارضة السورية ورؤيتها السياسية إزاء متطلبات المرحلة الانتقالية. وأعرب عن أمله في أن يُكّلل اجتماع القاهرة بنتائج تُسهم في بلورة تلك الرؤية السياسية المشتركة للمعارضة السورية إزاء متطلبات المرحلة الانتقالية، وتُسهم أيضاً في وضع آلية مناسبة تضمن تحقيق المشاركة والتمثيل الأوسع لمختلف أطياف المعارضة في إطار تنظيمي قادر على إدارة عملية المفاوضات مع الحكومة السورية وفقاً لبيان جنيف 1. وشدد العربي على أن المُضيّ في الخيار العسكري لن يفضي إلا إلى المزيد من الفوضى والدمار ونزيف الدماء. بدوره حمّل الجروان المسؤولية للنظام السوري، والمجتمع الدولي، ومختلف الأطياف، مسؤولية إطالة أمد الأزمة، مطالباً المجتمع الدولي بأن يتحمل مسؤولياته الأخلاقية والسياسية تجاه الأزمة السورية، والعمل بجد من أجل إنهاء الأزمة «بعيداً عن المصالح وصراع النفوذ الذي يذهب ضحيته الشعب السوري». وأعرب عن اعتقاده بأن الحل للأزمة السورية لا بد أن يكون حلاً سورياً خالصاً، تصنعه القوى الوطنية. وكان عضو اللجنة التحضيرية للمؤتمر قاسم الخطيب صرح بأن المؤتمر سيبحث في يوميه وثيقة سياسية تحدد ملامح خريطة الطريق لمستقبل سورية، فيما تحدث عضو اللجنة فراس الخالدي عن محاولات جرت ل «تشويه المؤتمر من قبل أصحاب بعض الأجندات في سورية». ونفى الخالدي أن مؤتمر القاهرة سيخرج بتشكيل كيان جديد بديل للائتلاف السوري يكون متحدثاً باسم المعارضة، ونفى أيضاً كلاماً عن مشاركة النظام السوري في المؤتمر، وقال إن هذا أمر لا صحة له «فالمؤتمر لقاء أطراف من المعارضة، وليس هناك أي وجود لممثلين عن النظام»، مشيراً إلى أن الأطراف المشاركة هي: مكونات الحراك الثوري، الجيش الحر، هيئة التنسيق، أعضاء من الائتلاف السوري يشاركون بصفتهم الشخصية كمعارضين، وتيارات أخرى، إضافة إلى المستقلين. وأكد الخالدي أن المؤتمر يبحث في «الخروج بخريطة طريق ورؤية للحل السياسي في سورية، وميثاق عهد بين المؤتمرين»، وقال إن الرؤية المشتركة من المجتمعين في القاهرة متفقة على: «رحيل الأسد، والحفاظ على وحدة الشعب والدولة، والحل السياسي السلمي من أجل تجنيب السوريين وطيس الحرب الدائرة». وعن غياب بعض المكونات المعارضة، قال الخالدي: «لم نقص أحداً، بل كنا منفتحين على جميع الأطراف المعارضة، إلا أن البعض له أجندته الخاصة».