بعد سنة كاملة من الأخبار التي تبثها الفضائيات حول المعارك والحروب والصراعات والنزاعات، وأخبار مماثلة عن الكوارث الطبيعية والفيضانات والسيول وإنفلونزا الخنازير والأزمة المالية العالمية، تحل صورة نهايات السنة الآفلة، وبدايات السنة الجديدة على الشاشة لتحمل من المفارقات ما يمكن وصفه ب «طرافة تلفزيونية» تنسف تلك اللوحة القاتمة التي نسجتها، يوماً بعد يوم، الأخبار «المفخخة»، والنشرات «الملغومة». عمّت الاحتفالات كوكب الأرض من هونغ كونغ الى ريو دي جانيرو مروراً بسيدني ودبي وبيروت وباريس ولندن... مدن الجنوب والشمال تحولت على الشاشات، وفي الواقع بالطبع، إلى كرنفال صاخب، بهيج. فاضطر المشاهد، والحال كذلك، الى عقد مقارنة بين سنة أثقلتها الشجون، ولحظات ملهاة سريعة، ليستنتج بأن هذه السعادة الطارئة التي تفصل بين عامين هي أشبه برغبة مضمرة في السخرية من أرشيف عام كامل راكمته الفضائيات، يحوي أخبار الكوارث والحروب وقصص قتلى التفجيرات الإرهابية، ويتساءل: هل، حقاً، البشرية سعيدة على النحو الذي ترسمه احتفالات رأس السنة؟ والأنكى من ذلك في غمرة هذه البهجة الكونية، أن أي استطلاع تجريه الفضائيات، عربية كانت أم أجنبية، حول أمنيات وأحلام الشعوب للعام الجديد، سيقدم لك الأجوبة ذاتها: «أن يعم السلام في المنطقة، والعالم، وأن تنتهي بؤر التوتر والنزاعات». وقد تختلف التعابير، وتتباين الآمال قليلاً بين منطقة جغرافية وأخرى، لكن هاجس السلام يظل قاسماً مشتركاً يُروى بألسنة شتى، وبجميع لغات العالم، وهو ما يتعارض مع الأضواء الملونة، والمهرجانات والبهلوانيات والأقنعة المرحة والرقصات والموسيقى التي تملأ الشاشات شرقاً وغرباً، ويذكرنا بفيلم «الساحر» للراحل رضوان الكاشف، والذي حمل عنواناً فرعياً هو «نظرية البهجة»، إذ يتحدث الفيلم عن اختراع بشر بسطاء مهمشين لبهجة مختلسة وسط ظروف قاسية بائسة، في حارة شعبية مهملة، منسية! الفضائيات لا تكتفي بملاحقة تفاصيل هذا الفرح الكوني، وتجاهل أرشيفها الإخباري «المرعب» الذي أنجزته خلال عام فحسب، وهو أرشيف عكس الواقع على أي حال، بل هي ذاتها تحتفل بطريقتها الخاصة بالمناسبة، إذ تجتهد كل فضائية في التعبير عن احتفائها بالحدث بطريقة تطمح لأن تكون متميزة، واستثنائية. مسابقات وألعاب، وضيوف ونجوم... وتتحول الاستوديوات الى صورة مصغرة لعالم يخترع نظرية للبهجة؛ قصيرة، وعابرة تماماً كتلك اللحظة الخاطفة التي تفصل بين سنتين، إذ سرعان ما ستعود الملفات الدامية لتحتل الشاشات، وستظل الشعوب مع بداية كل عام جديد تحتفل وتعرب عن رغبتها في «سلام» مؤجل، بعيد المنال. والتلفزيون، سيظل أميناً في تسجيل كل تلك الصور، مهما بدت متناقضة، وهو في ذلك لا يخدع أحداً، بل ينطق بلسان مرحلة قلقة تتأرجح، كما هو دأبها، بين الكثير من الحزن، والقليل من الفرح!