جاء في تقرير أميركي، نُشر الاثنين، ووضعه الجنرال مايكل فلين نائب رئيس الأركان لشؤون الاستخبارات لدى القوات الأميركية والأطلسية في أفغانستان أن مسؤولي الاستخبارات في هذا البلد «يجهلون الاقتصاد المحلي ومُلاّك الأرض ولا يعلمون على وجه الدقة الأشخاص المؤثرين في المجتمع وكيفية التأثير فيهم. كما أنهم بعيدون ممّن هم في المواقع المثلى لمعرفة الإجابات». واستخلص التقرير أن الاستخبارات الاميركية «عاجزة عن الإجابة على اسئلة جوهرية حول الأجواء التي تعمل فيها القوات الأميركية والقوات الحليفة... إن صلة الاستخبارات الأميركية بالاستراتيجية العامة، بعد ثماني سنوات من الحرب في أفغانستان مجرد صلة هامشية». هذه الخلاصة الكارثية لعمل الاستخبارات الاميركية في أفغانستان ربما لا تكون اخذت في الاعتبار الضربة الاستثنائية التي تلقتها وكالة الاستخبارات المركزية (سي. آي. ايه) هناك، والتي أدَّت الى مقتل سبعة من مسؤوليها، بينهم اثنان من ذوي المسؤوليات الأساسية، في تفجير انتحاري داخل قاعدة خوست، والتي اتضح اليوم أن منفذها هو اردني يعمل عميلاً مزدوجاً للوكالة وحركة «طالبان». هذا هو وضع الاستخبارات الأميركية في أفغانستان، الجبهة الأمامية في الحرب على الإرهاب. لكن وضع هذه الاستخبارات لا يقل سوءاً عنه داخل الولاياتالمتحدة نفسها. اذ كشفت محاولة النيجيري عمر الفاروق عبد المطلب تفجير طائرة في رحلة الى مدينة ديترويت اخطاء وانعدام تنسيق وسوء تقدير لدى الأجهزة الأميركية المختلفة، خصوصاً ان وزارة الخارجية وأجهزة الاستخبارات كانت تملك معلومات عن عبدالمطلب، لكنها لم تربط الخطوط على نحو يجعلها تضعه على قائمة المشتبه بهم، قبل ان تمنحه الخارجية تأشيرة دخول صالحة لمدة سنتين. هذا هو الواقع الاميركي في التعامل مع الإرهاب. علماً أن عدداً غير محدود من الإجراءات وصلاحيات استثنائية أعطيت لأجهزة الأمن الأميركية في ظل حكم المحافظين الجدد. لكن كل ذلك لم يؤدِ الى منع عمل إرهابي او محاولات القيام بأعمال إرهابية داخل الولاياتالمتحدة او خارجها، ولم يُفضِ الى تقدم في الحرب على الإرهاب في العالم. ويُعتقد أن أية إجراءات جديدة في هذا الشأن أعلنها الرئيس الديموقراطي باراك اوباما، بعد اجتماعه امس مع مسؤولي الأمن في البيت الابيض، او قد يعلنها في مرحلة لاحقة، لن تُدخل تعديلاً اساسياً على احتمالات التهديد الإرهابي. إذ إن كل التقنيات المستخدمة حالياً قد تُعيق تنفيذ عمل إرهابي لكنها لن تكون قادرة على منعه، كما أن الزج بمزيد من القوات على مسرح العمليات قد يحقق انتصاراً موضعياً لكنه لن يكون قادراً على اجتثاث الظاهرة. وكل تقدم تحرزه الإجراءات الأمنية يترافق مع تقدم تحرزه التنظيمات الإرهابية. يطغى الإرهاب الذي تمارسه «القاعدة» و»طالبان»، وفروعهما في العالم على ما شهده التاريخ من إرهاب. لكن شواهد التاريخ تُظهر أن اشكال الإرهاب تتصل بالظرف السياسي الذي يعيشه العالم، ولا يمكن القضاء على إرهاب ما إلاّ بتغير هذا الظرف، وإن كانت الإجراءات الأمنية تحدُّ من حركته وتعقِّدها. ومثلما كانت الحرب العالمية الاولى نهاية الإرهاب الفوضوي الذي ضرب أوروبا في نهاية القرن التاسع عشر ومطلع العشرين، شكل انهيار الاتحاد السوفياتي نهاية للإرهاب اليساري. وعندما طرح المحافظون الجدد تغيير المجتمعات التي اعتبروها أرضاً خصبة لنشوء الإرهاب، تصوروا أن مزيداً من الإجراءات القمعية واستخدام القوة العارية يكفي لهزيمة الإرهاب. والنتيجة معروفة في البلدان التي طُبقت فيها هذه النظرية من العراق وأفغانستان وباكستان واليمن والصومال الى بعض الدول الافريقية والآسيوية. وهنا بالضبط التحدي الذي يكمن امام إدارة الرئيس اوباما الذي يرى نفسه مجبراً على معالجة هذه القضية ذات الأبعاد الدولية، بعدما امضى سنته الاولى في الحكم مركِّزاً على الاقتصاد والحماية الصحية في بلاده. مضمون هذا التحدي هو العمل مع الحلفاء لإحداث اختراق سياسي كبير في المشكلات التي تعانيها المنطقة على المستويات السياسية والاقتصادية والثقافية، والتي بدورها تحدث تغييراً في الظروف التي جعلت الإرهاب وسيلة للعمل السياسي.