في شرقنا البائس هذا، يفرض اعتقال أي كاتب أو صحافي مشكلة على أصدقائه وزملائه. إذا هم طالبوا بالإفراج عنه، استغلت سلطات الاستبداد مطلبهم لاتهامه واتهامهم بالضلوع في حملة تحركها قوى الاستعمار والاستكبار أو "الغرب" عموماً من دون تعيين أو تخصيص، لزعزعة نظام الحكم الممانع المقاوم المجاهد أو للتدخل في الشؤون الداخلية "السيادية". أما سكوت الصحافيين والكتاب فيفسره أصحاب السجون كتخلٍ عن الزميل المُعتقل واعتراف ضمني بذنبه المسند إليه. ولعل الصحافي والباحث الإيراني محمود شمس الواعظين عينة نموذجية على المأزق هذا. وبعد تضييق مستمر منذ أعوام، تفاقم بعد الانتخابات الرئاسية الماضية، اعتقلت السلطات الرجل وألقت به في سجن إيفين، الذي سبق ان "زاره" مرات عدة ولأسباب ومناسبات مختلفة. وليست نادرة الحالات التي تعرض فيها الصحافيون المسجونون لاستجوابات قاسية من سجانيهم عن علاقات المُعتَقَلين بمقالات نُشرت على سبيل التضامن معهم. بيد أن المشكلة هذه تُبرِز جانباً أخلاقياً لا مفر من التعامل معه. فالتغافل عن معاناة انسان، كل ذنبه حديث أدلى به الى وسيلة إعلام أجنبية (من دون ان يقدِّر الموقف أو يحلّله، بحسب ما قالت فريبا عباس – غوليزاده زوجة شمس الواعظين، ومن دون ان يجيب عن طلبات وسائل الاعلام الناطقة باللغة الفارسية إجراء لقاءات معه)، التغافل ولو بذريعة ان إثارة قضيته قد يضر به في سجنه، يشير الى تنازل أنصار حرية الرأي عن موقعهم والتسليم للسلطات القمعية بالحق في فرض قوانين اللعبة التي تحتل فيها ممارسات القهر والإرغام والتهويل مواقع متقدمة. غني عن البيان ان اعتقال شمس الواعظين يندرج في سياق أوسع هو سياق الأزمة السياسية التي يواجهها الحكم في طهران وان الباحث المعتقل الذي يعتبر من الأبناء المخلصين للثورة الاسلامية مذ كان طالباً في بيروت، ومن الأصوات المعتدلة والعاقلة في الجناح الاصلاحي في ايران، ليس مستهدفاً لشخصه فحسب، بل إن توقيفه جزء من سلسلة خطوات يسعى فيها الممسكون بالحكم الى معالجة ما أسفرت عنه انتخابات الثاني عشر من حزيران (يونيو) بالوسائل التي يجيدون تحريكها. وعلى رغم ذلك، يتعين القول إن في توسع حملة الاعتقالات لتشمل أناساً من صنف شمس الواعظين لا يبشر بالخير لمستقبل الصراع السياسي في ايران، ناهيك عن الاعداد الكبيرة من المعتقلين السابقين المنتمين الى شتى المشارب والقوى المعارضة للنظام. وفي معزل عن مجريات الأحداث الإيرانية، وفي معزل كذلك عن تشديد السلطات في عالمنا العربي والإسلامي على اعتبار قضايا الحريات العامة مسائل "داخلية وسيادية" تمس أمناً قومياً عصياً على التعريف والإحاطة، من الملحّ تبني القائلين بأهمية الحرية، بصنوفها وأوجهها كافة، فصلاً ناجزاً بين واجبهم في الدفاع عن مواقفهم وتحمل تبعاتها ومسؤولياتها مهما كانت، وبين حق السلطات في تطبيق "قوانين" طوارئ واستثناء واستنساب، بعضها لا مرجع له سوى الاعتباط. هل نؤذي شمس الواعظين بكلماتنا هذه؟ لا نستطيع الجزم، بالسلب أو بالإيجاب. لكن الحس السليم يقول إننا سنزيد من الضرر الذي يلحق به وبكل الصحافيين والباحثين والكتاب، اذا أزيحت قضيته إلى الهامش ليغلفها النسيان ويحكمها رأي السلطان.