على رغم تعدد الخطط والبرامج الوطنية، والمساعدات التي تقدمها المنظمات الدولية، فقد فشلت معظم الدول النامية في تحقيق ما اصطلح على تسميته بالتنمية المستدامة. لا شك في أن لهذا الفشل أسبابه المتعددة والمتشابكة. لكن ما يهمنا هنا هو معرفة ما إذا كانت المنظمات الدولية تقوم بدور إيجابي في التنمية المنشودة أم لا؟ وذلك من خلال تناول نموذج منها هو البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة UNDP الذي يعرف عن نفسه ودوره وأهدافه بأنه شبكة التنمية العالمية للأمم المتحدة، وبأنه يشجع التغيير ويربط البلدان عبر المعرفة والخبرة والموارد لمساعدة الشعوب على بناء حياة أفضل. لقد تعهد قادة العالم في قمة التنمية الألفية المنعقدة في عام 2000 بإنجاز أهداف التنمية الألفية بما فيها الوصول إلى هدف تخفيض الفقر إلى النصف مع حلول عام 2015. ومن المفترض أن تقوم شبكات برنامج الأممالمتحدة الإنمائي بالربط والتنسيق بين الجهود العالمية والوطنية لتحقيق تلك الأهداف، وأن يساعد البرنامج الدول النامية على اجتذاب واستخدام المساعدات في شكل فاعل. وأن يشجع على حماية حقوق الإنسان وتمكين المرأة. ويتضمن عمل البرنامج إنجاز تقرير التنمية الإنسانية السنوي ودعم المئات من تقارير التنمية الإنسانية الإقليمية والوطنية والمحلية. تعتبر الحكومات الشريك الأساسي للبرنامج الإنمائي، وهي المسؤول الأول والأخير عن الخطط. لكن هذه الحكومات ارتضت بإرادتها أن يضطلع البرنامج الإنمائي بدور كبير في هذه الشراكة فلا يقتصر على مساعدة تلك الحكومات في التنسيق وتقديم الاستشارات، بل تعداه إلى القيادة المشتركة مع الحكومات. الأمر الذي يدل عليه تدخل البرنامج في كل شاردة وواردة في تلك الخطط والبرامج. وبينما تساهم الحكومات المحلية عموماً بحوالى ثلثي المبالغ المطلوبة، يساهم البرنامج الإنمائي بالثلث. ومن خلال الاطلاع على بنود موازنة عدد من المشاريع يتبين أن نسبة كبيرة منها تذهب إلى جيوب الخبراء الدوليين (حوالى 40 في المئة) أي أن معظم إن لم نقل كل مساهمة البرنامج الإنمائي المالية يعاد امتصاصها من المشروع على شكل أجور للخبراء الدوليين. ولنضع خطاً أحمر تحت كلمة خبراء. فهو موضوع على درجة كبيرة من الأهمية وفيه إشكاليات. طبعاً، لا يتعلق الموضوع بالبرنامج الإنمائي فقط، بل يتعداه الى معظم المنظمات الدولية. ومما يمكن الإشارة إليه في هذا المجال، ظاهرة الفساد التي لم تعد المنظمات في منأى عنها. فبالنسبة للخبراء، لا يتم اختيارهم، بالضرورة، على أساس الاختصاص، بل تتدخل العلاقات الشخصية والمحسوبية ضمن هذه المنظمات. وهناك نوع من الفساد المتبادل بين تلك المنظمات والعديد من الجهات المنفذة للمشاريع، فالفائدة المادية التي يمكن أن تعود على بعض الموظفين المحليين تدفعهم لإقرار المشاريع دون الأخذ في الاعتبار إن كانت بلدانهم تحتاجها أم لا، ومن دون الخوض في تفاصيل مهمة، كاختيار الخبراء المناسبين، وتحديد الفترة الزمنية الضرورية. وتدني أجور الخبراء المحليين (يتقاضى الخبير المحلي في أحسن الأحوال حوالى ربع ما يتقاضاه الخبير الدولي) بالمقارنة مع الخبراء الدوليين إهانة للخبرات المحلية، التي تعادل في كثير من الأحيان الخبرات الأجنبية إن لم نقل أنها تتجاوزها أحياناً، وهو ما يدفعنا للتساؤل مرة أخرى حول مبررات الاستعانة بالخبرات الأجنبية، وأسباب إصرار الجهات الدولية على استقدام خبراء دوليين؟. وتأتي مشاريع المنظمات الدولية وضمناً البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة في سياق تطبيق شروط المؤسسات الدولية (صندوق النقد والبنك الدوليين ومنظمة التجارة العالمية) التي أدت سياساتها إلى نتائج كارثية. وإذا كانت هذه المشاريع قد ربطت نفسها بتحديات لها علاقة بتحقيق أهداف الألفية التي تمحورت حول تحقيق إنسانية الإنسان وتحسين ظروفه الحياتية ومكافحة الفقر والبطالة، فإن أياً من هذه الأهداف لم يتحقق. بل إن ما يجري هو العكس تماماً، حيث أعداد الفقراء والعاطلين من العمل في ازدياد، والأجور في تراجع، ومعدلات النمو ليست في أحسن أحوالها، وعدد الجياع في العالم تجاوز البليون؟!. ويلاحظ أن سياسات البرنامج الإنمائي لا تعطي الاهتمام المطلوب بقطاع الصناعة بالرغم من دوره المركزي والاستراتيجي في التنمية، ويسجل على مشاريع البرنامج الإنمائي المتعلقة بظواهر الفقر والبطالة سلبيات عديدة منها: استهدافها للفئات الفقيرة جداً، فقط بهدف انتشالها من تحت خط الفقر الأعلى (المدقع) إلى تحت خط الفقر، وعدم الاكتراث بمن هم عند خط الفقر والذين يشكلون نسبة كبيرة تتجاوز ثلث السكان في العديد من البلدان النامية، وإصرارها على تغييب دور الدولة التدخلي، والاستمرار في اتباع أساليب أثبتت التجربة فشلها، كمنح القروض الصغيرة. ومن باب إنصاف البرنامج الإنمائي، لا بد من الإشارة إلى بعض التقارير المهمة التي يساهم في إصدارها، كتلك المتعلقة بالتنمية والفقر والبطالة. ويعتبر تقرير المعرفة العربي للعام 2009 الذي أصدره البرنامج بالتعاون مع مؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم، مثالاً عن تلك التقارير المهمة والجيدة. لكن ذلك لا يغير شيئاً من حقيقة الدور الهامشي الذي يقوم به البرنامج في مجال التنمية الفعلية للبلدان النامية، وهو ما ينسحب على معظم، إن لم نقل جميع، المنظمات والبرامج الدولية، سواء تلك التابعة للأمم المتحدة أو للدول المانحة. والسؤال الذي يطرح نفسه: ما الذي يمنع الدول النامية من الاعتماد على إمكاناتها الذاتية وخبراتها المحلية في تنفيذ مشاريعها التنموية؟. * كاتب فلسطيني